محمد الوشيحي

نحن الحطب يا مدعين الحطوبة!

سأقطع يمناي الكريمة قبل أن تكتب مديحاً في حق الزميل سامي النصف، خصوصاً بعد مقالاته عن الأحداث في السنوات الأخيرة، وتشكيكه في مواطنة حضور ساحة الإرادة، وتبريره المزمن لأفاعيل السلطة، وسنّ قلمه المدمن على التبرير للسلطة وشيطنة المعارضة. سأقطعها وأرميها لكلاب الشارع العربي التي تعاني أزمة سكن.
عذراً أبا عبداللطيف، أو أبا عبده، كما أسميك، فقد كنت لسنوات قلم الفساد وكاميرا العبث وصوت الطغيان، فكما أن هناك قانونيين ارتدوا ثياب الخياطين، ليخيطوا قوانين توافق أصحاب النفوذ، هناك إعلاميون مهمتهم الإشارة إلى مكان الفوضى والتصفيق والصراخ بدهشة: "الله الله، انظروا إلى روعة هذه اللوحة السيريالية"… أبا عبده، كنتٓ مبرراتياً لا يُشق له غبار، وملمعاتياً لا يُهد له جدار، ولهذا، لهذا فقط، كما أرى، استطعت، أنت، التنقل بين "بوفيه الحلويات"، مرة تتناول البسبوسة، وتارة تتناول الكنافة، والبلد بالكاد يتناول الخبز اليابس.
ومشكلتك الأخيرة مع وزير(ك) لا علاج لها عندنا أفضل من "نار تأكل حطبها"، لولا أن الناس، للأسف، هم الحطب وأنتما النار، إذ لن تتأثرا أنت ووزيرك بصورة مباشرة، ولا حتى من يقف خلف الكواليس حذراً من الظهور على خشبة المسرح، وما أكثر الواقفين خلف الكواليس، في حين سيكون البسطاء وقود هذه النار، وهو ما دفعني وآخرين إلى الوقوف معك في هذه الجزئية، أي مع إتمام صفقة شراء الطائرات المستعملة.
لا تعنينا تفاصيل خلافكما. لا يعنينا كبرياء الوزير، ولا كبرياؤك أنت، يعنينا فقط دابة تنقلنا بسلام، نمتطيها مطمئنين، بعد أن تبخرت أموال دولتنا في الشرق والغرب، وبعد أن تحولت السلطة إلى ساحر يُدخل الأموال في كمه الأيمن، فتخرج لنا حمامة من الكم الأيسر… وقوفنا معك لأنك خرجت إلينا وتحدثت بالأرقام، في حين تعملق الوزير على الشعب، كعادة الوزراء، وتضخمت ذاته فرأى نفسه أكبر من أن يظهر على الشاشات ليرد على تساؤلات الناس.
أبا عبده، نعلم أن الرياح المضادة لهذه الصفقة أقوى بكثير من الرياح الدافعة لها، والرياح المضادة هي رياح المنافسين، ومعهم الغاضبون لخروجهم بلا عمولة ولا حبة حمص، وهذا ما جعلنا ندفع معك لإتمام الصفقة، إضافة إلى ما قرأناه عن الجدوى الاقتصادية للصفقة، وقبل ذا وذي وتلك… مصلحة الناس وسلامة أرواحهم.
حسن العيسى

«شنو» المطلوب!

"شنو المطلوب منا" ماذا نعمل، القبس نشرت (الجزء الأول) من الخطة المالية الرابعة للدولة، وبالخط العريض ورد تحذير بأن مالية البلاد في خطر بين عامي 2020 و2030، والأسباب المعروفة لهذا الخطر وكما تعارفت عليه الأدبيات المالية، مثل: تضخم بند الرواتب والأجور في القطاع العام، والذي يستهلك 57% من الدخل، ضعف القوى العاملة الكويتية في القطاع الخاص والتي لا تتجاوز نسبتها 6%، اختلال التركيبة السكانية لصالح الوافدين، الذين يشكلون ثلثي سكان الدولة! أين الجديد في ما سبق، وماذا تريدون من الناس أن تصنع؟! فرئيس الحكومة حذر من قرب نهاية دولة "الرفاه"، بمعنى أن السنوات العجاف قادمة لا محالة… ما لم… وهذه الكلمة (ما لم) التي يطلب منا أن نفك شفرتها. يعني هل المطلوب من الناس أن تتوجه إلى العمل بالقطاع الخاص (وكأن قطاعنا الخاص يصنع طائرات البوينغ والإيرباص وليس مجرد مولات وبوتيكات وكيل كويتي عن شركات أجنبية) وتترك وظيفة التوقيعات الحكومية وسندويشات الضحى وبكل ميزاتها الاتكالية؟ هل المطلوب من المواطن المستريح أن يتخلى عن ميزات الخادمة والطباخ والسائق بالنسبة لبعض الشرائح الاجتماعية؟ وقبل كل هذا، هل المطلوب ان يتعلم المواطن تقديس العمل أياً كان نوعه؟ وعلى ذلك هل يفترض أن تتخلى الدولة عن جيوش الخدم والعمالة الأجنبية التي لو توقفت عن عملها يوماً واحداً "لفطست" الديرة بمن فيها؟
لا أحد يجادل بأن لدينا إشكالية في قيم العمل، فكويتي سنة 2000 ليس كويتي ما قبل عصر النفط بصفة عامة، ولا أحد يعترض على أن الدولة وفرت الكثير من التسهيلات للسكان، مثل التعليم والصحة والإسكان (الأخيرة لم تعد متوافرة)، وبذخت من حساب المستقبل حتى ينسى الناس المشاركة السياسية، ويشغل المواطن عن هموم المستقبل وأخطارها السياسية والاقتصادية… أيضاً هي الدولة السلطة ذاتها التي لم تعدل في ميزان العطاء والسخاء، فبعض المقربين للبلاط الحاكم "هبشوا" المليارات، أما غيرهم من الأكثرية فتم إلهاؤهم بهدايا إسقاط فواتير الكهرباء، ودعم السلع الاستهلاكية من الجمعيات التعاونية، وعطايا جزئية متناثرة لم تعوض أبداً رداءة الخدمة العامة في معظم أجهزة الدولة… أين هي العلة؟ هل هي قطاع عام مترهل أم قطاع خاص هامشي، أم إدارة الدولة؟!
مرض الدولة معروف، وليس المواطن سببه، بل هو ضحية له، المرض عندكم أنتم لا غيركم أنتم السبب، أنتم الذين تسيرون الدولة، فأنتم ولا أحد يشارككم، لا مجلس أمة ولا بطيخ من اتخذ بالأمس ويتخذ اليوم القرارات السيادية، وأنتم المسؤولون أولاً وأخيراً عن محنتي الفساد الصغير المتمثل بعطايا الإلهاء السياسي ونهج "اجلس في بيتك ويصلك الراتب"، وتضخم الوظيفة العامة وترهلها والفساد الكبير وصورته غياب حكم القانون في الاختلاسات العامة الكبرى بشتى صورها… ما هو المطلوب الآن بعد أن عرضتم خطتكم المالية…؟ ماذا يصنع المواطن؟ هل بيده القرار؟ هل يشارك فيه حتى تبشروه بالخطة إياها عن حالة الدولة المريضة…؟ ماذا يصنع وأنتم كنتم ومازلتم تدعون "البخاصة"، أي العلم الجامع لكل صغيرة وكبيرة في دولة السير على البركة… ولأبنائنا الغد المجهول ببركة إدارتكم.
احمد الصراف

البطر بعد الجوع

تقوم السلطات الجمركية، بين الفترة والأخرى، بإتلاف كميات كبيرة من المشروبات الروحية المصادرة، وكان آخرها قبل أيام، وتم بث شريط إتلافها على وسائل التواصل، وبيّن كيف كان العمال يرمون كراتينها من حاويات كبيرة ومرتفعة وعلى الأرض الإسفلتية، بطريقة بدائية تجعل كلفة جمعها مرة أخرى وتكسيرها عالية دون سبب منطقي!
والسؤال هنا، لو كانت الكويت دولة فقيرة جدا، ولا تمتلك أي ثروات تكفي لإطعام نفسها، وكانت قوانينها صارمة وتمنع تناول أو تداول المشروبات الروحية، فهل كانت حقا ستقوم بإتلاف ما تقوم بمصادرته من مشروبات روحية؟ ألم تكن وقتها ستفكر بطريقة اكثر رشدا، وتتصرف بها بالبيع لأحد أسواق المنطقة الحرة في المطارات، وما أكثرها، التي تبيح بيع مثل هذه المواد، ومن ثم صرف عائد البيع لتحسين مستوى المجاري لدينا، مثلا؟ ولماذا يكون موقفنا مختلفا ونحن فقراء عن موقفنا ونحن أغنياء، والمبدأ واحد؟
ولو كنا بالكاد نجد ما نأكل، هل كنا سنضحي بكل هذه الرؤوس من الأغنام في كل عام، والتخلص من غالبيتها بالدفن؟ ألم نكن سنفكر حينها بتحويل هذا الطقس الديني لعملية رمزية، بحيث تتم التضحية برأس خروف واحد في كل دولة في العالم، نيابة عن كل حجاجها، وجمع مبالغ تلك الخراف، من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، وصرفها على عشرات المشاريع المفيدة والمطلوبة، ولو ضاع نصف ما سيجمع، فهل أفضل من دفن المال تحت الرمال سنة وراء أخرى وعقدا بعد آخر وقرنا بعد سابقه؟
المؤلم هنا أن نرى أن الثراء الذي هبط علينا قبل نصف قرن من أموال النفط لعب دورا معاكسا في حياتنا، فبدلا من ان يكون عاملا في تحسين مستوى معيشتنا، وتمكيننا من توفير أعلى درجات التعليم لنا ولأبنائنا، ويشجعنا على الانفتاح أكثر على الآخرين، فإن ما حدث كان عكس ذلك تماما، فقد حولنا تلك الثروة لثلاجات وسيارات وهواتف نقالة، وانغلقنا على أنفسنا، متباهين، كالطواويس بما نملك من ثراء، لا يد ولا رجل لنا فيه، وزادنا الثراء النقدي تعصباً، وكرهاً للآخر «الطامع فينا»، وإصراراً على التباهي بأننا خير الأمم، ونحن في الواقع، وبالكاد نجر أذيال التخلف والخيبة في المؤخرة!

أحمد الصراف