احمد الصراف

إلا الكولاجين

لأسباب دينية بحتة، لا يتناول المسلمون لحم الخنزير، وقبلهم بألف سنة تقريباً حرمت الشريعة الموسوية اليهود من تناوله، أو حتى الاقتراب منه. كما لا يتناوله آخرون لدواعٍ إما عقائدية أو لكونهم نباتيين، ومن «أصدقاء الطبيعة أو الحيوان»! وعلى الرغم من شعبية الخنزير في الفلكلور الغربي، فإن اسمه يستخدم لإهانة الآخر والسخرية منه. وللخنزير شعبية هائلة في المجتمعات غير الإسلامية الكثيفة السكان، لرخصه وسهولة تربيته واكتنازه باللحم وكثرة نسله، كما أنه مصدر لا غنى عنه للبروتين، ويُستفاد من جلده وعظامه وشعره في أغراض أخرى! واكتشفت مؤخرا أنه ربما يكون الحيوان الوحيد الذي لا يرمى أو يضيع منه شيء، فالخنزير الذي يبلغ وزنه 100 كلغ مثلاً يحتوي على 3 كلغ جلداً، 54 كلغ لحماً، وأعضاؤه الداخلية يبلغ وزنها 14 كلغ تقريباً، ودمه 5 كلغ، وشحمه 5.5 كلغ، وأظلافه وبقية اعضائه 6.5 كلغ. وكل جزء فيه يُستفاد منه في استخدامات متعددة، ففي أي حمام خاص، أو في حمامات الفنادق الفخمة وصالونات التجميل نجد أن جميع المواد المستخدمة من صابون وشامبو وكونديشينر وكريمات ومواد تجميل ومعاجين أسنان وغيرها الكثير، تحتوي على مواد مستخلصة من شحوم ولحوم الخنزير. كما يُستخدم شعره في أنواع عديدة من عجائن الخبز والكعك. وتضاف مواد منه للزبدة قليلة الدسم. كما أن كل أنواع كيكات الجبنة والتريماسو تحتوي على جيلاتين مستخلص من الخنزير. كما له استخدامات مهمة جدا وعديدة في عمليات القلب، وفي صناعة مكابح القطارات وفي لصق حبات الرمل بورق الصنفرة، وفي فلاتر السجائر، ويضاف إلى مختلف أنواع المشروبات، كالبيرة والنبيذ وعصائر الفواكه. كما يستخدم في صناعة بعض أنواع رصاص البنادق، وله استخدامات كبيرة في صناعة الطلاء وفراشي الدهان وصقل التماثيل «الصينية»، ولا ننسى بالطبع أن المواد المستخلصة من الخنزير تشكّل العامل الأهم في حقن التخلّص من التجاعيد وعمليات التجميل، أو الكولاجين. وبالتالي من الصعب تخيّل حياة البشر اليوم، وبالذات في الدول التي تعتمد على «الرزق» السهل، والتي لا تمتلك أية مقومات صناعة نصف متقدمة، من دونه، فلا قدرة لها على أن تحمي نفسها من استخدامات المنتجات المحرّمة دينياً، وبالتالي ليس أمامها غير خيارين: إما أن تقوم بتطوير صناعات لا تحتوي على مواد «مخنزرة»، وهذا يتطلب الانتظار لـ300 سنة من العمل الجاد! أو التغاضي عن الأمر، والإقرار بمبدأ الضرورات تبيح المحظورات، خاصة إن كان بين المحظورات مادة الكولاجين collagen، التي تخفي حقنها تجاعيد السنين الحاكية.

أحمد الصراف
[email protected] 

سامي النصف

العفو عن مبارك ومرسي!

الفارق الحقيقي بين جنوب افريقيا المزدهرة والمتقدمة وزيمبابوي الجائعة والمتخلفة ان الأولى قدمت مبدأ العفو والتسامح، فأبقت على البيض ولم تنتقم منهم، فنجحت وتحولت إلى بلد أقرب لدول العالم الأول، بينما اختطت الثانية نهج الانتقام والقتل والتهجير، فانتهى الأمر بالمجاعات والتخلف والقمع والتسلط الذي حوّلها إلى دولة عالم.. عاشر!

* * *

استطاع الداهية د.هنري كيسنغر أن يحل الصراع التاريخي بين مصر وإسرائيل عبر رفع شعار «اللي فات مات»، كما قام الشعب التشيلي بالعفو عن الطاغية «بنوشيه» الذي قتل الآلاف فاستقر وتقدم ذلك البلد الجميل، مثل ذلك ما حدث في رواندا من عمليات مصالحة ومغفرة ونسيان للماضي، فأضحت احدى اكثر الدول الأفريقية أمنا واستقرارا. العكس من ذلك ما جرى في بعض دولنا العربية من عمليات قتل وانتقام و«اجتثاث» كما حدث في العراق وليبيا ومصر ما بعد مبارك، فانتهى الأمر بكوارث وفواجع وحروب وتطاحن اهلي لا يعلم احد متى ينتهي!

* * *

إن على العرب أن يرفعوا شعار «ان يُطلق سراح شخص خير من ان تفنى أمة»، ويتم اصدار عفو فوري عن الرئيسين مبارك ومرسي وإخراجهما من السجون كي تهدأ النفوس وتستقر الأحوال وتبدأ عملية التركيز على المستقبل بدلا من اجترار احقاد الماضي، ولا مانع من ان يمتد الامر الى سورية حيث يمكن ان تعلن المعارضة السورية العاقلة عن التزامها حال فوزها بأي انتخابات قادمة بالعفو عن الرئيس بشار الاسد وقيادته وكجزء من حل شامل يوقف القتل والدمار ويرجع المهجرين لبيوتهم وقراهم، وعدا عمليات العفو تلك ستبقى شلالات الدم العربي قائمة وتزداد مع كل يوم يمر.

* * *

آخر محطة: وكأن ليبيا الحبيبة لا يكفيها ما بها من مآسٍ وكوارث، فقد انتشرت صور تظهر ان القذافي مازال حيا يرزق وأن صور واشرطة قتله ما هي إلا خدع سينمائية له بين اعوان له يدّعون العداء له ويصرخون مطالبين بقتله كموسيقى تصويرية للمشهد.

احمد الصراف

هل من منقذ؟

يبدو وكأن العالمين العربي والإسلامي أصيبا بجنون سفك الدماء والتخريب، نتيجة التعصب الديني والغلو المؤذي للنفس وللغير، بشكل أصبح فيه المسلم يشكل خطراً على نفسه وعلى الغير أينما وجد! فالمطارات تتحسب له والمخابرات تراقبه والجيوش تلاحقه والعيون تتابعه، يحدث ذلك وشعوب العالم، كما يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي: لا هم لها غير ثقافة التنمية، وشعوبنا لا هم لها غير ثقافة الموت والتدمير! فما يحدث الآن وقبلها في سوريا والعراق وباكستان ونيجيريا وكينيا والصومال ومالي وتشاد ومصر وغيرها، من احداث عنف وتدمير شبه يومية تملأ القلب رعبا والنفس حزنا والفكر انشغالا وحسرة، لا يمكن تصور مدى سوء تبعاتها علينا جميعا لسنين طويلة مقبلة، شئنا أم أبينا! فلمَ كل هذا الموت وكل هذه الدماء والخسائر المادية الهائلة والتدمير المستمر لمستقبل اجيال كاملة، وهدم البنى التحتية، وتعريض أمن المواطن والوطن لليتم والفقر والمرض، والإصرار على القتل على الهوية السياسية والدينية والمذهبية؟ وهو أمر لم يحدث ما يماثله في التاريخ الحديث بمثل هذا التوسع والتنوع! فلم يسبق أن تورط كل هذا العدد الكبير من الدول، في وقت واحد، في صراع دموي ديني داخلي، حصد وما زال يحصد أرواح الملايين من دون هدف، غير اختلاف على تفسير هنا وحديث هناك، وفتوى بين هذه وتلك! ومن المؤسف أن نلاحظ أن العالم أجمع توقف عن الضحك علينا، واصبح يشعر الآن بالشماتة وربما الرثاء، بعد أن اصبح المسلمون بحاجة الى علاج نفسي، فلا أحد قادر على فهم سبب كل هذا الجنون، وهذه الرغبة التي اصبحت تكتنف صدور الكثيرين منهم لتدمير النفس وتدمير الغير، اينما كانوا ومن كانوا!
لقد اصبحنا جميعا، بسبب التعصب الديني، وكأننا صم بكم، غير قادرين على فعل ما نراه أمامنا من جنون، وفقدت غالبيتنا بصيرتها، وأصبح بعضنا أعداء بعض حتى لو كانوا من اقرب المقربين لنا. 
وجوابا على عنوان المقال، فإننا نقولها بملء الفم: لا، لا يوجد منقذ، ولا حتى عدد كاف من أطباء النفس لعلاج مئات ملايين المخبولين منا!
يقول القارئ بسام مسعود: لقد هربت جموع المسلمين من أوطانهم وإلى الغرب، فرارا من البطالة والظلم والاضطهاد! ويسعون الآن جاهدين الى تغيير مجتمعاتهم الجديدة، وجعلها مشابهة لتلك التي تركوها وراءهم. ونسوا أنهم بعملهم هذا يقضون على آخر امل بوجود ملجأ آمن يمكن اللجوء اليه مستقبلا، إن رغبوا في الفرار من ظلم واضطهاد مجتمعاتهم «الغربية» الحالية، لما هو أفضل منها!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

هل حكم الإخوان مصر..؟

خروج مصر من دائرة الصراع في الشرق الاوسط سيمهد الطريق للهيمنة المذهبية الايرانية على المنطقة، ومع الاسف الشديد ان بعض دول الخليج العربية، التي هي من أخرجت مصر، ستكون اولى ضحايا هذه الهيمنة..!! وستكون ايران المذهبية واسرائيل اول المستفيدين من سقوط حكم عقائدي وسطي كان يفترض ان ينقل مصر والعالم العربي والاسلامي الى لعب دور فاعل ورئيسي يقود ولا ينقاد!
اليوم تعيد اميركا ترتيب اوراق اللعبة بعد غياب ورقة مصر، فتعطي دور الجوكر لايران والمذهب وتُجلس دول مجلس التعاون على كراسي الاحتياطي علّ وعسى ان يكون لهم دور في المستقبل ان كان لهم مستقبل!
المشكلة ان البعض يظن ان الاخوان حكموا مصر بعد سقوط نظام مبارك ولذلك تم اسقاطهم، والحقيقة، التي يغفل عنها الكثير، ان الاخوان اوصلوا ممثلهم الى كرسي الحكم لكنهم لم يحكموا..! فمنذ اليوم الاول اعلن محمد مرسي استقالته من حزب الحرية والعدالة وانه اصبح رئيسا لكل المصريين! وحرص على عدم أخونة الدولة، ولذلك استعان منذ اليوم الاول بالمستقلين وحاول اشراك جميع الوان الطيف السياسي، لكنه لم يتمكن من ذلك لان خصومه من داخل مصر وخارجها خططوا لافشاله في كل خطواته، لذلك اصبح الذي يدير البلد هو مؤسسات الجيش والشرطة وماسبيرو! وهي مؤسسات تابعة للدولة العميقة، حتى ان مرسي عندما تمكن من ازاحة وزير الدفاع ومساعده فوجئ ان البديل كان من التربية والتوجيه نفسيهما – الدولة العميقة – وهذا ما حصل مع وزارة الداخلية عندما غير الوزير وألغى امن الدولة اكتشف، ولو متأخرا، ان الوزارة كلها امن دولة..!! وجاء دور الاعلام فقرر مجلس الشورى تغيير اربعة عشر رئيس تحرير جريدة ومؤسسة اعلامية، وكانت المفاجأة ان سبعة مقالات من كل عشرة مقالات تكتب بالاهرام او الجمهورية تشتم بالرئيس وتشوه مسيرته التي لم تكن بدأت بعد..!
ثم تبدأ المرحلة التالية من مخطط اخراج مصر من دائرة الصراع في الشرق الاوسط، فيتم قطع الكهرباء ومنع الكيروسين من الوصول الى محطات التعبئة ثم اضراب القطارات وتختتم بمشكلة سد النهضة الاثيوبي! كل ذلك لاثارة شعب الكنبة – كما يسمونهم – في مصر، وهي المجاميع غير المنتمية سياسيا، اي غالبية الشعب المصري، للخروج الى الشارع يوم 30 يونيو وهي المرحلة الاخيرة من مخطط التحرك لاسقاط الرئيس المنتخب ومؤسسات الدولة الشرعية التي بعدها تدخل مصر في مرحلة من التوهان والضياع الامني والسياسي ثم الانهيار الاقتصادي، وبالتالي تخرج من دائرة الصراع الدولي لتتفرغ ايران، بمباركة اميركا، الى لعب دور محوري ورئيسي تعيد من خلاله ترتيب الادوار بالمنطقة بينما بعض دول الخليج منشغلة في صرف اموالها على الانقلاب ليزداد تمزق المجتمع المصري ومطاردة اصحاب الفكر الوسطي من ابنائها «قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا». صدق الله العظيم.
***
تمت احالة الرئيس المصري محمد مرسي وقيادات في جماعة الاخوان المسلمين الى المحكمة بتهمة التخابر مع حماس!
ومعلوم ان التخابر مع حماس لا يعتبر تهمة الا في اسرائيل فقط! فهذا خالد مشعل يتنقل من قطر الى الاردن الى الكويت الى الرياض الى المغرب ويستقبل استقبالا يليق به، لكن في مصر كأن الانقلاب يريد ان يكشف مبكرا عن هويته!
***
أُحرقت عشرات المساجد، وانتهكت حرمات الله في بيوت الله ولم نسمع من البعض كلمة استنكار واحدة، وعندما تم اطلاق نار على كنيسة، ثبت لاحقا تورط الداخلية في الحادث، قامت الدنيا عندهم ولم تقعد! 

حسن العيسى

خواء سياسي + خواء اجتماعي

 صديقي الكاتب شبه اليومي يشكو إليّ خواء القضايا المحلية والفراغَ الفكري الكبير الذي يعانيه شخصياً، ومتأكد أن الكثيرين من المهتمين بالشأن العام، كتاباً كانوا أو من في حكمهم، يشكون العلةَ ذاتها، وهي علة الخواء الذي زجت فيه السلطة الكتاب المهمومين بقضايا الحرية والهمّ العام في هذا العالم الكويتي الفارغ، وذلك بعدما ضبّطت أمورها بمراسيم الضرورة، والتي أعقبتها ولادة مسخ مجلس الصوت الواحد، الذي لم يعنِ غير التفرد المطلق للأسرة الحاكمة بإدارة الدولة دون معقب، لا كما يروّج دعاته السائرون في دروب النعم الحكومية الواسعة بأنه يعد تحقيقاً لمبدأ الديمقراطية الصحيحة بأن يكون لكل إنسان صوت واحد فقط في الانتخابات.
حالة التفاهة الفكرية أو الروحية التي تتجرعها القلة الواعية من صنف وصف المتنبي: "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله… وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم" تجلت واضحة في أيام هذا المجلس، والمبطل الذي سبقه، وبعد خمود الحراك السياسي، فلم يعد هناك عند المحبطين ما يستحق أن تكتب عنه، أو حتى تفكر فيه، فالسلطة وضعت كل شيء في نصابه الصحيح كما تعتقد وتروج، موهمة ذاتها وتريد إيهامنا بتلك السذاجة. فمن ناحية تم بنجاح كريه عمليات خنق أصوات "النشاز" المعترضة دائماً، فلم يعد هناك أحمد السعدون أو مسلم البراك من التكتل الشعبي ولا الجماعات الإسلامية المعارضة ولا اليسار ولا جماعات الليبراليين.. كلهم انتهوا، وأُبعِدوا قسراً بفعل عمدى وسبق تصور وإصرار من السلطة الحاكمة، ومن ناحية أخرى تم إخلاء خشبة المسرح السياسي لينفرد بالمشهد الممل حفنة المهرجين والمطبلين ممن تريدهم السلطة خلفها دائماً والذين لا يرد لهم طلب.
 بتلك الصورة، لم يعد هناك عند مثل صديقي "قضايا" يمكن أن تثار، قضايا يمكن أن تنتقد أصحابها أو تقف في صفهم، أخمدت الروح القلقة، والتي تنبض بالحياة وبالرفض في الجسد السياسي الكويتي. وزاد الطين بلة، كما يقولون، أن الكويت في الأساس سمجة اجتماعياً، بمعنى أنه لا توجد حياة اجتماعية صحيحة، فلا فنون جميلة، ولا مسرح أو سينما، فالدولة بمجملها ليس لها غير اللون الرمادي الباهت، وهو صبغة الغبار المهيمن على الطقس العام، فألوان الطيف وقوس قزح غابا منذ منتصف السبعينيات تقريباً، وتم ترحيل الدولة بعد الثورة الإيرانية لعالم المزايدات على الشرعية الدينية المحافظة بين السلطة الحاكمة والإسلاميين المعارضين، والذين بدأت تسطع شمسهم في تلك الفترة كنتيجة طبيعية لسقوط الحلم القومي العربي، حتى انتهينا اليوم بهذه الحالة الغريبة، التي تنفرد بها الكويت دون بقية أخواتها من دول مجلس التعاون تقريباً، لا حياة اجتماعية مبهجة، ولا حياة سياسية متوثبة تخفف من وطأة السماجة الاجتماعية.
 لعل هذا يفسر حالة الخواء الذي نتجرعه اليوم، وربما، وبتلك النتيجة السابقة، شدت انتباهي تغريدات عدة شباب من الجنسين في هذه الأيام، والتي كانت أيام الحراك السياسي نشيطة ومتحفزة ومحرضة على الرفض والعصيان السلمي، أخذت، هذه الأيام، تراوح بين النصائح "الكونفوشوسية" العامة عند البعض، أو ترديد الأدعية الدينية عند البعض الآخر، دون مناسبة غير تجرع أصحابها من الملل السياسي والاجتماعي الخانقين.
 لكن هل صحيح أن الكويت كانت تحيا في بحبوحة الديمقراطية والشرعية الدستورية، وغابت كلتاهما في السنة الأخيرة، أم أن الكويت لم تعش يوماً حياة ديمقراطية صحيحة، ولم يكن دستور ٦٢ غير أداة تكريس السلطة الواحدة، وأنه كان يعد، في أحسن الأحوال، "أخف الضررين.. وأهون الشرّين" ؟!… هذا موضوع آخر، يستحق أن نفكر فيه قليلاً… ونفكر بم نختلف اليوم عن بقية شقيقات الكويت الخليجيات!
احمد الصراف

كيف السبيل إلى رضاك

انتشرت قبل الهجوم الأميركي على نظام صدام نكتة عن جامع قمامة كان الناس يرونه، وهو يسير في الشارع، شابكا يديه خلف ظهره، وهو يتمتم: شي يلمهن، شي يلمهن! وتعني: كيف يمكن جمعها! وعندما سئل عما يقصد، قال إذا سقط صدام فمن الذين سيجمعون صوره؟ تذكرت تلك النكتة وانا اتخيل حجم اللوحات والملصقات المنددة بأميركا، الشيطان الأكبر، والمطالبة بهلاكها، التي تنتشر في طهران والمدن والقرى الإيرانية، والتي ستصبح قريبا، وبعد التقارب مع أميركا، غير ذات معنى، وستزال، ليس فقط لعدم مناسبتها للمرحلة المقبلة، ولكن أيضا لسخف منطقها، فعندما تصيح الجماهير، للمرة التريليون: «مرك ب أمركيا»، ولا نجد لتلك الأدعية من صدى، بل نرى أن «المرك»، أو الموت، قد لحق بأفراد الشعب الإيراني الذي يموت في وطنه ببطء، ويموت مهاجرا ويموت هاربا من جنة الملالي، فما الداعي لكل ذلك الغلو في الكراهية التي لم تجلب إلا الخراب للغالبية الفقيرة، من دون ان يكون للدعوات التي يتم ترديدها في كل خطبة وصلاة ودعاء أي استجابة؟ المربك هنا ليس موقف الدولة الإيرانية التي تعرف مصالحها جيدا، والتي لا تقل وصولية عن حكومات غيرها، بل موقف الجهات المتعاطفة مع إيران، التي انكشف ظهرها، فلا هي قادرة على الاستمرار في «كراهيتها» لأميركا، ولا هي قادرة على مخالفتها ولية نعمتها، فبقدر ما سيكون للعلاقات الجديدة بين البلدين من إيجابيات عليهما ستكون لها، وبالقدر نفسه، مضار على حلفاء إيران فقط، فأميركا لن تضحي بإسرائيل لا من أجل عيون إيران ولا غيرها.
والآن، ما هو تعليق من وقفوا مع إيران، أو بشكل أكثر دقة، مع النظام الديني فيها، على مدى 34 عاما؟ وهل سيقومون بتبديل مواقفهم تبعا لذلك؟ وماذا عن الذين «دوشونا» بآرائهم القائلة بصحة وصواب كل ما كان يصدر عن القيادة الإيراينة؟ هل سيتبدلون معها أم سيبقون على سابق مواقفهم؟ ألا تكفي هذه التجربة لكي تثبت للعاقل والجاهل أن الولاء لأي نظام، خلاف نظام الوطن، أمر لا جدوى منه في النهاية؟ وكيف يمكن تبرير وقوف جهة مع نظام جائر وغير عادل بحق شعبه، على حساب نظام الوطن، فقط لأن ايديولوجية دينية أو سياسية تتطلب ذلك؟
ملاحظة: قد ينقض المرشد الأعلى، علي خامنئي، كل ما بناه الرئيس الإيراني الجديد، روحاني، وينقلب عليه، فخيوط الحكم لا تزال جميعها بيده.

أحمد الصراف

سامي النصف

هل يعقل أن يحب الطغاة شعوبهم؟!

يقال ان الطاغية ستالين كان يعشق روسيا، وترجم ذلك الحب بقتله 20 مليون روسي بدم بارد، ويقال كذلك ان الطاغية هتلر كان يحب الألمان ويرى أنهم أفضل أجناس الأرض، ومع ذلك يروي التاريخ ان قتلى ألمانيا خلال الخمس سنوات الأولى للحرب الكونية (1939 ـ 1944) لم يتجاوز 3 ملايين بينما قتل لهم بسبب عناد واستهتار هتلر بالدم الألماني 5 ملايين في العام الأخير للحرب بعد ان تحددت نتيجتها سلفا وغطت طائرات الحلفاء سماء الرايخ الثالث نتيجة لانهيار المضادات الأرضية الألمانية.

***

بدأ بعض اليونانيين ـ خيبهم الله ـ هذه الأيام برفع رايات النازية والفاشية التي نخرت بلدهم ودمرته إبان الحرب العالمية الثانية، حال هؤلاء كحال بعض العراقيين والإيرانيين وحتى الكويتيين ممن مازالوا يعشقون الطاغية صدام رغم ما فعله من جرائم في بلدانهم، لذا فالسكوت عن جرائم الطغاة وعدم فضحها بوسائط الإعلام والصحف والكتب سيحول ابن صبحة والقذافي ومن لف لفهم الى قديسين أبرار تقام المزارات حول قبورهم بعد موتهم ويسمى الأطفال بأسمائهم.. الخالدة!

***

ومن القواسم المشتركة للطاغيتين صدام والقذافي استباحتهما الشديدة لدماء شعبيهما، ونهبهما وأبنائهما لثروات بلديهما وتعديهما على أعراض نساء دولتيهما، ومن ذلك ما ترويه الكاتبة الفرنسية «انك كوجان» عن تمادي القذافي في التعدي على الليبيات وما سمعته شخصيا منقولا عن أقرب مقربي صدام من تعديه وأبنائه على أعراض حرائر أرض الرافدين.

***

آخر محطة: أكبر اهانة وجهها طاغية لشعبه هي ما قاله صدام إبان محاكمته من أن سبب غزوه للكويت أن الكويتيين تعهدوا بخفض ثمن الماجدة العراقية لعشرة دنانير، أي انه قابل مبدأ التعدي على أعراض حرائر ونساء العراق الشقيق وزعله وغضبه وخلافه هو فقط على السعر، وهذا منطق قوادي النساء لا قواد وقادة الأمم.

 

 

احمد الصراف

هل سنتقدم يوماً؟

يقول نجيب صعب إن «إدغار شويري، الفيزيائي في جامعة برينستون الأميركية، تساءل كيف يمكن للعرب أن يصيروا شركاء كاملين ومتساوين مع أولئك الذين يرسمون اقتصاد العالم وأمنه ومستقبله، اذا بقوا مجرد مستهلكين للعلوم والتكنولوجيا؟ وردّ على الذين يتبجحون بالمساهمات الكبيرة التي قدمتها الحضارات العربية القديمة للعلوم الفيزيائية والأحيائية والرياضيات والفلك، ان ذلك يعود الى تاريخ قديم، وانه منذ القرن 12وهيمنة الفكر المناهض للعلم والعقل، حيث بدأ الإرث العربي العلمي بالانهيار، حتى صار وضعه محزناً، وأصبح العرب يقدرون المنجمين أكثر من علماء الفلك مثلا، الذين لا يعرفهم أحد على الرغم من منجزاتهم، ولكنهم يؤمنون بالمشعوذين وبالمنجمين أمثال حايك والشارني وقباني وليلى عبداللطيف، الذين يبيعونهم الأمنيات والأوهام، أكثر من اهتمامهم بعلم فلك حقيقي».
ويقول صعب ايضا إن الحقائق موجعة، ففي خلال 20 عاما صدرت 370 براءة اختراع لباحثين عرب مقابل 16 ألف براءة اختراع لكوريا الجنوبية، التي يبلغ عدد سكانها عُشر عدد سكان العالم العربي، في حين تجاوز عدد الهواتف المحمولة في العالم العربي 400 مليون، لا يتجاوز عدد الذين يقرأون كتاباً واحداً في السنة، عدا الكتب المدرسية، %5 من العرب. وقد كتب الشاعر يوسف الخال بحسرة وألم منذ 50 عاماً «أن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون»! فوفق تقرير التنمية الثقافية، الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، يبلغ معدل قراءة الكتب 6 دقائق سنوياً، في مقابل 200 ساعة في الغرب. وفي حين يقرأ كل 20 عربياً كتاباً واحداً في السنة، يبلغ معدل قراءة الأميركي 11كتاباً والبريطاني 7 كتب، والقراءة من الإنترنت مقاسة في عالمنا، حيث أن أرقام تنزيل الكتب عبره مخجلة جدا، ولو ألقينا نظرة على النقاشات العربية، عبر المدونات ووسائل التواصل الإجتماعي، لاكتشفنا ضحالتها! فأين العرب من عصر يحكمه العلم؟ ماذا فعلوا لمجابهة تحديات تأمين المياه العذبة وإنتاج الغذاء والطاقة المتجددة؟ ولماذا لايزالون يمارسون استيراد التكنولوجيات والآلات، مع الفنيين لتشغيلها وصيانتها. وإذا كان ممكناً استيراد البطاطا، فلا يمكن استيراد العلم، لأن هذا لا يؤدي إلا إلى تعميم البلادة الفكرية والعقم العقلي. كما أن تعلُّم كتابة لائحة العقاقير لا يكفي لصناعة طبيب، فلقب «دكتور» لا يصنع عالماً. ذلك أن العلم الذي لا يساهم في دفع البشرية إلى الأمام هو علم لا ينفع، ويتساوى في ذلك مع الجهل الذي لا يضرّ. ويكشف العدد الأخير من مجلة البيئة والتنمية فضيحة كيف استحصل آلاف العرب على شهادات مزيفة من جامعات وهمية، تمنح لقب دكتور لقاء مبالغ بسيطة.

أحمد الصراف

سامي النصف

أيها السادة نحن أدرى بشعابنا!

إبان الستينيات وفي عهد الرئيس اللبناني فؤاد شهاب، نشرت جريدة فرنسية شهيرة ان هناك انقلابا عسكريا قادما للبنان، انعقد مجلس الوزراء برئاسة شهاب وبدأ في مناقشة مشاريع الدولة والوزراء مذهولون حتى سأله أحدهم: كيف تناقش تلك الأمور الصغرى وتترك تقرير الصحيفة الفرنسية حول الانقلاب والتغيير المحتمل لنظام الحكم؟ فأجابه الرئيس الحكيم بأن كانت صحيفة أجنبية ومراسلها الزائر الذي لا يتكلم العربية يعلم عن أحوال ومستقبل بلدنا بأكثر مما نعلم فعلينا أن نترك مناصبنا ونذهب لبيوتنا.

***

اقتداء بتلك الحكمة علينا في الخليج ونحن مستهدفون بحملات الأكاذيب ألا نجزع من تقرير يكتبه مغرض هنا، او كتاب يخطه مرتش هناك، فلن يعلم الآخرون عن واقعنا أو مستقبلنا أكثر مما نعلم، وقد رددت في مقال أمس على التهريج الذي أتى في كتاب «بعد الشيوخ، سقوط الأنظمة الخليجية» لمؤلفه كريستيفرسن دايفيدسن، الذي ذكر فيه ان جميع الأنظمة الخليجية ستسقط خلال 2 ـ 4 أعوام، وقد فات عام ونيف على صدور الكتاب ولا يوجد في الأفق ما يدل على صدق تلك التخرصات، وما عليك إلا أن تزور موقعه على التويتر لتعلم بوضوح عدم حياديته وعدم التزامه النهج العلمي في أبحاثه عن المنطقة.

***

ونعطي مثالين يدلان على خيبة رؤى الكاتب دايفيدسن أولها ما كتبه في 21/2/2011 إبان الحراك البحريني من ان النظام الملكي في البحرين ساقط لا محالة خلال اسبوعين (!!)، والثاني لقاء مصور له في 20/10/2012 إبان الحراك في شوارع الكويت عرض خلاله صورا لأحجار لعبة «الدومينو» تنبأ فيه «من تاني» بأن يكون سقوط الأنظمة الخليجية القادم سريعا ولا محالة عبر التسلسل التالي: النظام في الكويت ثم البحرين ثم عمان فالسعودية والإمارات وأخيرا قطر، وقد أتت الأحداث اللاحقة لتظهر جهل الكاتب التام بأحوال دولنا ومن الذاهب والباقي فيها.

***

آخر محطة: العزاء الحار لآل بودي الكرام في فقيدهم الكبير العم مصطفى جاسم بودي الذي كان من عقلاء وحكماء الكويت ورجال اقتصادها المبرزين، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان.

 

 

حسن العيسى

مستقبل دولة أم أجندة شيوخ؟!

أين الجديد في تصريح النائب عبدالله الطريجي لجريدة "الجريدة" وفحواه أن هناك أجندة نيابية للإطاحة بالرئيسين في مجلس الأمة ومجلس الوزراء، يقف خلف هذه الأجندة الانقلابية "عيال شيوخ"، وتتمثل في الاستجوابات الكثيرة التي تقدَّم هذه الأيام في مجلس التابعين ليوم الدين… أين الجديد في مثل هذا الكلام؟!
 سنوات طويلة مضت والصحافة المقيدة بقوانين النشر واعتبارات الولاءات والمحسوبيات للأسرة الحاكمة والمصالح التجارية المرتبطة معها تتحدث تلميحاً، وبحياء شديد وبصيغة خطابية عامة (لا أستثني نفسي) لا تؤشر مباشرة إلى الجرح، عن خلافات الأسرة، أي أسرة الحكم، وكيف انعكس ذلك الصراع السلطوي على وضع الدولة في التنمية الاقتصادية وتدهورها، والإدارة السيئة للمرافق العامة على كل الصُّعُد من التعليم والصحة، وهما الأخطر، إلى بقية الخدمات المؤجلة لأجل في علم الغيب.
بطبيعة الحال وبحكم العادة المتأصلة عند شيوخنا، كان هناك المشجب الجاهز الذي تعلق عليه حكايات الفشل الدائم لأهل الحصافة في أسرة الحكم، وكان يتم تقديم المعارضة لنهج الحكم على أنها السبب وراء هذا الفشل المتكرر بعرقلتها مشاريع التنمية التي كانت الحكومات السابقة تطرحها على المجلس، وأنها (المعارضة) كانت "تتحنبل" في مسائل شبهات الفساد والتحقيق فيها حتى ننتهي بقتل طموح وأمل السلطة في إنجاز مشاريع الأحلام والأوهام وتسويقها على الناس، وكانت دائماً هناك مخالب القط من كتاب ووعاظ السلاطين والمستشارين الذين يقفون عادة صفاً واحداً ضد المعارضة، كما يصورون أنفسهم بوسائل إعلام البؤس في معظم الأحايين، وفي الوقت ذاته، وفي أحيان أخرى، نجد بعضهم يعمل سراً أو جهراً لحساب هذا الشيخ أو ذاك غير الراضي عن شيوخ الحكومة، ويقوم هذا الشيخ "المعارض" اليوم، والذي كان يوماً ما في موقع "أكبرها وأسمنها" قبل زمن قليل أو كثير، بضرب أبناء عمه من تحت الحزام، مستعملاً القفازات الناعمة لنواب وكتاب وإعلام ضحل ومنظّرين من حزب فقهاء مخلب القط.
 بتلك الصورة المحزنة، يتم تهميش الدولة وشعبها كله إلى حالة الدولة المشيخية الكاملة الدسم. فلا دولة ولا مؤسسات تديرها بيروقراطية قانونية تحسم الصراعات القائمة والمحتملة، ويصبح كل ما لدينا شيوخاً بشيوخ، بعضهم "يحبل" للآخر، أي يتصيد له، ليزيحه عن كرسي السلطة ويحل مكانه في أول قائمة المرشحين للحكم، وما علينا -نحن الشعب المنسي- غير أن نجلس متفرجين، ومهمِّشين كل قضايانا الحياتية من سكن وصحة وتعليم جانباً حتى تظهر نتيجة صراع "البخصاء" في دنيا حكمة "الشيوخ أبخص".
لا يمكن أن نعزل ما حدث ويحدث لدينا في الكويت خلال العقود الأخيرة، عما نشره الكاتب كريستوفر ديفدسون في دورية "فورن أفيرز" وترجم بعضه موقع "منشور" عن غروب شمس دول الخليج، حيث يحدد الكاتب أن الخطر الأكبر الذي يهدد تلك الدول، ليس كما يحلو للبعض أن يردده بشأن الخطر الإيراني، بل يتمثل في تدخلات حكام القصور وصراعاتهم في ما بينهم، هنا من حقنا أن نتساءل إن كنا حقاً نحيا في دول لها وجود وتاريخ وهوية وشعوب حية أم في مشايخ وإمارات، تختصر الدولة فيها وتهمَّش إلى واقع دواوين مشيخية تمارس فيها طقوس الولاء بتقبيل الأكتاف والرؤوس ولا شيء عدا ذلك، وهل سيكون لتلك الدول مكان في مستقبل أرض بلا نفط؟!