سامي النصف

تسيل الدماء ولا تهدم الأوطان

الكلمة او الحكمة السابقة قالها الفريق احمد شفيق تعليقا على فض تجمعات النهضة ورابعة العدوية، وأضاف شفيق أنه يعلن تأييده التام لترشح الفريق السيسي الذي يعتقد كثيرون أنه سيحصل بشكل شبه مؤكد على كرسي الرئاسة، بدلالة ان الفريق شفيق خسرها بنسبة لا تذكر رغم تكتل الإسلاميين بجميع شرائحهم والناصريين والليبراليين وأهل اليسار ضده.

***

وما نراه في مسألة ترشح السيسي انه الأفضل تأهلا وحسما ودعما من قبل الشعب المصري، إلا أننا ضد ذلك الترشح كوننا نعتقد جازمين بأن من أدخل مصر في نفق الاضطرابات والاغتيالات والتفجيرات التي كنا قد تنبأنا بحدوثها في مقال سابق ـ وحدثت هذه الأيام ـ سيجد في ترشح السيسي واكتساحه المتوقع لنتائج الانتخابات العذر في إبقاء دائرة العنف بحجة الرغبة في محاربة تزوير تلك الانتخابات.

وودنا للفريق السيسي يفرض علينا نصحه بألا يترشح للرئاسة كي لا يلام لاحقا على الدمار الذي سيحدث، والدماء التي ستراق بعد فوزه ولسنوات طوال قادمة، فقد شبعنا في المنطقة من حرفة ومهنة.. صناعة البطل ثم الانقلاب عليه وتحميله كل الكوارث.

***

ان مصلحة العزيزة مصر، ووجوب سحب بساط الذرائع والأعذار من المخربين والمدمرين والمتشددين والمتطرفين تفرض بقاء الفريق السيسي في موقعه وزيرا للدفاع للسنوات الأربع المقبلة حتى تهدأ الأوضاع وله بعد ذلك الترشح للرئاسة من عدمه، علما أن صانع الملوك قد يكون أحيانا أهم من الملك الذي صنعه. ان الوضع الأمثل هو الانتهاء سريعا من المرحلة الانتقالية وبدء الانتخابات الرئاسية والنيابية التي يجب ان يترشح لها وجوه مصرية وسطية معتدلة من التوجهات كافة .

***

آخر محطة: (1) ان كان خدمة الدين الاسلامي هو الهدف فلماذا لا تعلن القيادات الدولية المخفية للاخوان عن دعم ترشح شخصية مصرية سلفية او ازهرية معتدلة لرئاسة مصر؟!

(2) واضح لأي متابع عاقل للشأن المصري ان مواقف القيادات الاخوانية المتشددة ومطالب الاستحالة التي تنادي بها هي خروج تام عن فكر الشهيد حسن البنا وبها أكبر الضرر على تاريخ الاخوان المعاصر ومصالح الأتباع الذين بدأوا يعودون للسجون.

(3) نأمل أن يكون تعليق المعونات العسكرية والاقتصادية الأميركية لمصر أمرا مؤقتا ينتهي سريعا مع بدء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصرية الحرة القادمة، بقاء تلك المعونات معلقة حتى بعد تلك الانتخابات في منطقة تحكم عقولها «نظرية المؤامرة» ليس في مصلحة الأميركان ولا.. الاخوان!

 

احمد الصراف

الأنظمة المنهكة

ليس هناك مثال أفضل من مصر، وقبلها إيران، لما يمكن أن يتسبب به الحكم الديني من خراب، ليس فقط لافتقاد قيادته التقليدية لعلوم ومبادئ الحكم وأصوله وألاعيبه، بل وأيضا لما يحمله الحكم الديني من عوامل ضعف في أساس بنيته، هذا غير ميله الشديد لتفضيل من ينتمون لعقيدته على غيرهم، ولو كانت مصلحة الدولة العليا في مصلحة الأخيرين! وقد رأينا ذلك في مصر عندما فصل أو اقال الرئيس «الإخواني» محمد مرسي جميع الكفاءات الإدارية وعين بدلا عنهم من ينتمي للإخوان المسلمين، بصرف النظر عن كفاءتهم. كما رأينا، قبل أكثر من 30 عاما، كيف أصر الزعيم الإيراني «الخميني» على تضمين الدستور الإيراني مادة لا تسمح لغير المسلم الشيعي الاثنى عشري تولي منصب رئاسة الجمهورية، في دولة يدين اكثر من %70 من شعبها بالمذهب نفسه! وهذا يتناقض مع أبسط حقوق الإنسان، ويتعارض مع تجارب دول أقل أهمية وتعقيدا من إيران، كالسنغال، ذات الأغلبية المسلمة الطاغية، التي لم يتردد شعبها في اختيار المسيحي ليبولد سنغور، ليكون رئيسا للجمهورية لأكثر من دورة، لكفاءته وليس لديانته أو مذهبه!
تعتبر إيران من الدول النادرة في العالم، إضافة للولايات المتحدة ودولة أو اثنتين أخريين، التي تمتلك كل شيء تقريبا. فلديها فائض كبير من المياه، ومساحتها كبيرة، واشتهر شعبها بمثابرته وجلده على العمل والانتاجية. كما لدى إيران مخزون نفطي هائل فوق ما تمتلكه من غاز ومعادن ثمينة أخرى. وأرضها خصبة، وطبيعتها رائعة، وصحاريها غنية بثرواتها الطبيعية وجبالها شاهقة ودرجات حرارتها متعددة، وتنمو فيها افضل أنواع الفواكه والنباتات، وتشتهر بالفستق والزعفران والرز واللوز، المر منه بالذات، والذي يصدر كامل محصوله منذ أكثر من نصف قرن إلى إيطاليا ليصنع منه شراب «الأمريتو» الشهير، ولم يمنع طبعا «تدين» قيادة طهران من استمرار تصديرها للوز بالرغم من علمها بما يستخدم فيه. وكان لإيران شأن تاريخي وحضور دولي، ولكن بعد 34 عاما من «الثورة المباركة» أصبحت إيران، بقيادتها الدينية المتزمتة مصدر قلق ليس لجيرانها والمجتمع الدولي بل وايضا للشعب الإيراني نفسه، والذي طالما اشتهر بعلمائه «الحقيقيين» وأطبائه الحاذقين ومهندسيه العالميين، ولكن كل ذلك اختفى مع اختفاء تنوع الدولة الثقافي والاثني، بعد أن تولى الإمام الخميني الحكم عام 1979، ونجاحه في بث عدم الاطمئنان في قلوب كل الليبراليين والزرادشتيين والأرمن واليهود والبهائيين، وحتى المسلمين السنة، فهرب وهاجر أفضل هؤلاء وغيرهم من الإيرانيين التواقين لحب الحياة والحرية، والمعارضين التاريخيين للحكم الديني، إلى خارج إيران حاملين معهم عقولهم وخبراتهم، تاركين وراءهم كل قبيح! وقد رأينا، من خلال وصول، أو شبه تعيين، أحمدي نجاد ومحمد مرسي النوعية المتواضعة الإمكانات التي تصل عادة للحكم في الأنظمة الدينية، وإلا كيف يمكن أن نصدق أن الشعبين، الإيراني والمصري، بملايينهم المائة والخمسين، لم يجدوا بينهم أفضل من مرسي ونجاد، ليحكماهم، بكل ما مثلاه من فراغ في المعرفة والحنكة، وهما ليسا إلا نتاج حكم ديني متخلف؟

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الإسكان.. وضياع البوصلة

«ناطر بيت».. تجمّع شبابي كويتي يهدف إلى الاستعجال في حل مشكلة السكن عن طريق الضغط على الحكومة لوضع حل جذري وناجع لهذه المشكلة الأزلية. وقد نجح التجمع حتى الآن في إرغام الحكومة على إعطاء القضية الإسكانية أولوية خاصة وعقدت لها اجتماعا استثنائيا!
كل ما تم جميل، وفي الطريق الصحيح.. لكن!
لن نتمكن من حل مشكلة السكن إلا إذا عرفنا مكمن العلة. والعلة كانت سابقا في توفير الارض فقط، اما اليوم فالعلة مع الاسف في القانون! نعم، قانون الشركات المساهمة، الذي يلزم الحكومة ببناء المدن الاسكانية وفقا لاجراءات تعجيزية! حيث يتطلب إنشاء شركة مساهمة عامة تتولى بناء المدن واستثمارها على أسس تجارية! وقد طرحت فعلا بعض المشاريع وفقا لهذا القانون، وأذكر منها مشروع «مدينة منخفضة التكاليف» كبديل لبيوت الصليبية وتيماء، وقد تمت دراسة كراسة المواصفات، وبعد انتهاء مدة تقديم العطاءات.. لم يتقدم أحد! وكان السبب واضحا، وهو أن قانون الشركات يجعل من المشروع غير ذي جدوى اقتصادية. لذلك، لم يخاطر أحد بالتقدم للمشاركة. ثم تم إقناع الحكومة والمجلس بأهمية تعديل القانون ليكون مجدياً اقتصادياً لمن يريد أن يضع ملايينه لعدة سنوات في التراب، فتم تعديل فقرة واحدة بشأن تحمّل الحكومة تكاليف البنية التحتية، وعندما طرح المشروع مرة ثانية لم تتقدّم إلا شركة واحدة، فاضطرت الوزارة إلى إعلانها فائزة، وكانت المفاجأة أن هذه الشركة اعتذرت عن استكمال إجراءات الترسية لظروف المشروع!
أذكر جيدا عندما تقدم السيد أحمد السعدون باقتراح هذا القانون كان الهدف منه مزيدا من الشفافية في إجراءات الطرح والترسية والإشراف على المشاريع الإسكانية، وهي أهداف لا شك في سموها وأهميتها، خصوصاً ان الممارسة السابقة لم تكن مشجعة وقد تم تسجيل عدة ملاحظات على المشاريع الاسكانية من قبل لجنة الميزانيات في مجلس الامة وديوان المحاسبة، لكن المشرع غفل -مع الأسف- عن إمكانية تنفيذ القانون ومواءمته للواقع، مما جعل القانون يصدر قبل سبع سنوات والى اليوم لم يتم تنفيذ مدينة سكنية واحدة!
باختصار، حل المشكلة يكمن في تعديل القانون والسماح للمؤسسة العامة للرعاية السكنية ببناء المدن الإسكانية وطرح القطع الاستثمارية والتجارية والحرفية للقطاع الخاص، وهذا سيقلل من تكاليف المشروع على الحكومة. تتبقى مشكلة توفير الارض الصالحة للسكن، وهذا يحتاج إلى قرار حازم من مجلس الوزراء يلزم شركة نفط الكويت التنازل عن بعض الأراضي الفضاء التي لها امتياز عليها مع اتباع الطرق الفنية الحديثة لاستخراج النفط! وثالث العناصر التي كانت معوقة لحل أزمة السكن هو توافر الميزانية اللازمة للمشاريع، وأعتقد لن تمر علينا وفرة مالية كالتي نعيشها اليوم في اسواق النفط. لذلك، حري بنا ان ننفق هذه الاموال على انشاء المدن افضل الف مرة من ان ننفقها على مجموعة إرهابيين انقلبوا على الشرعية في بلادهم وأخذوا يقتلون شعوبهم جهارا نهارا!

***
شكراً «للحكومة»
لئن سمحنا لأنفسنا بانتقاد بعض المسؤولين في أقوالهم وأفعالهم، فمن باب أولى أن نذكر لهم بعضاً من محاسنهم، ولقد انتقدنا كثيراً دعم الكويت للانقلاب في مصر، واتسعت صدور من انتقدناهم وتحمّلونا، ولكن التصرف الحكيم للحكومة أخيراً في تأجيل بعض المناسبات واللقاءات دليل على حكمة الحكومة في رفع الحرج عن الكويت وأهلها، ودليل كذلك على أن الكويت بلد عزة وكرامة، ولن تقبل بتجاهل أي طرف لها مهما كانت منزلته، فكيف بمن تولى السلطة، منقلباً على الشرعية! شكراً كبيرة للحكومة، ولعلها بداية لعهد جديد من السياسات المميزة في المنطقة والأكثر استقلالية.