سامي النصف

ظاهرة الأيدي المرتعشة تدمر البلد!

أحد أمراض الادارة الكويتية المزمنة التي تسببت في عرقلة كل شيء في البلد، مما جعلنا نتخلف عن الجيران أصحاب القرار السريع بعشرات السنين، هو ظاهرة «الأيدي المرتعشة» التي ترتعب من التوقيع على القرار الصحيح خوفا من المساءلة ضمن مبدأ مدمر فحواه ان عدم اتخاذ القرار يعني عدم الخطأ ومن ثم.. عدم المحاسبة.

***

وهناك سبب آخر للتردد أحيانا في اتخاذ القرار هو ضعف محتوى القرار ذاته كونه لم يعدّ من كوادر شديدة الاحتراف والمهنية قادرة على تبريره والدفاع عنه، وقد يكون الحل في القضايا الكبرى ان تتم الاستعانة بكوادر استشارية أجنبية شديدة الاحتراف تساعد على اتخاذ القرار الصحيح مع تطعيمها بكوادر كويتية كفؤة (وما أكثرها) قادرة على الاطلاع والتعلم السريع للوصول الى مناهجية الممارسة الفضلى (Best Practice) لكل قطاع من قطاعات الدولة بعد أن ابتعدنا لسنوات طوال عن الممارسات المثلى القائمة في الدول المتقدمة.

***

إشكال ثالث يخلق ظاهرة «الأيدي المرتعشة» المدمرة هو تعيين المسؤول دون دعمه فيشعر بأنه مكشوف وعليه أن يخلق الدعم لنفسه عبر وسائل الترضية الخارجة على النظم المتبعة، والواجب أن تتضافر الجهود لدعم المسؤولين وعدم تركهم في العراء مع خلق «مراكز دعم القرار» فاعلة تزوده بالمعلومات اللازمة وحتى بالكوادر المؤهلة.

***

وتكثر في بلدنا دون دول العالم عمليات تهديد المسؤولين على أمور صغيرة تافهة لا تستحق مثل ذلك الوعيد، أحد المنتجات الخافية لذلك النهج هو خلق ظاهرة «الأيدي المرتعشة»، ومثل ذلك المحاسبة على القرار الاجتهادي الذي قد يكون سبب خطئه هو تغيير الظروف المستقبلية التي لا يستطيع أن يعلم بها أحد وفي المقابل عدم محاسبة من يرتعش فيعطل القرارات سنوات وسنوات دون سبب عدا خوفه من المحاسبة عند اتخاذه القرار الصحيح في حينه.

***

آخر محطة (1): وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو محاربة مباشرة لظاهرة «الأيدي المرتعشة»، وإطلاق يد المسؤول في تفعيل سياسة «العصا والجزرة» هو كذلك محاربة لظاهرة «الأيدي المرتعشة» التي قد يكون أحد أسباب ارتعاشها عدم القدرة على مكافأة المجد أو.. معاقبة المسيء!

(2) أمانة المسؤول وعدم تلوث يده بالحرام يقويان من قدرته على اتخاذ القرار الحازم والصحيح، والعكس من ذلك يسبب.. ارتعاش اليد!

 

 

 

حسن العيسى

رسالة المفوضين إلى باسم يوسف

هيئة مفوضي المحكمة الإدارية العليا في مصر أوصت، الخميس الماضي، بإيقاف برنامج باسم يوسف، وقالت في تقريرها: "إنه لا تجوز الإساءة إلى منصب رئيس الدولة، لأنه رمز الدولة الذي تجب حمايته ومراعاة الاحترام والتوقير لهيبة هذا المنصب في وجدان الشعب المصري، أياً كان شخص رئيس الجمهورية…" (أخبار اليوم). وأوصت الهيئة أيضاً بإلغاء حكم المحكمة الإدارية، التي قررت في قضاء سابق عدم قبول الدعوى المقامة من "أبو العينين"، المحسوب على "الإخوان"، ضد باسم، لوقف برنامج الأخير المسيء لرئيس الجمهورية لانعدام صفته، فهو (أبو العينين) ليس من الذين سخر منهم أو انتقدهم باسم يوسف.
وتمضي توصية الهيئة في دفاعها عن "منصب الرئيس" وليس شخصه، وهو محمد مرسي، الذي أسقط في انقلاب 30 يونيو، لتكرس مفهوم الدولة الأبوية بحجج قانونية عقلية، كما تسوق في تبريراتها، رغم أن هذه الدولة وما تمثله من قيم تعد كارثة الفكر العربي وثقافته التي تعني هيمنة الأب الرئيس على الدولة ومقاديرها، يتصرف بها وبالمواطن "الابن" كما يشاء هذا الأب، الولي، الوصي، القيم على الأبناء الرعايا، وقال في الدولة البطركية الأبوية الراحل هشام شرابي ما لم يقله مالك في الخمر، إلا أن لجنة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا أعادت في توصيتها الاعتبار ضمناً للرئيس الأب، إذ إن الطاعن (أبو العينين) في رأي اللجنة "… من جموع المصريين الذين يحق لهم، بل يتعين عليهم أن يهبوا للدفاع عن النيل من قيم المجتمع، سواء الأسرة المصرية أو الحفاظ على هيبة وصورة رمز المتقلد لمنصب رئيس الجمهورية…"! هكذا يصبح منصب الرئيس "رمزاً"، و"هيبة"، ذلك الرمز الأبوي يصبح من قيم الأسرة المصرية، التي يتعين حمايتها وتوقيرها برأي مستشاري اللجنة.
لتقل هيئة المفوضين في المحكمة ما تريد لتكريس منصب الرئيس وتحصينه من النقد وإسباغ القداسة عليه، فهي وشأنها في تبريرها تلك التوصية حين أسست مشروعية الدولة الأبوية، وكأن هذا ما ينقص مصر أو شقيقاتها العربيات، لكن التساؤل الذي يثار هنا: ما إذا كانت تلك التوصية جاءت في وقتها، لتمتد إلى الماضي من أجل الرئيس المطاح به، أو من أجل المواطن أبو العينين الذي طعن بالحكم، أو من أجل القادم من الأيام أو القادم من الرؤساء الذين "لا يجوز انتقادهم" أو السخرية منهم، فهم رموز الدولة ورموز القيم الأسرية…؟
الرئيس مرسي لم يتقدم بشكوى ضد باسم يوسف الذي جعل محور "الشو" شخص الرئيس ومنصبه، ولم يمارس مرسي سلطاته العليا على ما جرت به العادة المتأصلة والمستقرة في الدول الأبوية البطركية لإسباغ القداسة على منصب الرئيس أو الملك أو الحاكم بصفة عامة. لعل صناديق الاقتراع الشعبية أزاحت جانباً تلك القداسة الأبوية المفترضة عن منصب الرئيس، والتي يستحيل فهمها أو تقبلها في أبسط أبجديات الديمقراطية. فالرئيس المخلوع الذي كان محبوساً بقرار عسكري أصبح أساس حبسه الآن قرارات "قانونية" من النيابة بحبسه احتياطياً لمدد لا يبدو أنها ستنتهي… إذاً ما جدوى توصية المفوضين بالمحكمة، إذا لم تكن "إعادة الاعتبار" للحالة "المباركية" وبأكثر منها بالنسبة إلى الرئيس القادم، فما كان يصح في نقد مرسي، لا يعد صالحاً للحاضرين من الرؤساء أو القادمين منهم، فهل وصلت الرسالة إلى باسم يوسف؟!
احمد الصراف

القوي المستنير

لا ينكر إلا جاهل أن أوضاع معظم الدول الإسلامية مأساوية، والدليل اعتمادها الكلي على الغير في «كل احتياجاتها» وتخلفها في كل ميدان! ومن دون قيام حركة إصلاح جذرية لا يمكن لهذه الأمة ان تنهض، ولهذه الشعوب أن تتقدم، ولصعوبة أو استحالة حدوث ذلك، فمن الأجدى بالتالي التصدي للقضايا – الصغيرة منها أولا – ومحاولة إصلاح الأمر أو جزء منه، وهذا ما دأبنا على القيام به عبر مئات المقالات! علما بأن عملية الإصلاح لا يمكن الاعتماد فيها على قدرة «رجل الدين» أو رغبته، فمن مصلحة أغلبهم بقاء الأوضاع على حالها، وبالتالي ليس غريبا القول ان تخلف أي أمة يقاس بقوة المتحذلقين وكثرة رجال الدين فيها، وقلة فلاسفتها ومفكريها!
يقوم المسلمون كل عام بنحر مئات آلاف الأضاحي مع نهاية موسم الحج، في تقليد ديني معروف. وكانت المسألة محمولة لما للشعيرة من دور اجتماعي مهم، ولضآلة أعداد الحجاج! ولكن الأمر تغير كثيرا في السنوات الخمسين الأخيرة، بعد أن أصبحت عملية التضحية ليست فقط مكلفة، بل وغير ذات معنى! فمن المستحيل مثلا نحر مليون «أضحية» في يوم واحد، والاستفادة من لحومها ومنتجاتها بطريقة اقتصادية! والمسألة لا تقتصر – فقط – على الخسارة المادية الكبيرة، على الرغم من أهميتها، بل تشمل أمورا أكثر خطورة وتعقيدا، وتتعلق بنشر الغش وتجذيره في المجتمع، بعد أن أصبح تسمين الأضاحي بطرق متعددة من إطعامها كميات كبيرة من الملح، لإجبارها على شرب الماء، لكي تمتلئ أمعاؤها ويزيد وزنها، أو تعليقها لفترات طويلة من رقابها بطريقة غير إنسانية، ليتراجع اللحم والشحم لمنطقة الظهر فتبدو سمينة، وغير ذلك من طرق وحشية، كليّ آذانها بقسوة مفرطة! ولو قمنا بزيارة أي مسلخ في يوم النحر لوجدنا أن العملية تؤدى بطريقة أقرب للوحشية منها لأي شيء آخر، فلا وقت لدى القصابين، بسبب الضغط الهائل عليهم، ورغبتهم في تحقيق أعلى عائد، للقيام بأي من متطلبات الذبح من تسمية أو انتظار نفوقها، بل يمسك بالخروف من رأسه ويجز عنقه بضربة سريعة ويرفسه بعيداً ليتلوى من الألم قبل أن يفارق الحياة! وواضح أن العملية برمتها روتينية ووحشية ولا علاقة لها برمزية المناسبة! وهنا ندعو المشككين، والمصرين على استمرار أداء هذه الشعيرة بالطريقة نفسها عاما بعد آخر، الى زيارة أي مسلخ، لكي يروا كيف تتم عملية الذبح، وأنا على يقين بأنهم سيغيرون من مواقفهم! وبحوزتنا فيلم فيديو يبين وحشية العملية وعدميتها!
إن وقف مثل هذه الممارسات الضارة، ماديا وأخلاقيا، التي ربما لا يستفيد منها غير مربي الماشية في استراليا ونيوزيلندا، أمر يتطلب قيام مسؤول كبير ومستنير، كخادم الحرمين، بالأمر بوقف العملية وتحويلها الى طقس رمزي، بحيث تقوم كل دولة بنحر خروف واحد، نيابة عن بقية مسلميها، وتوجيه مبالغ الأضاحي لمشروعات تعليمية وصحية، نحن في أمس الحاجة اليها، ووقف كل هذه الوحشية والغش وتضييع الثروات من دون طائل!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

استعمار الفكر

تستغرب احيانا درجة التطرف عند بعض المفكرين والمثقفين من أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين، خاصة عندما يكتبون او يتكلمون عن الدين، فتجدهم ان تحدثوا عن الاسلام فبانتقاد شديد وتحميله كل مآسي الامة وهمومها، وان تطرقوا للنصرانية او اليهودية فباعجاب منقطع النظير ودعوة للتأسي برموزهم والاقتداء بهم! وأعتقد، والله اعلم، ان للكثير من هؤلاء تجارب اجتماعية مروا بها في مرحلة من مراحل العمر كانت سبباً لهذا الانحراف العقلي والتطرف في التفكير، والا فما السبب لان يقوم احد أدعياء الثقافة بتحميل الشريعة الاسلامية مسؤولية استمرار ظاهرة الرق الى يومنا هذا؟! وتلاميذ المدارس يدركون جيدا ان الشريعة جاءت بقوانين للحد من هذه الظاهرة وقطع دابرها! وقد أبدعت شريعتنا السمحة في معالجة ظاهرة كانت جزءاً من الحياة العامة في زمن الجاهلية، وتدرجت في تصفيتها من المجتمع كي يتحمل الناس ويتقبلوا تحريمها، كما فعلت مع تحريم الخمر وغيره من الظواهر التي كانت جزءاً من يوميات الناس في تلك الفترة من التاريخ.
ان القياس على ظواهر فردية هنا وهناك فيه تجن وابتعاد عن المنهج السليم في قياس الامور، فكلنا يعرف فساد الكثير من الملوك العرب والمسلمين الذين مروا على الامة، وشربهم الخمور واستحلالهم المعازف والنساء، ولكن هذا لا يعني ان ما يمارسونه مجاز في الشريعة، ولو كان الفاعل ولي امر المسلمين! قال الرسول (ص): خير القرون قرني ثم الذين يلونهم..! وها هو خليفة المسلمين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا»؟!
والدليل على ان صاحبنا قد تطرف في تحميله الشريعة ما لا تحتمل، انه تغاضى عن ظاهرة انتشار الرق في اوروبا واميركا، وهؤلاء يدينون بدين النصرانية، ولعل فيلم الجذور الذي كتبه ومثله واخرجه مجموعة من الاميركان والاوروبيين يؤكد ما ذهبنا اليه من انتشار بيع البشر في اسواق الغرب الى عهد قريب، ولكن عندما يكون الفكر محتلا ومستعمرا تكون عين الرضا عن كل عيب كليلة! وهذه علة بعض اصحابنا المعجبين بالحضارة الغربية بكل ما فيها، وعندما تقرأ لاحدهم تشعر بأنه يتمنى ان يقول يا ليتني ولدت نصرانيا او غربيا! فكل كتاباتهم اطراء ومدح للحضارة الاوروبية والاميركية، وان جاءوا بذكر ظاهرة سيئة حملوها للشريعة الاسلامية وللمسلمين ويستشهدون بحادثة هنا واخرى هناك!
نحن ايها السادة نختلف عنكم، اننا ننظر الى الحياة كما علمتنا شريعتنا السمحة، أي انها مرحلة من المراحل نعمل فيها ونجتهد، لكن هدفنا الوصول للاخرة وقد رضي الله عنا! فالاخرة هي نهاية كل انسان، وهي دار القرار الحقيقية، ومن هذه الفلسفة ننطلق في دنيانا «وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا»، وقال تعالى «وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله»، فنحن نتمنى ونسعى الى ان نكون من هذه القلة التي تهتدي الى سبيل الله، قال الرسول الكريم «ورد جهنم من كل الف نفس تسعمائة وتسع وتسعون وواحد في الجنة»! ولعل هذا يفسر تمسك المسلم الحر بدينه مع ما يرى من هذه الجموع التي تعادي الدين وتسخر من أتباعه!
قد نكون قلة وغرباء في وسط هذه الحياة العاصفة بأحداثها لكننا نشعر بأننا على الحق: بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء..!