سامي النصف

أيها السادة.. إلى أين كنا ذاهبين؟!

هناك خيط رفيع أو غليظ يربط بين ما كتبناه في أواخر مايو 2010 من أن عام 2011 هو أخطر سنوات العرب الذي ستتضاءل أمامه نكبة فلسطين 48 ونكسة 67 وكل كوارث العرب الاخرى، وما خططناه أوائل عام 2012 من أن هناك مخططا قائما لتدمير الكويت، وما كتبناه آخرها من سلسلة مقالات داعمة للشرعية ومحاربة للفوضى وللنزول للشوارع حتى أطفئت بالنهاية نيران الفتنة وعادت العقول للرؤوس، وثبت أن ذكاء وحكمة شعبنا اللذين أنقذانا عام 1991 هما اللذان أنقذانا عام 2012.

***

قبل حوالي 3 أعوام نزلت الشعوب العربية للشوارع في تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن فيما سمي بربيع الدمار العربي، وبدأ البعض لدينا تزامنا بتحريك الشارع الكويتي والتهديد بخلق ربيع عربي مدمر آخر هنا، إلا أن الأمور هدأت سريعا في بلدنا بعكس ما حدث في البلدان الأخرى بفضل جهد جمعي ضم الشرعية وتوجهات سياسية عدة منها من شارك بالحراك ثم تراجع عنه عندما شعر بخطر ما يجري على الكويت، وساهمت وسائل الاعلام من صحافة وفضائيات وكثير من الكتاب في إفشال مخطط التخريب الهادف لضرب هيبة الدولة والتعدي على رجال الأمن ونقل مركز القــرار من المؤسسات الشرعيــة الى منصـات الخطابة الشوارعية.

***

وتصور ما كان سيؤول اليه الحال فيما لو استمر ذلك الحراك، أمر سهل للغاية، فما علينا إلا أن نتابع ما يحدث لبلدان الربيع العربي التي خرجت شعوبها للشوارع ولم تعد قط لمنازلها ومقار عملها والتي تشهد شلالات الدماء نتيجة للتفجيرات والاغتيالات وتفجر الحروب الاهلية القائمة على التطاحن الفئوي والعرقي والديني والمذهبي ولم يعد أحد في تلك البلدان آمنا على نفسه أو ضامنا عودته لأهله في وقت دمر فيه اقتصادها وتدهورت أسعار عملتها وغادر المستثمرون والسائحون تلك البلدان دون عودة، فأرض الله واسعة.

***

آخر محطة: (1) لو لم تطفأ نيران الفتنة لكان طبيعيا هذه الأيام أن تكون منتقلا من منطقة الى أخرى أو عائدا من مزرعة أو جاخور أو شاليه فتجد شبابا ملثمين مسلحين قد وضعوا حواجز طيارة يقومون بخطفك وذبحك على الهوية كما هو الأمر القائم في كثير من دول المنطقة الأخرى ولأصبحنا ليبيا أو صومال آخر.

(2) الوصفة السحرية للحالة الكويتية الناجحة هي أنها سريعا ما تنسى خلافاتها وغضبها عندما تستشعر الخطر فيلتف الجميع حول القيادة الشرعية داعمين ربان السفينة فيتوقف رهان الخائبين على غرقها!

 

 

احمد الصراف

عتق رقبة

لم تُحرّم أي من المذاهب الإسلامية، أو «علمائها» الرقَّ علانية، فقد امتلك المسلمون طوالَ تاريخهم – من مجاهدين أو أثرياء – بشراً بصورة عبد أو أَمَة، ومن أي جنس أو لون كان! وقد كان شراء البشر وبيعهم، أمراً مقبولا به طوال التاريخ الإسلامي، واستمر العمل بهذا النظام اللانساني في منطقتنا حتى وقت قريب، ولا يزال مستمراً في دول عدة، وقد كان لبريطانيا «العظمى»، وليس لغيرها، قصب السبق في محاربة الرق عالمياً، ولولا جهودها المبكرة لكان الرق لا يزال سائداً في أجزاء كثيرة من عالمنا. وأتذكر جديا، عندما كنت أعمل في أحد المصارف في ستينات القرن الماضي، أن بعض زملائي في البنك، من غير الكويتيين، كانوا يأتون إلي، وأمارات الدهشة بادية عليهم، بشيكات صادرة لمصلحة: فلان «تابع» فلان الفلاني! وكانوا يتساءلون عن معنى «تابع»! ويُبدون استغرابهم لوجود بشر أرقاء! وبالتالي، كان الرق معمولا به في الجزيرة العربية حتى فترة متأخرة من الستينات.
وقد نشرت القارئة رباب خاجة، على موقعها، وثيقة نادرة تعلقت بعقد بيع جارية مقابل بضعة ريالات سعودية، مما يعني أن الأمر كان يتم علانية، وطبقاً لأعراف وقواعد ثابتة. وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية دعت إلى عتق العبيد في حالات معينة، فإن الوضع بمجمله كان مأساوياً، حيث كان العبيد يُعامَلون بقسوة شديدة، وربما كان ذلك وراء قيامهم بثورة الزنج عام 869، التي قمعها العباسيون بعد 14 عاماً.
وعلى الرغم مما يعتقده البعض من أن الرق يرتبط مباشرة بلون البشرة، فإنه ومن منطلق الشريعة، لم يكن مبنياً على عرق أو لون، فقد كانت غالبية الجواري – مثلاً – من البيض. وكانت  تجارة الرقيق عند العرب نشيطة، خاصة في مناطق شمال أفريقيا وشرقها، ولكن هذا النشاط تضاءل مع نهاية القرن الــ 19 مع اشتداد ضغوط بريطانيا، وتالياً فرنسا، ولكن لا تزال هناك دول تمارَس فيها العبودية، في الوقت الحاضر، مثل تشاد والنيجر ومالي والسودان، وموريتانيا، كما ورد في تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن كثيرين مارسوا تجارة الرقيق خلال حروب البوسنة وكوسوفو وأفغانستان وهايتي وكولومبيا، وبروندي. والسبب وراء استمرار الوضع أن نسبة كبيرة من المستفيدين منه، كانوا إما تجارا واما سياسيين، وبعضهم برروا الأمر بموقف الشريعة المتساهل منه.

[email protected]
www.kalamanas.com

سعيد محمد سعيد

مذكرات مواطن محترم (6)

 

تخيّل المواطن المحترم نفسه طفلاً في مرحلة الروضة أو الابتدائية، ربما عندما استدعاه أحدهم إلى مجلسه ليأخذ بيده إلى طريق الصلاح والفلاح والمواطنة الصالحة، وليعلمه ما الفرق بين حب الحكومة وكره الحكومة! وما الفرق بين أن تكون مخلصاً أم خائناً، حتى إذا طال به المقام مع ذلك الشخص، هبّ المواطن المحترم واقفاً قائلاً لذلك الرجل: «يا هذا، أتعبتني وأتعبت نفسك… أنت أولاً إذهب وتعلّم ما هو الفرق بين حب الأوطان، وهو الأساس لكل الشعوب، وبين حبّ الحكومات، التي تذهب في ستين داهية، فكل الشعوب تحب أوطانها وليس بالضرورة أن تحب حكوماتها. شفيك إنت… ميهل».

ومع ذلك، فالمواطن المحترم بدا مستغرباً مما يصر البعض على تبيانه للآخرين، وكأنهم أوصياء على الناس يعلمونهم ما يتوجب عليهم أن يقوموا به. ذلك المواطن المحترم يحتقر أولئك الذين يتاجرون بحب الوطن والولاء والانتماء بفكر مجوف ودوافع مصلحة شخصية، حتى أن الكثيرين من المغفلين يضعون أولئك التجار في المقدمة حين يتابعون أكاذيبهم ونفاقهم وتلونهم، ويعرضون بضاعتهم الخسيسة على حساب الوطن والمواطنين، وللأسف، يجدون من يشتريها!

تذكر تلك الشخصية التي وضعها الناس على رؤوسها نظير ما تعمل وتجتهد وتدافع عن الوطن وعن ولاة الأمر، وأنها تبذل الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن الوطن وأهله، وعندما تسرّب ما تسرّب، وعلموا أن تلك الشخصية كهاتف العملة، لم ولن تتحدث إلا بالدفع المسبق، وعندما علموا بأن الهبات والأعطيات وآلاف الدنانير دخلت في جيبها، بصقوا عليها أعزكم الله واستصغروها، ومع ذلك بقيت جوقة المغفلين ذوي العقول الصفيحية يقولون: «شعاد… تستاهل! أهم شيء أنها تدافع عن الوطن! خل تاخذ فلوس نظير عملها»! فيتحوّل الموضوع لديهم إلى متاجرة باسم الوطن، وهي متاجرة مقبولة ومباركة ومثاب عليها صاحبها، وكأن الدفاع عن الأوطان، وفق تلك العقلية السخيفة، يلزم بلا بأس ولا مانع، أن يكون مدفوع الثمن.

ذات يوم، أحب المواطن المحترم أن يتحدّث مع واحدٍ من أولئك المتاجرين. توجّه إليه بصفته كاتباً صحافياً كبيراً ذائع الصيت والشهرة، فطلب منه أن ينقل معاناته بسبب ما يواجهه من ضيق في حياته المعيشية، فما كان من ذلك الكاتب العظيم حتى استقبله بالأحضان ووعده خيراً. انتظر المواطن المحترم وانتظر أن يرى من ذلك الكاتب ولو سطراً واحداً ينقل فيه معاناته لكنه لم يجد! تهرّب واختفى وصدّ إلى أن كلّمه هاتفياً متسائلاً عن عدم نشر موضوعه، وإذا بذلك الكاتب يصدمه بالجواب: «هناك قضايا تزعج طويلين العمر… شفيك إنت.. ميهل».

ذهب إلى آخر يسرح ويمرح ويصول ويجول في الإدعاء بأنه رهن إشارة المواطن، فما صار نائباً إلا لخدمة الوطن والمواطنين. هو يحب أن يظهر أمام الملأ وكأنه الوحيد الموالي والمحبّ لولاة الأمر، وهو الوحيد الذي يحمل لواء الدفاع عن الوطن والذود عن مصالح المواطنين (جميعاً دون استثناء كما يكرّر دائماً باعتباره نائباً لشعب وليس لطائفة)، لكن كيف أجزم بأنه الوحيد في هذه الفضائل والمناقب؟ فهو الفريد من نوعه، ولا يوجد «نائب» يمتلك من الشجاعة والجرأة والنبل والدفاع عن الحق مثله! يعمل ليل نهار على خدمة الوطن في «مطبخ مليء بالوجبات الدسمة» التي تجعل أهل البلاد كلهم يتناولونها، بل تخرج عن مائدة الوطن لتصبح مائدة إقليمية… وكل طبخة، أفضل من سابقتها قطعاً. استقبله بالأحضان ووعده خيراً! لكنه كغيره، من المتاجرين بحب الأوطان، لا يعمل إلا لنفسه ولأهله ولقومه فقط، أما نشيدة خدمة المواطنين، فهي من أفضل وأكثر أنواع الأهازيج الكريهة المنتشرة بين المغفلين.

المواطن المحترم ضجّ وملّ من كل هذه الصور القبيحة السيئة، وملّ أكثر ممن يروّج لهم ويقبل بأن يكون لهم مداساً ومطيةًً ليصعدوا على ظهورهم، لكنه مع ذلك خاطب نفسه قائلاً: «أهم شيء الأخلاق… والسلام ختام».