حسن العيسى

خواء سياسي + خواء اجتماعي

 صديقي الكاتب شبه اليومي يشكو إليّ خواء القضايا المحلية والفراغَ الفكري الكبير الذي يعانيه شخصياً، ومتأكد أن الكثيرين من المهتمين بالشأن العام، كتاباً كانوا أو من في حكمهم، يشكون العلةَ ذاتها، وهي علة الخواء الذي زجت فيه السلطة الكتاب المهمومين بقضايا الحرية والهمّ العام في هذا العالم الكويتي الفارغ، وذلك بعدما ضبّطت أمورها بمراسيم الضرورة، والتي أعقبتها ولادة مسخ مجلس الصوت الواحد، الذي لم يعنِ غير التفرد المطلق للأسرة الحاكمة بإدارة الدولة دون معقب، لا كما يروّج دعاته السائرون في دروب النعم الحكومية الواسعة بأنه يعد تحقيقاً لمبدأ الديمقراطية الصحيحة بأن يكون لكل إنسان صوت واحد فقط في الانتخابات.
حالة التفاهة الفكرية أو الروحية التي تتجرعها القلة الواعية من صنف وصف المتنبي: "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله… وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم" تجلت واضحة في أيام هذا المجلس، والمبطل الذي سبقه، وبعد خمود الحراك السياسي، فلم يعد هناك عند المحبطين ما يستحق أن تكتب عنه، أو حتى تفكر فيه، فالسلطة وضعت كل شيء في نصابه الصحيح كما تعتقد وتروج، موهمة ذاتها وتريد إيهامنا بتلك السذاجة. فمن ناحية تم بنجاح كريه عمليات خنق أصوات "النشاز" المعترضة دائماً، فلم يعد هناك أحمد السعدون أو مسلم البراك من التكتل الشعبي ولا الجماعات الإسلامية المعارضة ولا اليسار ولا جماعات الليبراليين.. كلهم انتهوا، وأُبعِدوا قسراً بفعل عمدى وسبق تصور وإصرار من السلطة الحاكمة، ومن ناحية أخرى تم إخلاء خشبة المسرح السياسي لينفرد بالمشهد الممل حفنة المهرجين والمطبلين ممن تريدهم السلطة خلفها دائماً والذين لا يرد لهم طلب.
 بتلك الصورة، لم يعد هناك عند مثل صديقي "قضايا" يمكن أن تثار، قضايا يمكن أن تنتقد أصحابها أو تقف في صفهم، أخمدت الروح القلقة، والتي تنبض بالحياة وبالرفض في الجسد السياسي الكويتي. وزاد الطين بلة، كما يقولون، أن الكويت في الأساس سمجة اجتماعياً، بمعنى أنه لا توجد حياة اجتماعية صحيحة، فلا فنون جميلة، ولا مسرح أو سينما، فالدولة بمجملها ليس لها غير اللون الرمادي الباهت، وهو صبغة الغبار المهيمن على الطقس العام، فألوان الطيف وقوس قزح غابا منذ منتصف السبعينيات تقريباً، وتم ترحيل الدولة بعد الثورة الإيرانية لعالم المزايدات على الشرعية الدينية المحافظة بين السلطة الحاكمة والإسلاميين المعارضين، والذين بدأت تسطع شمسهم في تلك الفترة كنتيجة طبيعية لسقوط الحلم القومي العربي، حتى انتهينا اليوم بهذه الحالة الغريبة، التي تنفرد بها الكويت دون بقية أخواتها من دول مجلس التعاون تقريباً، لا حياة اجتماعية مبهجة، ولا حياة سياسية متوثبة تخفف من وطأة السماجة الاجتماعية.
 لعل هذا يفسر حالة الخواء الذي نتجرعه اليوم، وربما، وبتلك النتيجة السابقة، شدت انتباهي تغريدات عدة شباب من الجنسين في هذه الأيام، والتي كانت أيام الحراك السياسي نشيطة ومتحفزة ومحرضة على الرفض والعصيان السلمي، أخذت، هذه الأيام، تراوح بين النصائح "الكونفوشوسية" العامة عند البعض، أو ترديد الأدعية الدينية عند البعض الآخر، دون مناسبة غير تجرع أصحابها من الملل السياسي والاجتماعي الخانقين.
 لكن هل صحيح أن الكويت كانت تحيا في بحبوحة الديمقراطية والشرعية الدستورية، وغابت كلتاهما في السنة الأخيرة، أم أن الكويت لم تعش يوماً حياة ديمقراطية صحيحة، ولم يكن دستور ٦٢ غير أداة تكريس السلطة الواحدة، وأنه كان يعد، في أحسن الأحوال، "أخف الضررين.. وأهون الشرّين" ؟!… هذا موضوع آخر، يستحق أن نفكر فيه قليلاً… ونفكر بم نختلف اليوم عن بقية شقيقات الكويت الخليجيات!
احمد الصراف

كيف السبيل إلى رضاك

انتشرت قبل الهجوم الأميركي على نظام صدام نكتة عن جامع قمامة كان الناس يرونه، وهو يسير في الشارع، شابكا يديه خلف ظهره، وهو يتمتم: شي يلمهن، شي يلمهن! وتعني: كيف يمكن جمعها! وعندما سئل عما يقصد، قال إذا سقط صدام فمن الذين سيجمعون صوره؟ تذكرت تلك النكتة وانا اتخيل حجم اللوحات والملصقات المنددة بأميركا، الشيطان الأكبر، والمطالبة بهلاكها، التي تنتشر في طهران والمدن والقرى الإيرانية، والتي ستصبح قريبا، وبعد التقارب مع أميركا، غير ذات معنى، وستزال، ليس فقط لعدم مناسبتها للمرحلة المقبلة، ولكن أيضا لسخف منطقها، فعندما تصيح الجماهير، للمرة التريليون: «مرك ب أمركيا»، ولا نجد لتلك الأدعية من صدى، بل نرى أن «المرك»، أو الموت، قد لحق بأفراد الشعب الإيراني الذي يموت في وطنه ببطء، ويموت مهاجرا ويموت هاربا من جنة الملالي، فما الداعي لكل ذلك الغلو في الكراهية التي لم تجلب إلا الخراب للغالبية الفقيرة، من دون ان يكون للدعوات التي يتم ترديدها في كل خطبة وصلاة ودعاء أي استجابة؟ المربك هنا ليس موقف الدولة الإيرانية التي تعرف مصالحها جيدا، والتي لا تقل وصولية عن حكومات غيرها، بل موقف الجهات المتعاطفة مع إيران، التي انكشف ظهرها، فلا هي قادرة على الاستمرار في «كراهيتها» لأميركا، ولا هي قادرة على مخالفتها ولية نعمتها، فبقدر ما سيكون للعلاقات الجديدة بين البلدين من إيجابيات عليهما ستكون لها، وبالقدر نفسه، مضار على حلفاء إيران فقط، فأميركا لن تضحي بإسرائيل لا من أجل عيون إيران ولا غيرها.
والآن، ما هو تعليق من وقفوا مع إيران، أو بشكل أكثر دقة، مع النظام الديني فيها، على مدى 34 عاما؟ وهل سيقومون بتبديل مواقفهم تبعا لذلك؟ وماذا عن الذين «دوشونا» بآرائهم القائلة بصحة وصواب كل ما كان يصدر عن القيادة الإيراينة؟ هل سيتبدلون معها أم سيبقون على سابق مواقفهم؟ ألا تكفي هذه التجربة لكي تثبت للعاقل والجاهل أن الولاء لأي نظام، خلاف نظام الوطن، أمر لا جدوى منه في النهاية؟ وكيف يمكن تبرير وقوف جهة مع نظام جائر وغير عادل بحق شعبه، على حساب نظام الوطن، فقط لأن ايديولوجية دينية أو سياسية تتطلب ذلك؟
ملاحظة: قد ينقض المرشد الأعلى، علي خامنئي، كل ما بناه الرئيس الإيراني الجديد، روحاني، وينقلب عليه، فخيوط الحكم لا تزال جميعها بيده.

أحمد الصراف