حسن العيسى

بدون جنسية بدون ورق

عنونة أوضاع "البدون" القانونية لم تعد مهمة، وسواء اسمتهم الدولة "بالبدون" أو المقيمين بصورة غير قانونية أو غير ذلك من تسميات أرادت بها الدولة تلطيف وتزويق واقعهم اللاإنساني، فإن وضع هؤلاء الكويتيين المحرومين من حق الجنسية في جوهره لا يختلف عن المهاجرين غير المعترف بهم في الدول الأوروبية، في فرنسا يطلق عليهم sans papiers أي الأقليات التي لا تحمل أوراقا ثبوتية، فهم كما يتحدث عنهم الفيلسوف آلان بادو جماعات لا يتم اعتبارهم كـ "أشخاص" في الإدارات القانونية، وبهذا الوصف ليس لهم حقوق الانتخابات ولا الضمانات الاجتماعية، ولا يتم احتسابهم في أي مكان بإدارات الدولة، فهم مجرد أرقام لا ترتب أي آثار قانونية منتجة.
تكرمت الدولة "بحاتميتها" الورقية في الكويت على هؤلاء بتصنيفهم حسب البطاقات الملونة التي تمنحها إدارة صالح الفضالة، حسب موقعهم في الإقامة بالدولة وفي التأهل للجنسية الموعودة في تاريخ هو بعلم الغيب، "فكل حسب لون بطاقته، وكل حسب حلمه بالجنسية"، ويتم أحياناً صرف جوازات سفر خاصة أو وثائق لمغادرة الدولة بصفة وقتية لحالات معينة. لا أعرف على أي أساس يتم صرف مثل هذه الجوازات أو أذونات السفر للعمرة أو الحج مادامت الإدارة بحسب مزاجها الاستبدادي لها أن تنحي جانباً أي أثر ناتج عن منح ذلك الإذن بالسفر أو تلك الوثيقة المتصدق بها على البدون الكويتيين.
هذه الأيام تتجدد قضايا محزنة إنسانيا ومخجلة في الوقت ذاته لاسم الدولة –هذا إذا كانت غطرسة المسؤول الكبير تعرف معنى الخجل بدولة مشايخ البشوت السوداء- ففي أكثر من حالة سافر بعض البدون بتلك الوثائق للسعودية، وحين عودتهم منعوا من الدخول للكويت بحجة أن وثيقة سفرهم منتهية التاريخ! وبالتالي يتم احتجاز هؤلاء في فراغ ما بين الحدود، ويتم تعليقهم إلى أن تصل مسؤول الجوازات تعليمات من وزير الداخلية بمنزلة "صدقة جارية" من سعادته تسمح لهم بالدخول، كي يعودوا من جديد لوضع sans papiers، أو عالم بطاقات الأعراس الحزينة الملونة. السماح بدخول هؤلاء البدون الكويتيين الذين انتهت صلاحية وثائقهم في أيام العمرة للدولة لا يخضع لحكم القانون أو لتريب مؤسساتي، إنما هي سلطة تقديرية للوزير، هي سلطة استثناء من جملة سلطات استثنائية للجهاز التنفيذي، أي سلطة خاصة بالشيوخ، ولا أحد قبلهم ولا أحد بعدهم.
أعرف أنه قبل أربعة أيام، تم منع مواطنين بدون هما الشقيقان فيصل ومنصور العنزي من الدخول للدولة، ولم يشفع لهما نشر صورة والدهما على ظهر دبابة في حرب تحرير الكويت، فالمسألة حسب الفقه العنصري، يحكمها مزاج تقديري وسلطة استثناء لها أن تملأ الأوراق الرسمية كما تشاء، ولها أن ترميها في سلة القمامة كما تشاء، ومن سيحاسب من، وأين القانون العادل في دنيا الأشخاص الرقميين…؟ هذه الكويت صل على النبي.
احمد الصراف

دولة الجسر

يقول صديقنا يوسف ان الكويت اصبح لها رديف أو دولة موازية في الخارج، دولة يعيش فيها، بصفة دائمة او مؤقتة ومتقطعة، الكويتي المقتدر ماديا والمتنفذ سياسيا! فبالرغم من أن الخدمات الصحية العصرية عرفتها الكويت قبل أكثر من مائة عام، عندما جاء أطباء مستشفى الإرسالية الأميركية، وتاليا افتتاح الحكومة للمستشفى الأميري قبل 65 عاما، فإننا فشلنا كدولة وحكومة في أن نحقق شيئا مميزا في المجال الصحي يمكن ان نفتخر به، فلا نزال نتراكض للعلاج في الخارج، زرافات ووحدانا، طلبا لخدمة أفضل، والخلل ليس في الإدارة الصحية ولا الأطباء بقدر ما هو في الإدارة السياسية.
ولو نظرنا للتعليم لوجدنا أن خبراتنا الدراسية لا تقل عن الصحية عمقا، فأول مدرسة عصرية عرفتها كانت قبل اكثر من 100 عام، ومع هذا لا نزال نرسل جيوشا من الطلبة لتلقي العلم في الخارج، بعد ان اقتصرت «إبداعاتنا» التعليمية في الداخل على فصل كلية شريعة الصبيان لتكون في خيطان، وجعل كلية شريعة البنات في كيفان، والتميز في مسابقات حفظ القرآن والتعليم الديني!
ولو نظرنا للاستثمار، الذي كنا يوما ما رواده في المنطقة، لوجدنا أن البيئة الاستثمارية بائسة وطاردة، وهكذا غادرتنا جحافل المستثمرين للعمل في أسواق أخرى.
أما الفرح، الذي غاب عن وجوه كثيرة داخل الوطن، فقد أصبح الكثيرون يبحثون عنه في الخارج، في الوطن الموازي! فلا يكاد يمر اسبوع من دون أن نسمع خبر إقامة حفل زواج فلان في بيروت أو فلتان في إسطنبول أو دبي أو غيرها.
أما التائقون لسماع ومشاهدة الفنون العالمية الراقية، التي اصبحت كاللآلئ النادرة، فليس امامهم غير اوبرا مسقط، وما يقدم من فنون عالمية في صالات عرض فيينا ولندن ونيويورك، وحتى دبي الجميلة.
كل هذا مقبول للبعض، ولكن ما ذنب المواطن غير المقتدر، التائق للفن والمحب لمشاهدة أفضل العروض الفنية، والمشتاق لنسمة حرية، والباحث عن تعليم مميز وعلاج أفضل لابنته أو لأمه العليلة؟ هل عليه القبول بما يترك له من فتات العلم وقشور الصحة، وبسمات باهتة هنا وضحكات خافتة هناك؟
ألا يستحق شعب هذا الوطن، الثري بأمواله والغني بمبدعيه، أن يحصل على أفضل الخدمات في الكون؟ أليس مخجلا أن نرى كل هؤلاء الذين يضعون قدما داخل الكويت وأخرى خارجها؟ ألا نحزن جميعا عندما نرى جسرا لا بداية له ولا نهاية ومن غير منفعة، يقام ويغلق من جانبيه، ولا يحاسب أحد عليه؟ وهل من الإنصاف أن ندفع المواطن، الرقيق الحال، لأن يشعر بأنه أقل من غيره، وأنه مجبر لسماع ترهات البعض من مشرعينا، الذين يريدون أن يحرموه حتى من اقتناء تمثال صغير في بيته، لأن اقتناءه كفر، وكأن كل ما حرم منه وعليه لا يكفي لأنه يدفعه للكفر بكل القيم والمثل!

أحمد الصراف