سعيد محمد سعيد

ذبح… يذبح… ذبحاً!

 

أكبر أجزاء الكارثة، أن شريحةً من أبناء المجتمع أصبحت مقتنعةً تماماً بحتمية الاقتتال بين السنة والشيعة والمسيح وسائر الطوائف في الوطن الواحد، مستندين على فتاوى وخطب وتصريحات وبيانات لأسوأ خلق الله من الوحوش التي قدّمت نفسها من أهل الدين والصلاح.

مدهش ما قاله ذلك الشاب العراقي الذي تم القبض عليه وتحت ثوبه حزام ناسف وهو يستعد لتفجير الناس. شاب في الثامنة عشرة من العمر تقريباً، بكى حال القبض عليه، وأثناء التحقيق، بكى أيضاً وهو يقول: «أعطوني الكثير من المال وقالوا لي أنني ذاهب مباشرةً إلى الجنة وأعلى مراتبها»، لكن، حين سئل: «وما الهدف؟ ولماذا ستفجر الأبرياء وستقتلهم لتترك ثكالى وأيتاماً وبيوتاً يخيّم عليها الحزن»، فكانت أسوأ إجاباته: «قالوا لي لن يكتمل إسلامك حتى تتبع منهج السلف الصالح وتنتقم من أعداء الله ورسوله، وتقضي على الشرك وعبادة القبور».

بئساً لأمة تستمتع وتتفاخر وترفع أصواتها بالتكبير وهي تشاهد مناظر الذبح وسفك الدماء. وبئساً لأولئك الذين يبرّرون للذبح، ممن جعلوا أنفسهم أئمةً على الناس، وعلماء لا علاقة لهم بدين الله، وأصحاب منابر وإمامة صلاة هي إلى رضا الشيطان أقرب. وبئساً لمن يرقص وهو يرى مشهد قتل مسلم «شيعي» ويصفه بالكافر والنصيري، تماماً كمن يتابع قتل مسلم «سني» ويصفه انتصاراً على أهل الباطل.

كارثة عظيمة حلت بالأمة. ولعل انتشار مشاهد الذبح على شبكة اليوتيوب هي واحدة من أكبر فضائح هذه الأمة، ليس لأنها أمة مجرمة تعشق الدماء، ولكن لأن هناك أهل إجرام وعصابات قتل مدفوعة الأجر تتسمى بطوائفها والطوائف منها براء. والأخطر أن تتحوّل العصابات والمرتزقة والمجرمون إلى أهل دين وتقوى وصلاح، لأنهم يقتلون بعضهم البعض تنفيذاً لمؤامرات رؤوس كبيرة تريد أن تُبقي أبناء الأمة في تناحر دائم، وذبح على الهوية، ونزيف دم لا يتوقف.

وأكبر أجزاء الكارثة، أن شريحةً من أبناء المجتمع أصبحت مقتنعةً تماماً بحتمية الاقتتال بين السنة والشيعة والمسيح وسائر الطوائف في الوطن الواحد، مستندين على فتاوى وخطب وتصريحات وبيانات لأسوأ خلق الله من الوحوش التي قدّمت نفسها من أهل الدين والصلاح.

حين يتعرض مسلم شيعي للقتل، يأتي أولئك المسوخ ليقولوا: «هذا انتقام لمن قتل أهل السنة في العراق وسورية ولبنان و..و..و…»، ويحدث العكس حين يُقتل مسلم سني، ينبري البعض ليعلن عن موقفه المؤيد لقتل أحفاد بني أمية! ثم ينصاع الكثيرون لواحد من الطرفين الإجراميين بلا عقل، والنقطة الفاصلة في الموضوع، هي أن أولئك الذين يمارسون القتل على الهوية والمذهب والطائفة والاسم، ليسوا سوى عصابات تتسلم الأموال لتقتل. هم أدوات للقتل، ولا علاقة للمذاهب بمواقفهم وبجرائمهم حتى يُصدق بعض الناس حقيقة أن ذلك القتال ما هو إلا نصر للأمة الإسلام، و»تكبير: الله أكبر».

المفجع، أن فئةً من الشباب ومن الجنسين، أصبحوا يتابعون كل مشاهد القتل الطائفية على اليوتيوب، ويشتركون بكثافة في كتابة التعليقات التي تخرج ما في صدورهم من أمراض وأحقاد، ويصفقون للقتل ويفرحون. نعم، هي فئة قليلة، لكنها تشكل من خلال ما تكتبه من تعليقات هوساً طائفياً للقتل، تأسس على أن المعركة هي معركة يجب أن تنتصر فيها الطائفة، القبيلة، الأتباع، الأنصار، حتى أصبح من الصعب جداً إقناعهم بأن كل تلك الجرائم والمجازر والمذابح لا علاقة لها بالدين الإسلامي ولا بالمذاهب! لأن وراءها أقطاب قوى وأصحاب نفوذ ومال يضعون السلاح والقنابل والمتفجرات في يد ذلك المرتزق الذي لا مانع لديه من أن يفجّر مساجد وأسواقاً ومآتم وسيارات لطالما هو استلم مبلغ جريمته النكراء الوحشية مسبقاً.

هناك فئة كبيرة من أبناء المجتمع الإسلامي فقدت عقلها وقيمها ودينها لأنها تستمتع بالذبح، تُكبر بأعلى صوتها للقتل، فأي إسلام هذا وأين الأتقياء من علماء الأمة؟ ولماذا تنشط فضائيات وتظهر وجوه قبيحة لا بارك الله فيها تدعو وتحرّض وتؤجّج وتشعل قلوب الناس لتجعلهم، وبعد جملة من الفبركات والأكاذيب والأفلام الطائفية التأجيجية المؤثرة، مستعدين لأن يقتلوا أبناء الطوائف الأخرى، فقط لأنهم صدقوا الأكاذيب.. بل ويدافعون عنها بكل قوة على أنها حقائق وليست أكاذيب؟ إنه الإعلام المجرم الوقح الساقط، الذي يصفق له المجرمون الساقطون.

ترى، هل يمكن أن نتأمل في نص الحديث النبوي الشريف هذا: «يا معشر المهاجرين، خصال خمس إن ابتليتم بهم ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن. لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ ما في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم»… صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بأسهم بينهم ونقطة آخر السطر.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *