بعد أن نجح علماء الغرب في فك الشفرة الوراثية، وتحديد والدي الجنين من خلال فحص الـ«DNA»، والقدرة على التحكم في الإنجاب، إن سلباً من خلال حبوب منع الحمل، أو إيجاباً بالإخصاب، وبعد أن نجحوا في تحديد جنس الجنين، والتحكم مسبقاً في مواصفاته من طول وذكاء ولون عيون، إلى غير ذلك من مكتشفات طبية عظيمة، أصبح الآن بالإمكان، ومن خلال اختبار دم يكلف 700 دولار، معرفة، أو تحديد السن الذي سينتهي فيه العمر! فمن خلال قياس نهائيات الكروموسومات، التي تسمى بال (Telomeres) التيلومرز، يمكن معرفة ما تبقى من عمر شخص ما. فكلما كانت التيلومرز قصيرة كلما كان العمر أقصر، علما بأن حجم التيلومرز لا يمكن، ضمن المعطيات الطبية الحالية، إطالته لكي يطول العمر. والتيلومرز هي أطرف الكروموسومات، أو مقاطعها التي تحميها من التآكل أو الاندماج مع بعضها البعض.
سيتسبب هذا الإنجاز الطبي، أن أصبح شائعا، أو إجباريا، في تعقيدات كثيرة، ليس فقط بالنسبة لصاحب العلاقة، بل وأيضا للجهات التي يتعامل معها كشركات التأمين والضمان الاجتماعي والصحي، فجميعها تعتمد في عملها على إحصاءات وجداول اكتوارية، ومعرفتها بموعد الوفاة قد يغير كثيرا من قراراتها. كما أن أي شركة سوف تتردد كثيرا في تشغيل من ترى أنه لن يعيش طويلا لينتج أكثر ويغطي ما صرف عليه من تدريب، والأمر ذاته سيسري على الجيوش وربما الجماعات الإرهابية التي يمكن أن تحصل على من هم على استعداد للقيام بتفجير أنفسهم في أهداف محددة والفوز بالحور العين مثلا، ان تبين لهم أن العمر لن يطول بهم! كما يصبح الأمر مدعاة للحرج في عقود الزواج، حيث سيتحول الاهتمام من قصر أو طول أعضاء معينة، لقصر أو طول التيلومرز!
ولا شك أن لهذا الاكتشاف حسناته الطبية العظيمة، وسيفتح الباب لإيجاد علاج لأمراض مستعصية كثيرة، ولكن ردود الفعل عليه متباينة، وبسؤال البعض عن رأيهم في هذا الكشف الطبي الخطير قالوا إنهم يفضلون ألا يعرفوا متى سيموتون، وأنهم يودون عيش حياتهم كما هي دون هواجس. وقال آخرون إنهم يودون معرفة متى سيموتون، أما أنا فإنني سأدفع مبلغ الـ700 دولار، وأعرف متى سأموت، دون أن أهتم بمتى سأبعث حيا! والسبب أنني ميت ميت، فلم لا أعرف متى، حيث سيسهل علي ذلك ترتيب أمور حياتي وعلاقاتي مع الآخرين وغير ذلك، بحيث لا يفاجأ أحد باختفائي. وربما سأختار العيش فيها ما تبقى لي من عمر في جزيرة جميلة نائية معتدلة المناخ، لأموت وحيدا، وأنا أسير على شاطئ البحر، وبالتالي أتجنب الدفن في حفرة تحت شمس لاهبة، ولا أتعب أحداً بمراسم عزائي!
معذرة لهذه النهاية الغريبة، وأرجو ألا تكون قد خربت استمتاعكم بتناول فنجان قهوة الصباح، مع تمنياتي لكم بعمر مدييييييد!
أحمد الصراف