«لنتعلم من دبي»! جملة مفيدة انتظرت ثلاثين عاماً لأسمعها من أي مسؤول حكومي، ولكن لا أحد نطق بها على حد علمي حتى الأمس القريب، وزادوا على ذلك برفض حتى الاعتراف بأن دبي تسبقنا في مجالات كثيرة بسنوات، وهي التي سبق أن كانت تلهث وراءنا بأجيال! ثم جاء وزير التجارة أنس الصالح ليقول تلك الجملة التي طال انتظاري لها، فقد تحلى بشجاعة خانت غيره، واعترف بأمر مستحق منذ عقود (القبس 3/3)، عندما صرّح بأنه سيرسل وفداً إلى دبي للاطلاع على تجربتهم المتطورة في مجال إصدار التراخيص التجارية إلكترونياً، وليتعلم منهم! وهنا، نتمنى أن تستفيد كل إدارة حكومية من تجربة دبي، خصوصاً الموانئ التي تخلفت في عهد إدارتها الحالية سنين طويلة، واستحق التغيير فيها منذ سنوات، ولكن من يسمع؟ وليس عيباً أن نتعلم من دبي بحجة أننا كنا نساعدها طبياً وتعليمياً قبل عقود قليلة، فالأجدر بنا أن نفرح بتقدمهم، ونفخر بأن من صرفنا على تعليمهم أصبحوا أفضل منا، وهذا قمة السعادة لمن يعطي ليفيد ويسعد، وأن ما دفعناه لم يذهب هدراً! وليس عيباً أن نتعلم ممن هم أقل منا في أي مجال، فأنا أتعلم دائماً من ابنتي وابني الكثير، خصوصاً في كيفية الاستفادة من الأجهزة الإلكترونية الحديثة، وهذا ليس عيباً، بل العيب أن أبقى على جهلي بحجة أنني أرفض أن أتعلم ممن سبق أن علمتهم كل شيء!
نعود ونقول إننا غير مجبرين على تقليد دبي، ولكن ليس هناك ما يمنع أبداً، بل هناك كل ما يشجع على التعلم منها، فدبي متقدمة علينا في تنظيم المرور، سواء في النقل الجماعي أو توجيه المركبات إلى طرق معينة وتجنب غيرها عن طريق ما يفرض من رسوم مرور في شوارع معينة (Toll)، كما أنها أفضل منا بمراحل في طرق إدارة موانئها ومنطقتها الحرة! وليس عيباً أن نتعلم منها كيفية إدارة حتى طريقة توحيد إصدار عقود إيجار الشقق والمحلات التجارية وتسجيلها رسمياً واستيفاء رسوم عليها، كما أنها متقدمة علينا في طريقة تسجيل العقارات وتحويلها وتركيب الهواتف الأرضية وغير ذلك الكثير، وهي أنفقت أموالاً طائلة وخسرت وعانت لتصل وتتعلم كل هذه الأمور، فلمَ نصر على إعادة اختراع العجلة وهي موجودة؟
عيبنا في الإدارة، والإدارة بحاجة لخضة، والخضة بحاجة ليد قوية، واليد القوية بحاجة لعزم، والعزم بحاجة لقرار، والقرار شبه مفقود.. وسلامتكم.
***
• ملاحظة: بعد مواقف الوزير الشمالي العقلانية والصلبة تجاه إسقاط القروض قررت تغيير فكرتي السلبية عنه والإشادة به، وحتى الاعتذار له، ولكن بعد «إذعانه»، ورضوخه للضغوط، طاح من عيني.. مرة ثانية!
أحمد الصراف