لست مهتما على الإطلاق بالنتيجة النهائية لحالة الاختلاف السائدة في الكويت حاليا، بل يتركز اهتمامي على تقصي تأثير تلك الحالة على المستقبل السياسي للكويت وشيوخها. فمن الواضح أن الاختلاف السياسي أدى إلى تراجع كبير في المكانة الاعتبارية للشيوخ في المجتمع، ولا أظن أنني أبالغ حين أقول إن الشيوخ الآن يختبرون درجة من درجات العزلة السياسية، فهم حتما يدركون إن من يجاهر بالدفاع عنهم اليوم، بمقابل على الأرجح، هم أشخاص لا يحظون بوزن سياسي ولا يتمتعون بقيمة اجتماعية. كما أنهم يدركون حتما صعوبة استعادة مكانتهم الاعتبارية السابقة حتى لو قدموا تنازلات سياسية، فما حدث خلال السنة الفائتة تحديدا بات يحسب من قبيل التطور السياسي المهم في الطريق نحو الإمارة الدستورية التي سعى الدستور إلى تشييدها. وهم يدركون حتما أن “القوات الخاصة” والمباحث والنيابة العامة والملاحقات السياسية لن تفلح في فرض الاحترام واستعادة المقام.
وفي مقابل تراجع القيمة الاعتبارية للشيوخ، لا يمكن إنكار تنامي المطالب السياسية الشعبية “الشبابية”، حتى وإن كانت غير ناضجة بما يكفي لتحولها إلى واقع، فالحديث عن “الحكومة المنتخبة” أصبح حديث يومي، كذلك هو حال الحديث عن تقليص حصص الشيوخ في الوزارة. والأهم مما سبق هو اكتساب الشباب خبرة لا يستهان بها في “الخروج إلى الشارع” وتحدي السلطة ومقاومة مشروعاتها السياسية.. إن هذا كله لا يمكن أن يذهب أدراج الرياح، بل هو مجرد مقدمة لأوضاع وترتيبات لا مناص من تبنيها في المستقبل القريب.
ومن باب خداع الذات، قد يظن بعض الشيوخ أنهم يعيشون عصرهم الذهبي في العهد الدستوري على أساس أنهم نجحوا في فرض مشروعهم السياسي الهادف إلى إفراغ الدستور من قيمته، وأعادوا دمج السلطات الثلاث عمليا في سلطة واحدة، وتخلصوا من رقابة البرلمان، ونجحوا في إخضاع الصحف اليومية لرغباتهم، وتحييد القنوات التلفزيونية وتعطيل فاعليتها، واستخدام القوة، وملاحقة المعارضين قضائيا وحبس بعضهم، إلا أنهم يغضون بصرهم وبصيرتهم عن الثمن الباهظ الذي يدفعونه مقابل ما سبق، وهو تآكل مكانتهم الاجتماعية واعتبارهم، فضلا عن تسببهم في تحريك عجلة التطور السياسي الحتمي وحرق المراحل نحو الإمارة الدستورية.
لقد كان مجلس الأمة بمثابة أداة التنفيس السياسي، تلك الأداة التي حصّنت الشيوخ وحافظت على مكانتهم الاجتماعية في وقت كان الرأي العام فيه ينتقد النواب أكثر من انتقاده الشيوخ، وفي وقت كان فيه مجلس الوزراء يشكل “الدعامية” التي تتلقى الصدمات نيابة عن الشيوخ، أما اليوم فإن الرأي العام بات يوجه جميع سهام النقد، بل والتجريح أيضا، صوب الشيوخ الذين غدوا بلا حصانة.
لقد سبق لي أن قلت إن سقوط الاعتبار الاجتماعي في علاقة الشعب الكويتي بالشيوخ هو مقدمة لتغيير سياسي هائل قادم لا محالة، ذلك أن الاعتبار السياسي وحده ليس في صالح الشيوخ إطلاقا. لقد كان الاعتبار الاجتماعي بمثابة العذر الذي يغفر للشيوخ زلاتهم السياسية.
على كل حال، “الجربة” و”البرمة” أوعية لحفظ المياه.. إلا أن “الجربة” تتحمل الضغط وتقبل التمدد والانكماش، أما “البرمة” فإنها قابلة للكسر فقط حتى لو منحتنا ماء باردا!