تواجهت ذات مرة ضمن برنامج «مواجهة» الذي كان يقدمه الزميل جاسم العزاوي على قناة أبوظبي الفضائية مع الإعلامي الناصري ـ نادر الظهور ـ احمد سعيد الذي كان يسقط الحكومات العربية ضمن برنامجه المسائي الأشهر في حينه «أكاذيب تكشفها حقائق» الذي يبثه من إذاعة صوت العرب فيبدأ بإعلان أسماء الإذاعات المستهدفة وتتلوها كلمة «أكاذيب» أو «حقائق» وهكذا حتى تنتهي تلك المقدمة بـ «هنا صوت العرب» ويتلوها «حقائق، حقائق، حقائق»، ثم يبدأ عرض ما قالته هذه الإذاعة أو تلك وتكذيبه أو تصديقه، وبالطبع تتغير مسميات أكاذيب وحقائق طبقا لتغير العلاقة مع القاهرة، فإن غضب عبدالناصر من نظام ما تحولت إذاعته الى «أكاذيب» وان رضي تحولت الى «حقائق».
****
ومما قاله لى الإعلامي الشهير أحمد سعيد ان النظام الناصري كان يعطي لنفسه حق التدخل في شؤون الدول الأخرى حتى انه زار الكويت عام 1963 ودخل منها الى العراق خلسة لإكمال طبخة إسقاط الرئيس عبدالكريم قاسم عبر انقلاب عسكري «نهاري» عليه الذي أدى الى مقتله، كما قام سعيد قبل ذلك في عام 1959 بإلقاء خطاب ناري في ثانوية الشويخ حاول من خلاله إدخال الكويت ضمن الصراع الدموي القائم آنذاك بين القوميين والشيوعيين والذي تفجر في الموصل عقب ثورة الشواف وانعكس بشكل صورة اعتقالات جماعية في مصر للشيوعيين أدى الى قتل زعيمهم شهدي عطية تحت التعذيب وهرب خالد بكداش من سورية.
****
والحقيقة ان ما كان يفعله إعلام أحمد سعيد ـ محمد حسنين هيكل آنذاك هو في حقيقته أقرب الى «حقائق تغيبها الأكاذيب»، حيث تحولت الهزائم الى انتصارات وتم استقصاد الأنظمة المحافظة الحكيمة فاتهم النظام السعودي بعد هزيمة (انتصار) حرب السويس عام 1956 بأنه وقف ضد مصر، بينما تظهر الحقائق التاريخية انه كان الحليف الأقوى لعبدالناصر في تلك الأزمة، حتى ان الأخير زار السعودية مرتين عام 1956 وأرسل طائراته للمطارات السعودية لإبعادها عن التدمير، كما قطعت المملكة النفط عن بريطانيا وفرنسا المشاركتين في العدوان ووضعت السعودية جيشها وما لها تحت إمرة عبدالناصر الذي قدر ذلك الموقف التاريخي قبل ان ينقلب عليه في وقت لاحق.
****
ومن الأكاذيب الكبرى لتلك الحقبة ما قاله الرئيس عبدالناصر في خطاب له في مارس 1958 ألقاه في دمشق من ان الملك سعود دفع 2 مليون جنيه استرليني لوزير الداخلية السوري عبدالحميد السراج الملقب بـ «السلطان الأحمر» لظلمه وقمعه، لفك الارتباط بين مصر وسورية، والحقيقة ان عبدالناصر أرسل نائب رئيس الجمهورية المشير عبدالحكيم عامر الى الطائف في 16/7/1958 ليعتذر مما حدث وانه كان مجرد سوء فهم! وفي 31/8/1959 زار الملك سعود القاهرة وتم الاحتفاء به بشكل غير مسبوق وهو أمر ما كان يتم لو كانت قضية التآمر على الوحدة حقيقية.
****
آخر محطة:
(1) حتى إسرائيل رغم عدوانيتها لم تسلم من أكاذيب وألاعيب النظام المخابراتي الناصري وان كانت قد استفادت ولم تخسر من تلك الأكاذيب فقد تكشفت عام 1954 ما سمي بفضيحة «لافون» وخلاصتها قبض رجال الأمن في الإسكندرية على عملاء إسرائيليين يفجرون المصالح الأميركية والإنجليزية في مصر بقصد اتهام المصريين وإثارة العداء بين هاتين الدولتين الكبيرتين والقاهرة (إن كانت تلك تهمة فخير من كان ينفذها هو الرئيس عبدالناصر وجهازه الإعلامي).
(2) والحقيقة المخفية والمخيفة ان فضيحة «لافون» كانت مؤامرة من قبل موشي دايان تواطأ فيها ضابط موساد يدعى «افري العاد» لتجنيد شباب يهود مصريين للقيام بتلك التفجيرات ثم كشفها للمخابرات المصرية التي كان يعمل معها بشكل مزدوج الضابط الإسرائيلي، (افري العاد) الذي حكم عليه بالسجن الانفرادي 10 سنوات عام 1960 بسبب اتصاله وتخابره مع مكتب الرئيس المصري وكان الهدف من «التآمر وكشف التآمر» إسقاط حكومة الحمائم التي يرأسها موسى شاريت ووزير دفاعها «لافون» وهو ما تم بقصد التحضير للحرب مع مصر واحتلال سيناء الذي كتب عنه دايان في كتاب مذكراته الصادر عام 1954 وهو ما حدث في النهاية، اضافة الى الدفع بهجرة يهود مصر الى الخارج وهو ما تم كذلك، وكان منهم شاب يهودي مصري شعر بالظلم الشديد بسبب القبض عليه يدعى ايلي كوهين كاد أن يصبح رئيسا لسورية منتصف الستينيات تحت مسمى.. كامل أمين ثابت..!