سعيد محمد سعيد

«أرزاق» شيوخ الطين!

 

لا يجب بأي حال من الأحوال، أن نشنَّ هجوماً ونقداً لاذعاً لمن يسمون أنفسهم (شيوخاً وعلماء طين) ممن يكسبون رزقهم من إثارة الفتن والنعرات الطائفية بين أبناء الأمة الإسلامية طالما أن رزقهم هذا يضمنه لهم ولي الأمر! فالأولى ثم الأولى أن توجه الانتقادات والأقلام والكتابات وتأليف الكتب والأبحاث والدراسات إلى أولياء الأمر الذين «يدسّمون» كل «شيخ طين» أجاد دوره في بث الفتن… أليس كذلك؟

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بتلقائية هو: «إذا كان أولياء الأمر من حكام الأمة لا يرتضون إثارة الفتن والعصبيات المذهبية ويشمرون عن سواعدهم بغضب ليحذروا من يقع في ذلك المستنقع من علماء الطين؛ لماذا إذن نجدهم في كل البلدان الإسلامية يسرحون ويمرحون ويقربهم هذا السلطان وذاك الوالي وهذا الرئيس؟ أليس للحكومات هنا دور مشجّع؟».

ومن بين الإجابات المقنعة ردّاً على ذلك السؤال، ما قرأته من أطروحات جميلة للباحثة والكاتبة والإعلامية السعودية نوال موسى اليوسف في حوار عميق مع مركز آفاق للدراسات الإسلامية، ففي تعليقها على قرار إغلاق القنوات التي تثير الطائفية، تشدد على أن ذلك القرار ليس كافياً لمنع استشراء الكراهية وإثارة النعرات الطائفية؛ وذلك لأن هذه الأزمة الطائفية منذ نشأت لم تتقهقر بفعل تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبفعل تطور المجتمعات الإنسانية في العالم الثالث وتطور الحضارات وإتقانها، بل إن هذه الكراهية قابلة للعديد من الاحتمالات التي يمكن أن تتعدّد السيناريوهات المستقبلية للأوضاع في العالم الثالث.

اليوسف وضعت السيناريو الأول وهو بقاء وازدياد قدرة ذوي النعرات الطائفية على السيطرة على زمام الأمور وخصوصاً من جانب المتطرفين والمتشددين، بالإضافة إلى عدم اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة الطائفية من قبل الحكومات في العالم الإسلامي. فالباحثة كانت مدركة لدور تلك الحكومات بل وأضافت اليها حالة فقدان الثقة بحكام ورؤساء الأنظمة العربية والإسلامية، وانخفاض درجة ومستوى القبول العام بهذه الأنظمة حول العالم العربي والإسلامي، وارتفاع وزن الجهاديين والمتطرفين نسبيّاً وخصوصاً لفئة القوى الإسلامية والفكرية والإعلامية المتشددة، وزادته أن موروث العالم العربي الثقافي لايزال رهين النظرة الأحادية للأنظمة الأحادية، والدين والمذهب الأحادي، والفكر والثقافة الأحادية، ولا يتعامل مع التعددية إلا من خلال الخطب وعلى منابر المؤتمرات والإعلام، وطالما بقيت هذه الأحادية؛ فإن تحقيق العدالة والمساواة بين السنة والشيعة وغيرهم من مكونات التنوع في العالم العربي والإسلامي سلبية في الوعي العربي، لكن هذا التغيير يمكن أن يحصل إذا كان هنالك وعي سياسي لدى الشعوب ولدى قادتها على الأمد القريب والبعيد. (انتهى الاقتباس).

النظرة الأحادية هي أيضاً ملاذ «شيوخ الطين» الذين أسهموا ولايزالون في مضاعفة البلاء في المجتمع الإسلامي، وهم عادةً يصفقون لأولياء نعمهم ولا ضير في أن ينكّلوا بالناس أشد التنكيل، ولعلني أشير إلى وصف شيوخ الطين أولئك من محاضرة قديمة للمرحوم الشيخ الشعراوي متوافرة على «اليوتيوب»

فيها من بين ما قاله (رحمه الله): «خطباء الفتنة الذين رآهم رسول الله (ص) تقرض شفاههم بمقارض من نار، فسأل: من هؤلاء يا جبريل؟، فقال هم خطباء الفتنة الذين يبررون لكل ظالم ظلمه، ويجعلون دين الله خدمة لأهواء البشر، وهؤلاء هم الذين يحاولون أن يجعلوا للناس حجة في أن يتحللوا من منهج الله، فهم يبررون ما يقع، ولا يدبرون ما سيقع… ذلك أن الدين ليس لتبرير أهواء البشر لكن الدين هو لتدبير أمور البشر.

إنهم، أي شيوخ الطين، من الخبث بحيث شجّعوا آخرين معهم للسير في ذلك الفكر الخبيث أيضاً، ليضاعفوا حريق الفتنة الطائفية في المجتمع ويستوردوا بضع أفكار تعينهم على ذلك.

المفكر البحريني علي محمد فخرو، في مقاله القيم: «الانتهازية السياسية في خدمة الفتنة الطائفية»، («الوسط»، 15 مارس/ آذار 2013)، قدّم نصّاً يختصر علينا المسافات: «أن ينجح أمثال المستشرق الصهيوني برنارد لويس في إقناع الدول الاستعمارية الغربية بالعمل الدؤوب لتأجيج الصّراع المذهبي العبثي السنّي – الشيعي فهذا أمر مفهوم ومنطقي! فمن خلال استبدال الصّراع العربي – الصهيوني بالصّراع الطائفي في داخل الإسلام، يعيش الاستعمار الصهيوني في فلسطين المحتلة في سلامٍ وأمن، ويزداد قوةً وتركيزاً في التربة العربية، ومن خلاله أيضاً ينشغل العرب عن المؤامرة الاستعمارية للاستيلاء على ثرواتهم والوجود العسكري والسياسي في أرضهم، وهكذا تكتمل حلقة إبقاء العرب في حالة ضعف وتخلُّف وتمزُّق، وإبعادهم عن مشاريع الوحدة العربية والاستقلال القومي والوطني وبناء تنمية إنسانية شاملة بالاعتماد على قواهم الذّاتية».

لكن حري بنا أن نتعمق فيما قاله فخرو لنعرف خبث مصدر أرزاق شيوخ الطين في قوله: «أن يمتدّ ذلك الفكر الاستشراقي الخبيث، وذلك المنطلق الخطر لأن يتبنّاه بعض العرب وبعض السَّاسة والمفكرين في مؤسسات المجتمعات المدنية، وأن تنفخ في تأجيجه باستمرار، فوق منابر المساجد والفضائيات التليفزيونية، أشكال من القوى السلفية المتزمتة دأبت منذ قيامها على تكفير من يخالف مدرستها الفقهية ومن تعتقد أنه لا ينتمي إلى جماعتها، أن يمتدّ بهذه الصورة المفجعة التي نراها ماثلة أمامنا وبهذا الانتشار الواسع؛ فإنه يصبح كارثة دينية وقومية وأخلاقية… لنتذكر أن الغرب لديه تجربة تاريخية غنيّة في حقل الصراعات الدينية والمذهبية بين مختلف كنائسه المسيحية، وخصوصاً بين الأتباع الكاثوليك والبروتستانت… لقد استمر ذلك الصّراع عندهم سنين طويلة، وقاد إلى موت الملايين، وأكل الأخضر واليابس وأفقر الأوطان والعباد. تلك التجربة هي التي يراد إحياؤها اليوم في أرض العرب والمسلمين». (انتهى الاقتباس).

إذن، ذلك الرزق الخبيث الذي يحصل عليه شيوخ الطين من أولياء أمرهم، يوجب أن ننظر إليه باشمئزاز ورفض؛ لأنهم يأكلون خبيثاً ويريدون لنا – عنوةً – أن ننصاع لأفكارهم الشيطانية… فتعساً لهم ولمن يمدهم بالمال.

سامي النصف

حقائق حول الأسطول الأميري

محزن بحق تفشي ثقافة سياسية فلسفتها أنه لا مانع من التضحية بالحقيقة في سبيل المناكفة أو التحريض أو النيل من الخصم، وإذا قُبل هذا النهج من شاب جاهل صغير السن عديم الخبرة فهل يقبل من مخضرمي السياسة في البلد؟! وأي دروس نرسلها لأجيالنا الواعدة والصاعدة عبر القبول بمثل تلك الممارسة؟!

***

أعداد طائرات الأسطول الأميري ليست سرا ويمكن الحصول عليها عن طريق المواقع الإلكترونية المختصة والتي يمكن للباحث عن الحقيقة ان يصل إليها بسهولة بالغة بدلا من الاستعانة بما تكتبه مواقع الإثارة والكذب والتحريض، كما يعلم بها الشباب الكويتي العامل عليها من طيارين ومهندسين ومضيفين وموظفين، إضافة الى تواجدها الدائم في الساحات المفتوحة للمطار.

***

وواضح من جدول الطائرات الزائف الذي تم نشره ان هناك تكرارا ومضاعفة لأعداد الطائرات لغرض في نفس يعقوب، كما ان هناك ادعاء غير حقيقي بتخصيص هذه الطائرة او تلك لهذه الشخصية او تلك، وقد لا يعلم البعض ان بعض طائرات ذلك الأسطول مصنوعة في الثمانينيات والتسعينيات، لذا فمن الطبيعي ان تتم عملية استبدال لها ولا يعتبر ذلك الإحلال الطبيعي إضافة للعدد الإجمالي بل هو عبارة عن وصول طائرة جديدة لتخرج محلها طائرة قديمة.

***

وطائرات أسطولنا الأميري هي من الأقل عددا واستخداما وتواضعا في تجهيزاتها مقارنة بمثيلاتها في الدول الأخرى، بتجهيزات عادية جدا، كما انها تستخدم لخدمة المواطنين كما تم عندما نقل السيد عبدالله النيباري على إحداها للعلاج في الخارج على اثر الاعتداء الآثم عليه او عند إحضار جثمان فقيد الكويت الكبير ورفيق درب السيد النيباري من الخارج ومئات الحالات المشابهة الأخرى، كما تستخدم طائرة صاحب السمو الأمير في رحلات الركاب العادية وفي حالات الإجلاء السريع للمواطنين، كما تم قبل سنوات من بيروت ودمشق، ولنقل المشجعين لمنتخب الكويت الوطني وجميعها أمور غير مسبوقة في الدول الأخرى.

 

احمد الصراف

الحرص أكثر من واجب

مع الغياب التدريجي للأمن وانحسار الطمأنينة من النفوس واضمحلال البراءة تدريجيا واستمرار ضعف الأداء الحكومي وفقدان الرجاء في تحسّن الظروف الأمنية، مع كل ما أصبحنا نعانيه من مشاكل البطالة والعمالة السائبة والتردد المميت في حل قضايا ومشاكل «البدون»، أصبح لزاما على كل فرد اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية نفسه ومن يحب وما يمتلك من اعتداء الآخرين! وهذا لا يتضمن فقط اتخاذ مختلف الاحتياطات السلبية، بل والتقدم خطوة والتصرف بإيجابية من خلال تعلم أساليب حماية جديدة تساعد في العيش بأمان أكثر، علما بأن كل ما سنتخذه من إجراءات سيؤدي حتما إلى رفع تكاليف المعيشة، وهذا ما كان يجب أن يحدث، لولا أننا أصبحنا مجبرين على القيام بالوظيفة الأمنية عن الحكومة، بتكاليف عالية، بدلا من قيام الحكومة بها بطريقة أفضل وأقل كلفة بكثير، ولكن ما العمل والأمل مفقود في تحسن الأداء الحكومي! ومن هذه الأمور مثلا التأمين ضد سرقة المركبات، وهو خطر لم تعرفه الكويت طوال تاريخها بمثل هذا الزخم الحالي، او تركيب كاميرات مراقبة، داخل البيت وخارجه، وغير ذلك من إجراءات أمنية قد تدفع البعض للضحك مثل مشاركة سكان الحي أو الشارع في مراقبته وإبلاغ السلطات الأمنية بأي شك في شخص أو جهة! ولكننا قريبا سنضطر للجوء لكل أو بعض هذه الأساليب لحماية «فرجاننا» أو أحيائنا السكنية وممتلكاتنا وطبعا أنفسنا من التعرض للأذى! ويمكن أن يلعب مرتادو المساجد دورا في تشكيل لجان الحي والعمل على مشاركة ببقية السكان في الأمر، وبالتالي يكون للمسجد دور اجتماعي مهم، بعد أن كان دوره مقتصرا على أداء العبادات فقط!
وهناك طبعا طريقة تكليف شركات أمن بحراسة المنطقة أو البيت، ولو أننا لا نحبذ هذه الطريقة التي لها محاذيرها! فما أصبحنا نسمعه من تعدد الجرائم الجديدة وتنوعها، حتى خارج الكويت، جعل الكثيرين منا يعيشون في قلق حقيقي أنساهم سنوات البراءة والأمان التي عاشوها لعقود. والأخطر من ذلك أن العيون انفتحت علينا، داخليا وخارجيا، فأصبح المواطن والمقيم في دول المنطقة هدفا لعمليات النصب والاحتيال والسرقة، فقد تعرّضت سيدة لعملية لطش كل ما كان في حقيبة يدها من نقد ومجوهرات، والتي كانت تضعها بـ«أمان» في الخزانة العلوية للطائرة، ولم تنتبه للسرقة إلا عن طريق الصدفة! وبالتالي يتطلب الأمر الحرص على عدم وضع أشياء ثمينة في الحقائب التي توضع في تلك الخزائن، أو على الأقل التأكد من أنها موضوعة في حقائب يصعب فتحها، ومع ضرورة تفقدها بين الفترة والأخرى. ومن الخطأ الافتراض بأن جميع ركاب الطائرة من الملتزمين بالقانون ومن الأمناء، ولو كانوا من ركاب الدرجة الأولى أو «رجال الأعمال»، فقد أصبح الخطر في كل مكان، ولا مأمن لأحد. كما أن وضع الحقائب اليدوية الصغيرة تحت المقعد لا يعني أن يد اللص لن تصل إليها، خصوصا في الرحلات الطويلة والاستغراق في النوم! وهنا يحق لنا القول أن زمن البراءة والأمان قد ولّى!

أحمد الصراف

عادل عبدالله المطيري

حوارات الوسمي

بدأ د.عبيد الوسمي بتدشين ندواته الجماهيرية الهادفة لتكوين «توافق وطني» بين الكتل والتجمعات السياسية لتوحيد الحراك السياسي من أجل تحقيق الإصلاح الوطني الشامل كما يراه الوسمي.

ومن المعلوم أن وتيرة الحراك السياسي بدأت تضعف نتيجة تشتت الجهود وتضارب الأهداف الإصلاحية أو حتى عدم الاتفاق على الوسائل التي من الممكن ان يتبعها الحراك السياسي.

ربما نجح الوسمي في الندوة الأخيرة «الحوار كيف؟ ولماذا؟» بتجميع كل أطياف المجتمع الكويتي بمختلف طوائفه الدينية والاجتماعية والسياسية، فحضور التيار الليبرالي ممثلا بعبدالله النيباري وهو من رموز المنبر الديموقراطي والذي شدد بدوره ـ على توحيد صفوف الحراك والسعي إلى إعطائه الزخم المنشود ليتمكن من تحقيق تغير سياسي من داخل النظام والدستور.

كما أن تنوع المحاضرين في ندوة الوسمي في حد ذاته يعتبر نقلة نوعية في العمل السياسي الكويتي، حيث تواجد في مكان واحد وتحت شعار «الحوار» من يمثل أقصى اليمين وهو حزب الأمة وأقصى اليسار الليبرالي وهو المنبر الديموقراطي الذي مازال يمثل وبدقة ضمير الليبراليين الكويتيين!

كما أن حضور د.حسن جوهر والذي يمثل وبكل جدارة صورة الرجل السياسي الشيعي الوطني الذي يعبر عن كل الكويتيين باختلاف مشاربهم، والذي أكد على ضرورة أن يشمل الحراك السياسي كل الدوائر الانتخابية وألا يقتصر على الرابعة والخامسة!

في الختام ـ وبعد نجاح الوسمي في عقد اجتماع «قوس قزح السياسي» في ديوانه ـ بات من المؤكد أننا سنكون على موعد في كل يوم أحد ـ إما بندوة أو محاضرة في سلسلة حوارات الوسمي، والتي نتمنى أن تنجح في إخراجنا من المأزق السياسي.

almutairiadel@

حسن العيسى

مأساة ثم… ملهاة

تمر بنا هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على الغزو الأميركي للعراق (أو تحرير العراق كما كنت أسميها) وأفردت الصحافة الغربية صفحاتها لتذكّرنا بعبر تلك الحرب التي كان ضحاياها عشرات الألوف من العراقيين ونحو خمسة آلاف جندي أميركي ومئات الألوف من الجرحى… السؤال الآن هل استطاع الغرب خلق دولة عراقية جديدة تقوم على أسس الديمقراطية الحقيقية والمساواة والشفافية، أم أنه فشل في العراق… وفي أفغانستان؟ الإجابة هي أن الفشل سيد الموقف، إذ تمت إزاحة نظام فاشي مرعب ليحل مكانه نظام طائفي بوجه ديمقراطي على الطريقة العربية، التي تعني استبداد مَن ركب جمل الأكثرية الشيعية ودهس الأقلية السنية، وصاحبه فساد مستشرٍ في دولة مقسمة واقعياً بين شيعة الجنوب وشبه دولة كردية في الشمال وسنة وسط يتقلبون على جمر التعصب القبلي بتحالفات وقتية مع جماعات "القاعدة"، تُنقَض مرة وتعود من جديد مرات أخرى… حسب مشاعر القهر الطائفي وتماشياً مع التراث التعصبي القبلي.
  الوحش الطائفي المفترس لم ينهض في العراق فقط، بل امتد إلى سورية اليوم (بشكل مقلوب) ولبنان، وسيمتد سعير النيران الطائفية ومشاريع التقسيم إلى جُل دول المنطقة التي ليس لها تاريخ يذكر في مفهوم الدولة- الأمة… لماذا تبرز تلك الاحتمالات…؟ وإذا كانت البداية الحقيقية لـ"ربيعنا" عام 2003 بإسقاط نظام صدام، ولم تكن حرق البوعزيزي نفسه في تونس إلا شرارة الانتفاضة العربية، فماذا تجابه دولنا اليوم. والكويت ودول الخليج لا تمثل استثناء من خطر الغول الطائفي ببركة الوعي الأصولي المتجذر بتلك الدول وغياب الرؤية عند قيادات المنطقة.
  كتب جورج الطرابيشي (هرطقات جزء 2) "… لم أضع أي رهان من طبيعة عجائبية يأتي عن طريق صندوق الاقتراع إذا لم يتحول بتحول عقلي في صندوق الجمجمة.."، ويقرر الكاتب أن التدخل الأميركي لم يقدم أكثر من المناسبة لانفجار الحرب الطائفية، ولكنه لم يكن عاملها على صعيد السببية.."، فالحالة الطائفية وحروبها المروعة استُهلت بموقعة الجمل، ثم صفين، وأخذت بعدها الكارثي في مأساة كربلاء حين قتل بصورة بشعة 72 من أهل البيت… وتمضي السنون المظلمة، وتصعد وتخبو نيران تلك الحروب لتصل إلى تلك الفقرة التي أقتبسها من المؤرخ ابن كثير في البداية والنهاية"… ففي صفر سنة ٤٤٣هـ وقعت الحرب بين الروافض والسنة، فقُتل من الفريقين خلق كثير، وذلك أن الروافض نصبوا أبراجاً وكتبوا عليها "محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر"، فأنكرت السنة اقتران علي مع محمد صلى الله عليه وسلم في هذا، فنشبت الحرب واستمر القتال بينهم إلى ربيع الأول، فقتل رجل هاشمي فدفن عند الإمام أحمد (ابن حنبل) ورجع السنة من دفنه فنهبوا مشهد موسى بن جعفر، وأحرقوا ضريح موسى (الكاظم) ومحمد بن الجواد وقبور بني بويه، وأُحرق قبر جعفر بن المنصور ومحمد الأمين، وأم زبيدة وقبور كثيرة…"، ويلاحظ الطرابيشي، أن الحروب الدينية استمرت في أوروبا ثلاثين عاماً من 1618م إلى 1648 وانتهت بصلح وستفاليا، أما حروب الشيعة مع السنة فاستمرت أكثر من٣٠٠ عام حتى سقوط بغداد.
  تلك كانت صورة تاريخية رسمها المؤرخ والفقيه السلفي السني ابن كثير، لا يمكن لومه على تعبيره بكلمة "روافض" في وصفه للشيعة، لأن فكره كان وليد زمنه وهو زمن الفتن، كما لا نلوم  مؤرخي وفقهاء الشيعة على تعبيرهم بكلمة "نواصب"، لأن فكرهم كان وليد ذلك الجذب الطائفي الغائر في تاريخنا العربي، لكن كيف هو الأمر اليوم، حين تقع سلسلة من التفجيرات للمراقد والتجمعات الشيعية في العراق وتحرق الكنائس، وتشرع حرب تحرير في سورية ضد نظام متوحش، تكاد تتحول إلى حرب طائفية لها صورها الكثيرة في لبنان والعراق، إضافة إلى مسخ المطالبة بالديمقراطية في البحرين وتحويلها إلى استقطاب طائفي، ومناقشات مجالس الأمة بالكويت التي تضج بتهم ومشاريع الطائفية، وتعلو نبرات أصوات شباب التوتير الصبغة الدينية المتشددة؟!
ألم يكن ماركس صادقاً في أن التاريخ لا يكرر نفسه عندما يكررها إلا ليحول المأساة إلى ملهاة؟"
  قبل ألف عام كانت مأساة، ونخشى أن يكون غدنا ملهاة… فهل يتعظ الطائفيون؟!

احمد الصراف

يا ذكرى ومحسن.. هل يعود الفضل إليكما؟

قال خبر مقتضب إن حملة تفتيش مفاجئة نظمتها وزارة الشؤون على مجمعات في حولي اسفرت عن تسجيل عدد من المخالفات! وحيث ان الخبر، بصيغته تلك، قد لا يكون مفهوما من البعض، فسنحاول هنا شرح ما يعنيه وخطورته. يتطلب استخراج ترخيص مزاولة مهنة، أو تأسيس شركة، تحديد مكان مزاولة العمل، وحيث ان نسبة من مؤسسي الشركات والأنشطة الفردية لا يهدفون الى المتاجرة العادية بها بل لتأجيرها للغير أو لاستخراج إقامات عمل عليها، وبيعها للراغبين في العمل في الكويت من مختلف الجنسيات، وتحقيق مبالغ كبيرة عليها. ولأن استئجار مقر يكلف الكثير أحيانا، فقد تفتقت أذهان «مافيا» الإقامات على اختيار مجمعات تجارية محددة وتأجير وحداتها، مقابل مبالغ بسيطة، على الراغبين في المتاجرة بالإقامات، وتزويدهم بعقد ووصل إيجار لاستكمال متطلبات الوزارة، ومن بعدها تبدأ عملية استخراج تصاريح العمل، وتبدأ بفراش ومحاسب وسائق وموظف ومندوب لتصل أحيانا الى المئات، وكل ذلك لشركة لا يتعدى حجم مقرها عن دكان صغير بعشرة أمتار مربعة! وقد تكونت على مدى السنين من الاهمال الحكومي وتواطؤ من «كبار» موظفي الوزارة، عصابات تعرف «الشؤون» و«الداخلية» الكثير عنها، ولكن لا تود جهة التحرك ووقف أنشطتها الإجرامية! ولا نظلم أحدا أو نبالغ إن قلنا إن جميع وزراء الشؤون والوكلاء الذين تعاقبوا على الوزارة في السنوات 25 الماضية على الأقل، وبمعيتهم كل وكلاء العمل وجيش المراقبين والمفتشين، كانوا جميعا، وعلى مدى أكثر من 25 عاما، على علم بوجود هذه الجهات المخربة ومقار الشركات الوهمية، التي تستخدم علنا لغرض استخراج تراخيص غير قانونية والإضرار الشديد بمصالح الوطن، ومع هذا لم يقم أحد من هؤلاء يوما بالمطالبة أو حتى بالتضييق عليها أو إغلاق ملفات اصحابها، وكل ما كنا نسمعه أو نقرأه هو «الكشف» عن عصابة هنا وغيرها هناك تتاجر بإقامات العمل، ولكن لم نسمع يوما أن مواطنا «أدين» بهذه الجريمة المخربة، ولا ندري لماذا كل هذا السكوت؟ فالوزراء كانوا يعرفون، ورؤساؤهم كانوا يعلمون بالوضع، وكل من اتبعهم من وكلاء مساعدين ومديري إدارات ومراقبين ومفتشين وموظفين عاديين وحتى فراشين كانوا على علم بوجود هذه المجمعات، ولكن لم تتحرك الوزارة إلا في أضيق الأحوال للقضاء على هذه الجريمة الواضحة الأركان والمعالم، وكان من الممكن أن نشاركهم السكوت عن هذه الجريمة وعدم الاعتراض على ما حل بنا من قلة إحساس بالمسؤولية لولا ذلك السخيف الذي «بط جبدي» بفكرة «كويتي وأفتخر»!
نتمنى أن يكون للوزيرة الجديدة ذكرى الرشيدي والوكيل الجديد محسن المطيري يد في قرار التفتيش الأخير على مجمع حولي. ونذكرهما بأن هذه المجمعات منتشرة في كل أنحاء الكويت ومعروفة لجميع العاملين في إدارة التفتيش، وإغلاق ملفات الشركات المستأجرة لمحلات فيها أصبح أمرا مستحقا، مع وضع أسماء أصحابها في «القائمة السوداء»! ويجب عدم انتظار تحويل إدارة العمل لهيئة مستقلة للقيام بهذه الضربة. بل تقع عليكما مسؤولية الحسم الآن، وهي خطوة صغيرة في رحلة الألف ميل للقضاء على جريمة المتاجرة بقوت البشر وتخريب السلم الاجتماعي وتحقيق الثراء على حساب المال العام!

أحمد الصراف

سامي النصف

العرب من الدولة الظلامية إلى الدولة الهلامية

الواقع المؤلم لدولنا العربية يظهر انها تحولت من نظام «الدولة الديموقراطية» ذات الحريات الليبرالية ابان العهود الملكية الخيرة، الى مشروع «الدولة الظلامية» ذات القمع السياسي والمقابر الجماعية واقتصاد الإفقار الموجه في عهد الثوريات العسكرية غير المباركة، وقد انتهى الحال بشعوبنا العربية المظلومة بعد ثورات الخريف العربي إلى الوصول لقاع مظلم جديد لا قرار له يسمى بالدولة الهلامية!

***

واولى مواصفات «الدولة الهلامية» التي قامت على انقاض «الدولة الظلامية» البائدة، أنه لا شيء صلبا فيها، بل كل الأمور ضمنها سائحة على بعضها البعض، فلا هيبة ولا احترام للسلطة، ولا خط واضحا يفصل بين القضاة والمتهمين او بين العسكر والحرامية، ضمن تلك الدولة يخطف السائحون والمستثمرون ويخرج القتلة والبلطجية من السجون ويدخل بدلا منهم رجال المال والأعمال والإعلام!

***

ومن مواصفات «الدولة الهلامية» أيضا ان يومها اسوأ من امسها المظلم والمليء بالظلم، وان وضعها السيئ اليوم ستبكي عليه دما في الغد، ولا يعرف في تلك الدولة الحكيم من الأحمق او المتعلم من الجاهل، فالجميع يتظاهر في الشوارع كل الاوقات ثم يشتكي من ضيق العيش وقلة ذات اليد وسوء الوضع الاقتصادي دون ان يسأل نفسه: كيف للوضع الاقتصادي ان يتحسن والمصانع والمزارع والمدارس والجامعات قد هجرت والمستثمرون والسائحون قد طفشوا او خطفوا؟!

***

ولو نظرت للخارطة السياسية والجغرافية لـ «الدولة الهلامية» لما علمت انك امام مشروع دولة ام مشاريع عدة دول قادمة لا قيمة مستقرة لعملتها ولا مستقبل واضحا لمسارها؟! فهي كصاحب البقالة الذي يستيقظ كل صباح لا يعلم ما سيأتيه به يومه من رزق أو من شر، فلا رؤى عنده ولا تخطيط، ومنظّر وحكيم الدول الهلامية التي ستتكاثر مع كل يوم يمر في منطقتنا العربية هو الفيلسوف الكبير والشاعر النحرير أحمد عدوية، ونشيدها الوطني هو اغنيته النضالية ذائعة الصيت: كله على كله!

***

آخر محطة:

1 ـ ادعى احدهم كذبا ان الكويت ستختفي وان الخليج لن يبقى فيه الا ثلاث دول كبرى، وقد نسب تلك الرؤية للدكتور الاميركي المعروف انتوني كودزمان الذي انكرها في لقاء لي معه، ثم عاد ونسبها للدكتور ارون كاتز الذي اتضح انه طبيب ولا علاقة له بالسياسة.

2 ـ الحقيقة التي لا يعلمها من ادعى كذبا اختفاء الكويت والدول الصغيرة في الخليج والمنطقة عبر ضمها للدول كبيرة الحجم، ان معادلة الامن قد تغيرت تماما في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي اواخر الثمانينيات، ولم تعد هناك حاجة استراتيجية للبقاء على الدول الكبرى في المنطقة لتمنع تمدده، واصبح البعض من تلك الدول الهلامية هو المهدد بالفناء والانشطار وبات الامن يتمركز في الدول الصلبة الصغيرة، حتى بات حلم الاثرياء والمفكرين والمواطنين العرب العيش في دول الخليج الصغيرة.. الآمنة!

احمد الصراف

رأي في موقف الضفدع

علميا، يمكن سلق ضفدعة حتى الموت من دون أن تحاول الهرب. فلو وضعنا ضفدعة في قدر فيه ماء حار، فإنها ستقفز منه هاربة فورا! ولكن لو قمنا بوضعها في قدر ماء بارد، وقمنا بتسخين الماء تدريجيا، وعلى فترة طويلة، فإنها ستتأقلم مع الوضع إلى أن تموت، دون أن تشعر بارتفاع الحرارة. ولو طبقنا التجربة ذاتها على البشر، واعتبرناهم ضفادع، فإن بالإمكان تغيير «أفكارهم» بصورة تدريجية حتى تصبح خطرة بما يكفي للقضاء عليهم، دون أن يشعروا خلال ذلك بالخطر المميت، فالبشر، كبقية الكائنات لا يتخذون قرارا أو يقومون بردة فعل تجاه أمر لا يشعرون به! ولو قامت حكومة دولة ما بتدريب شعبها، بصورة تدريجية وبطيئة، من خلال المناهج مثلا، على أفكار خطرة أو خاطئة، كأن تخلق أو تؤصّ.ل لدى أفراده الشعور بكراهية العالم الآخر واحتقاره، فسيكون لديها جيل يؤمن بأنه أفضل من غيره، كما فعل هتلر مع الألمان! وسيتملّكه ذلك الشعور من دون وعي، لأن التغيير في آرائه الخطرة ومواقفه غير المنطقية حصل على فترة طويلة، دون أن يشعر بخطورتها، وما ان يحاول تطبيقها، فإن العالم أجمع سيتكاتف ضده ليقضي عليه، كما فعل الحلفاء بالألمان واليابانيين، الذين اعتقدوا لفترة أنهم من عرق أفضل. وبالتالي فإن تردي الوعي الشعبي في دول كثيرة لم يأت. من فراغ، بل تسببت به طرق تدريس وسياسة إعلامية تصبّ في اتجاه معين. فالكثيرون مثلا يحرصون على متابعة المسلسلات التركية الهابطة والسخيفة، ولا يعترضون مثلا على متابعة الصغار لها، وهذا سيخلق منهم، بصورة تدريجية، قبولا لكل سخيف وتافه، ويصبح تعديل الوضع مع الوقت صعبا جدا، فعملية تسطيح الفكر التدريجية التي يتعرّض لها تجعله كالمدمن أو الإرهابي أو المتشدد الديني، الذي لا يرى شيئا غير الذي يطلب منه رؤيته! وقد تنسحب الحالة الفردية على آخرين أو مجموعة من البشر أو حتى على شعب كامل، بحيث يرضون بالعيش بمذلة، ويقبلون الفقر والقمع والفساد من دون احتجاج.
نقول ذلك بمناسبة ما ورد في الصحف من خبر تعلق بتقرير عن لجنة في وزارة التربية أوصت بتخفيف جرعة الدروس الدينية في المناهج الدراسية، وأن وزير التربية وزير التعليم العالي رفض توصياتها وطلب من أعضائها عدم الاقتراب من هذا الموضوع! وقد جمعتني الصدفة بالوزير في اليوم نفسه، فأكد لي عدم صحة الخبر، وأميل لتصديقه، لما عرف عنه من استقامة وانفتاح، ونطالبه بالسعي لتقليل الجرعة الدينية في المناهج، التي زيدت على مدى 30 سنة بصورة تدريجية، على حساب المواد العلمية، خاصة بعد أن ثبت أن هذه الجرعة الزائدة تسببت في أن تصبح الكويت، بالرغم من صغر حجم شعبها، ودرجة الحرية النسبية التي يتمتع بها، ورخائه المادي، أصبح في السنوات العشرين الأخيرة المصدر الأكبر، نسبة لعدد سكانه، «للمجاهدين» والمتعصبين الدينيين والمقاتلين في أفغانستان والبوسنة والعراق، وأخيرا في سوريا، التي قارب عدد من قتل فيها من شباب كويتيين حتى الآن الخمسين، على ذمة جريدة «السياسة» التي أوردت أسماء 30 منهم!
لقد تعلم جيلنا، من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، في مدارس حكومية، وكنا جميعا ندرس الدين مرة أو مرتين في الأسبوع، وخلقت تلك المرحلة رجالا ونساء جلهم مثال الصدق والأمانة والاستقامة. ليأتي، في غفلة من الزمن، من قام بزيادة الجرعة تدريجيا في المناهج، لتتحول الكويت بسببها إلى بؤرة تطرف ديني لم تعرفه في تاريخها، ولتصبح فوق ذلك من أكثر دول الخليج فسادا!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

المعارضة: من يعلّق الجرس؟

عندما تم الاعلان عن تكوين ائتلاف المعارضة فرحت لظني بان المعارضة بكل اطيافها انضوت تحت مظلة واحدة، ولكن عندما علمت ان نصف هذه المعارضة شكل طيفا جديدا وفُرز الحراك الى مجموعتين، قلت لعله «خير». فالتعدد، احيانا، يثمر تنوعا في الافكار والرؤى. وتبددت آمالي عندما شاهدت «كل حزب بما لديهم فرحون»، وأصبحنا نقرأ تغريدات تضرب تحت الحزام، ولا تدل إلا على تصفية حسابات بين الرموز الذين كانوا يتنافسون انتخابيا قبل تشكيل تكتل الاغلبية! ثم انتقل الصراع الى الندوات والمحاضرات، وكانت النتيجة استياء القاعدة الشعبية الداعمة للحراك من هذا الوضع، وشعور غالبية المنتمين إلى المعارضة والمؤيدين لها بالإحباط مما وصلت اليه الامور، في الوقت الذي بدأت فيه قوى الفساد وحلب البلاد باعادة ترتيب صفوفها واستخدمت الوسائل المشروعة وغير المشروعة لاستغلال هذا الوضع غير المشجع للحراك الشعبي. فبدأت تحسن صورة مجلس بوصوت واحد، واستعملت المال السياسي من جديد لشراء المزيد من الولاءات للسلطة والعداءات للمعارضة، وصرنا نشاهد كل يوم يدخل لاعب جديد لفريق السلطة ليضرب احد اطياف المعارضة بقصد اضعافها والتشكيك في قدراتها. ولان الحراك لم يصل الى امكانات الحزب الواحد وقدراته التنظيمية نجد ان مواجهة هذا التحرك الحكومي لم تكن ناجحة، بل مشتتة ومبعثرة، وبدأ الحراك ينشغل بنفسه، وبدأت السلطة تتطمش عليه، وبدأ مخطط نهب البلد ينفذ على اعلى مستوى، وفقد الاصلاحيون الامل في الاصلاح، ويئس الحكماء من سيطرة الرأي الحكيم او حتى الاستماع اليه، وصرنا نسمع عن ندوة يقيمها هذا الطرف تتبعها ندوة اخرى يقيمها الطرف الآخر!
المشكلة التي تواجهنا اننا ان تحدثنا من باب النصح وانتقدنا احد الرموز نُعتنا باننا نثبط الحراك ونعوقه! وما اكثر ما سمعنا مقولة: «مو وقته الحين تنتقد الحراك، اجّ.ل رايك بعدين»! حتى عندما كتب الزميل مبارك صنيدح مقالته الرائعة في «الوطن»، قالوا عنه انه يبحث عن خط رجعة مع السلطة! لذلك، نشاهد كثيرا من العقلاء يحتفظ برأيه لنفسه حتى لا يصنف مع الحكوميين او المتخاذلين او المثبطين!
أنا أقولها الآن بالصوت العالي وليقولوا عني مايشاؤون، لا بد للمعارضة من ان تتحد تحت راية واحدة وهدف واحد متفق عليه واسلوب واحد للوصول إلى الهدف، لا بد للطرفين أن يتنازلا عن بعض ما يُظن انه مكاسب لهما ويعيدا ترتيب صفوفهما من جديد ويطهراها من الاعداد «اللي ما لها لازم» ويلغيا سياسة تخوين الآخر وإقصائه. لا بد من رأس واحد للمعارضة وراية واحدة، وما يجري اليوم على الساحة السياسية هو لعب ومضيعة للوقت.
كنت ارغب في الحديث عن دور الحركة الدستورية الاسلامية في رأب الصدع ومساهمتها في تقليل الفجوة بين طرفي الصراع بعدم الدخول في السجالات التي تدور على الساحة، لكن كلمة الاستاذ محمد الجاسم عنها صدمتني عندما قال إنها فاقدة للهوية في هذا الحراك! وشعوري بانه تجنٍ على الحركة ودورها العاقل في هذا الحراك، خصوصاً انه شاهد عن قرب مشاركة «حدس» وقواعدها في كل الانشطة، وتصدروا لكل ما من شأنه دعم الحراك الشعبي، وتجاوزوا في الوقت نفسه كل المطبات التي مرت في طريق هذه المسيرة، وكان لرموزهم، الحربش والدلال والمطر والشاهين، السبق في تسجيل الحضور والمشاركة الفاعلة ناهيك عن الصواغ اسد «الخامسة» وزيزومها!
السؤال الآن: من يعلق الجرس اولا ويبادر بالتنازل عن مكاسبه الضيقة ويسعى لجمع الكلمة ويتسبب في التفاف اهل الكويت من جديد على المعارضة السياسية، بعد ان تبين لهم ان القادم اسوأ بكثير مما نحن فيه اليوم؟!

حسن العيسى

ديرة ماشية سماري

 في كل مرة يتحدث الناس عن الفساد في الدولة تأتي إجابة المسؤول جاهزة معلبة بجملة "هاتوا الدليل" وسنحاكم المتهمين عن الفساد! إجابة خاوية، فيها تهرّبٌ من المسؤولية وتحميلها للصدفة والقدر… والنتيجة الحتمية هي تكريس الفساد رسمياً وتوطيد أركان اللامبالاة، وتبلد مشاعر الغضب والرفض عند البشر، حين تصبح قناعتهم مختصرة في كلمات من شاكلة "ماكو فايدة أو خلها على الله والشق عود".
أكثر من صحيفة، خلال هذه الأيام، تناولت أزمة الاختناقات المرورية، ونقلت قليلاً من حجم هذه المأساة… ولا أدري إن كان سيادة المسؤول صاحب مقولة "هاتوا الدليل" فكّر ولو مرة واحدة عن أسباب الكارثة المرورية بالدولة، وتساءل إن كانت هي وليدة واقع الفساد المترسخ بالدولة أم لا؟! يعرف، ونعرف معه، أن هذه الكارثة في الكويت هي التجسيد الحي لفساد الإدارة السياسية في الدولة من ناحية، وإظهار عجز السلطة عن معالجتها أو حتى التخفيف من وقعها من ناحية أخرى، ومن المؤكد أن أصحاب القرار والسيادة المطلقة لا تشكل عندهم القضية المرورية أولوية، فأولوياتهم مستغرقة في تصفية حساباتهم الداخلية، وحدود المعارضة وكيف يمكن القضاء عليها، وتوزيع الكعكة المالية على دوائر المقربين من جماعات المؤلفة قلوبهم.
  كارثة المرور هي نتيجة فساد سنوات طويلة، فساد مستوطن في وزارة الأشغال، وفساد مثله في بلدية الكويت، وآخر في إدارة المرور، وأخيراً هي نتيجة فساد أخلاق الكثير من السائقين الذين أَمِنوا العقوبة فأساؤوا الأدب.
  وزارة الأشغال لم تخطط لحجم الشوارع وقدرة استيعابها في المستقبل، فهي كبلدية الكويت تعد مرتعاً خصباً لـ"الهبر" والسرقات والفساد، وتفصيل هدم الأرصفة وإعادتها من جديد من أجل عيون فلان وعلان… فأين هي من التدبير والتخطيط للشارع مادامت السلطة التي فوقها غير مكترثة بالشارع السياسي؟ أما البلدية… فحدثوا عنها ولا حرج… من العمارات التي ترخص من دون مواقف سيارات للمستأجرين… ومن غض النظر عن عمارات ومساكن خاصة مخالفة في عدد الأدوار، وتناسي توفير مواقف لسيارات الساكنين، فيوقفون سياراتهم في الشارع العام فتغلق الطرق… أما إدارة المرور فقد أصبحت "حمّال الأسية" التي عليها أن تفك معضلة تتجاوزها بكثير… فأضحى اللواء مصطفى الزعابي مثل "شريم" كيف له أن ينفخ من غير "براطم" (شفاه)… لكن في الوقت ذاته، هناك مسؤولية تاريخية على الإدارة المرورية وعلى وزارة الداخلية، إذ هناك الآلاف من السائقين حصلوا على إجازتهم بالرشوة أو بالواسطة، وهناك آلاف السيارات التي مرت من الفحص الفني رغم عدم صلاحيتها، وهناك حكايات مزعجة عن أصحاب "التكاسي" الجوالة وارتباطهم بضباط من وزارة الداخلية… والقائمة عريضة وطويلة مع تاريخ تلك الإدارة لا يستطيع مصطفى مهما أخلص في عمله أن يحل عقدها الملتوية، فهي عقدة السلطة السياسية بداية ونهاية… وهي عقدة الكويتي الذي يستورد السائق والطباخ والعامل والموظف مثلما يستورد السيارات "من غير رسوم" وبقية البضائع ويترك الأمور على عواهنها… فالأزمة ليست أزمة مرور… بل هي أزمة دولة "مسمرة" تمشي على البركة.