سامي النصف

رصاصة انطلقت و«عزيزو» زرع!

 رغم أن والدي شاعر ووالدته شاعرة وجده لوالدته هو شاعر الكويت الكبير المرحوم حمود ناصر البدر، إلا انني لا أقرض الشعر ولا أحفظه، وإن كنت أشعر بأن الشعر العربي في يد أمينة بوجود الرصاصة التي انطلقت من عصور العرب الذهبية أيام الشعراء الفرسان أمثال معن بن زائدة وأبوفراس الحمداني واستقرت في عصرنا والمسماة بالسفراء والأدباء.. عبدالعزيز سعود البابطين!

* * *

الصديق الآخر فهد عبدالرحمن المعجل كتب مقالا رائعا نشرته صحيفة «السياسة» صباح امس طلب فيه ان يتصالح الكويتيون مع بعضهم البعض من أجل وطنهم، مستشهدا في مقاله الشائق بما قاله الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل ـ الذي فاتنا حفل غداء معه دعا له الصديق الشيخ خليفة علي الخليفة رئيس تحرير الوطن ـ وكان مما قاله الجميل ان الكويتيين غير متصالحين مع أنفسهم ويتفننون في كسب الأعداء وهو صادق في تحليله، حيث بات الجميع على قناعة بأن هناك «عزيزو» مخبأ في البلد يعمل على بقاء الصراع غير المبرر قائما بين الكويتيين وهو أمر لم يوقفه للعلم حتى.. الغزو!

* * *

أذكر في هذا السياق ان اجتماعي الأول مع الوكلاء والوكلاء المساعدين في الوزارتين اللتين توليت مسؤوليتهما تضمن الطلب منهم إنشاء لجان مختصة بـ «تحسين ظروف العمل» يتضمن عملها القيام بحل الصراعات القائمة في الوزارة والاعتناء بالبيئة والأثاث والألوان.. إلخ، كي يعطي ويبدع ويسعد الموظف في عمله، الطريف انني اكتشفت لاحقا ان بعض المسؤولين هم جزء من المشكلة لا من الحل بتفرقهم وصراع بعضهم البعض.. وطقني وأطقك.. الى الأبد!

* * *

مقترح ان يعطى الوزير حق إقالة الوكلاء يجب ان يسبقه التأكد من ان الوكلاء هم الأفضل في القطاع وفي الوزارة كي لا يشعر الوزير بأن بعضهم عبء وعالة عليه، كذلك يجب ان يتقدم الوزير بأسباب موضوعية لقرار الإقالة وعن بدائله من أسماء ومؤهلات حتى يتم ضمان عدم الشخصنة او الرغبة في إبعاد زيد كي يتم تعيين «القريب» عبيد، يتبقى ان الخبرة قد تعني الجودة في الأداء وهذا الأغلب، او تعتبر أحيانا تجربة سيئة لسنة مكررة بعدد سنوات الخبرة، للعلم في بعض الدول كفرنسا يستجوب الوكيل لا الوزير على أعمال الوزارة اليومية والوزير على سياساتها العامة

 

 

احمد الصراف

دعوات السعدون والبراك

يدعو السيد أحمد السعدون ومسلم البراك، ومن معهما من نواب سابقين ونشطاء سياسيين، مدعومين من وسائل إعلام وقوى ضغط إقليمية ودولية، إلى إحداث تغيير في نمط الحكم وطريقة الإدارة، بحيث يمكن أن يصل من هم من خارج الأسرة لرئاسة الوزارة وتصبح محاسبته بالتالي سهلة وخالية من الحساسية. كما يمكن استبداله بغيره، إن اقتضى الأمر ذلك، من دون معاناة! كما يدعو هؤلاء إلى ما يشبه الانقلاب الإيجابي في فلسفة الإدارة من خلال تطبيق حرفي للدستور، وتقليص قدرة السلطة على الحركة، والتي جاوزت في السنوات الأخيرة كثيرا من «الأعراف» التي سبق أن استقرت على مدى العقود الأخيرة! ويعتقد هؤلاء، كما يدعون، أن هذه التغيرات ستصب في مصلحة تحسين اداء الحكومة وتقليل الفساد، والقضاء على بقية العلل التي تشكو منها الإدارة الحكومية بشكل عام. ولكن ما غاب عن بال هؤلاء أن العلة والمشكلة ليستا في أسلوب الإدارة وطبيعة شخوصها وردود افعالهم وفهمهم، أو حتى في آلية استجواب رئيس الحكومة وحكومته، فهذه الأمور بالرغم من أهميتها، إلا أن العلة والمشكلة لا تكمنان فيها بقدر ما هما في طريقة تفكير المواطن، والتي اكتسبها على مدى نصف قرن من نظام تعليمي خرب ومتخلف! وبالتالي ليس هناك امل في نجاح اي حركة تغيير اساسية من دون تغيير لنظام التعليم في الدولة، والإصلاح لا يتم حتما باستبدال فلان بفلان طالما أن الشعب بمجموعه مصر على انتخاب مشرعيه ومراقبي أداء حكومته من خلال زاوية لا علاقة لها لا بالمنطق ولا بالمصلحة الوطنية ولا حتى بالمصلحة الشخصية الضيقة، فالنائب القبلي أو الطائفي، الذي إن أعطى بيد سيأخذ اضعافه من المال العام باليد الأخرى! وبالتالي فإن تسليم، ولو جزءا من مقدرات الدولة للمعارضة، بكل ما تشكو منه مجاميعهم من قدرات إدارية متواضعة وقصور واضح في فهم الأولويات، وخاصة في التعليم وطرق إصلاحه وأهمية التربية والأخلاق، لن يحدث تغييرا جذريا في آلية الحكم، طالما بقيت تركة التعليم المتخلفة من دون تغيير، وبالتالي سيبقى الوضع كما هو عليه، وكما خبرناه Déjà vu. وبالتالي ليس امام السلطة من خيار سوى قطف ثمار المرحلة واستغلال الفرصة النادرة، وخطف شعلة التحدي من المعارضين، من خلال إحداث ثورة تربوية وتعليمية وأخلاقية طال انتظارها واستحقاقها، وهذا ليس بالأمر المستحيل ولا حتى بالصعب، إلا إذا كانت آلية القرار هي المستحيلة والصعبة.
***
ملاحظة: بينت مصادر وزارة التربية وجود أكثر من 30 ألف مواطن لا يعرفون القراءة ولا الكتابة طبعا! ويحدث ذلك بعد مرور أكثر من قرن على التعليم المنتظم! فهل نرجو صلاحا في أي مرفق، ونحن بكل هذه الأمية والتخلف الدراسي، مستوى ونوعية؟

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

تجربة الإسلاميين في تونس

تحدثنا في المقالة السابقة عن تجربة الحركة الاسلامية في ادارة الحكومة في المغرب، وبيّنا كيف ان هذا التيار يستطيع ان يدير الحكومة باقتدار اذا كانت الامور طبيعية وبلا مؤامرات خارجية وداخلية من اعداء الوطن!
واليوم نتحدث عن تجربة حزب آخر محسوب أيضاً على تيار الاخوان المسلمين الا وهو حركة النهضة وادارتها لحكومة تونس. فقد فازت حركة «النهضة» في الانتخابات الاولى التي جرت بعد خلع الطاغية العلماني زين العابدين بن علي وحصلت فيها على المركز الاول من دون منازع، وشكلت حكومة ائتلافية من الاحزاب الرئيسية، سيطرت فيها على معظم المقاعد بالاتفاق مع حلفائها الذين وزعت عليهم منصبي رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان. وكانت مهمة هذه الحكومة الاعداد للدستور الجديد، ولأن اعداء الديموقراطية متواجدون في كل مكان، ولأن اتباع النظام المخلوع ما زالوا يتنفسون الهواء الطلق، لذلك لن يهدأ لهم بال حتى يزعزعوا الاوضاع ويثيروا الفتن ما ظهر منها وما بطن، فبادروا الى اغتيال احد رموز المعارضة، ظناً منهم بأنهم سيورطون بذلك حركة النهضة الحاكمة، وفعلا حدثت الاضطرابات، واتُهمت «النهضة» بتصفية بلعيد، وولول غلمان العلمانية عندنا بفشل الحكومة التي تديرها «النهضة». ولكن على الباغي تدور الدوائر، حيث تم القبض على الجناة الذين اعترفوا بجريمتهم، وتبين انهم خصوم «النهضة»، وقد فعلوا ذلك لافشال الحكومة من استكمال مشروع الاصلاح الذي بدأته! وكان من نتائج هذه الازمة التي كادت ان تعصف بالبلاد، لولا رحمة الله، ان استقال رئيس الحكومة، وعينت حركة النهضة شخصاً آخر غيره وشكل حكومة جديدة تنازلت فيها «النهضة» عن وزارات السيادة للمستقلين، كما اختار عددا من وزرائه من التكنوقراط! ومع هذا لم يرض ذلك تيار الاقلية مع اقليتهم! ومن الطرائف التي تدل على طبيعة اعتراضاتهم ان مبررهم لرفض وزير التربية هو انهم شاهدوه يخرج من المسجد بعد احدى الصلوات! أي انه يصلي! مما يؤكد ان العداء للدين وليس للتيار الديني. ويذكر ان التيار العلماني في تونس اعترض على تدريس مادة القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية بحجة ان ذلك يساهم في تخريج ارهابيين وليس طلبة! ولكن هيهات ان يحصلوا على مبتغاهم، وها هي «النهضة» اليوم، بفضل الله، تخطو خطوات راسخة وثابتة نحو الانجاز والتنمية للبلاد حتى شعر الناس بفضل حركة النهضة وحسناتها. وقد اثبتت نتائج الانتخابات التكميلية التي جرت في ثلاث مدن ازدياد شعبية حركة النهضة وتفوقها على خصومها.
ان التيار الاسلامي بعد كل انتخابات حرة ونزيهة يفوز باقتدار غير مسبوق، وعندما يشكل الحكومة فانه يشكلها وفقا لما تقتضيه مصلحة البلد وان اضطر للتنازل عن بعض مكتسباته من اجل التوافق وعدم الاختلاف. ان هذا التيار ليس بيده عصا سحرية ولا يختلف عن غيره من التيارات الاخرى الا بنظافة اليد وسلامة السريرة وحسن السمعة ومعايشة الناس وهمومهم.
وفي المقال المقبل سنتحدث، باذن الله، عن تجربة التيار الاسلامي في مصر وكشف حقيقة ما يجري هناك.
***
بعد الكلام الذي قاله فؤاد الهاشم في قناة الصباح قبل يومين لا بد من ان نتوقع تصرفا سريعا من الجهات المختصة ومعاملته مثل معاملة من تمت احالتهم إلى النيابة! بس المشكلة انه هذه المرة شق الجربة.

حسن العيسى

حصان طروادة من جديد

هل يتعين على التقدميين الذين عارضوا مجلس الصوت الواحد الاصطفاف مع اقتراح بعض النواب بإلغاء قانون رقم ٢٤ لسنة ٩٦ المحرِّم للاختلاط بين الطلاب والطالبات في التعليم العالي، لأن مثل هذا القانون كان تعدياً صارخاً على حرية الأفراد في اختيار نوع التعليم والحياة الاجتماعية بالجامعات، وأن ذلك القانون، صورة أخرى، وشاهد جديد على مشروع الدولة الدينية الثيوقراطية المضادة للحريات العامة والخاصة، والتي ستقذف بالفكر الإنساني والحداثة ألف عام للخلف، وغير ذلك من أسباب، مثل التكلفة الاقتصادية لذلك القانون وعجز الجامعة (والجامعات) عن تنفيذ القانون لبعض التخصصات والشعب الدراسية…؟
الزميل عبداللطيف الدعيج في "القبس" أمس يقدم الإجابة السريعة والحاسمة، بأن اقتراح النواب مقدمي المشروع، مسألة لا تحتمل التردد ويجب تأييدها، فهي قضية "وطنية بالدرجة الأولى"، أي قضية عليا لا يجوز الاختلاف عليها، وأنها يجب ألا "تخضع للحسابات الفئوية أو أن تكون عرضة للمزايدات…"، ويشعر الزميل بخيبة أمل لأن التقدميين (حسب مفهوم الزميل) آثروا مصالحهم وحسبوا "أرباح الغير قبل أن يراعوا المصلحة العامة…"، فكان صمتهم أو "تخاذلهم"، إن صح التعبير، في تأييد طرح الاقتراح.
بودي أن أصفق بحرارة لرأي عبداللطيف، وأن أوبخ التقدميين الصامتين المتخاذلين عن دعم مشروع إلغاء القانون، وأقول ليس قضيتنا "من" هم الأشخاص الذين تقدموا بالقانون في مجلس الصوت الواحد، وإنما "موضوعه" وأهدافه السامية التي لا يجوز الاختلاف عليها… ليتني أقدر أن أفعل الأمرين، لكن هذا غير ممكن.
فالنواب الذين وقفوا مع "حريات" الأفراد في التعليم المختلط، وهذه تعد من الحريات الفردية وحرية اختيار البشر لمصيرهم، وقف بعضهم بالأمس لتمديد عقوبة الحبس الاحترازي الذي قصر زمنه من قبل نواب المجلس المبطل… وأن بعض هؤلاء النواب من مقدمي المشروع رفعوا رايات الولاء للسلطة والعبودية لها بالتشديد بعقوبات الرأي بجرائم المساس بأمن الدولة أو الذات الأميرية، وما يحمل ذلك الاتجاه بالتوسع في تفسيرات الإدانة لأي عبارة أو جملة "تويتر" قفزت من يد مغرد…
مشروع قانون إلغاء منع الاختلاط يطرح اليوم، وعشرات النواب في المجلس المبطل يقفون أمام محاكم الجنايات في سيل من دعاوى محاولات تدجين الرأي المخالف وترويعه عبر تحريك القضايا الجزائية ضد من قالوا "لا" لمرسوم الصوت الواحد وللسلطة التي فرضته منفردة، وهناك نواب آخرون، مثل فيصل المسلم الذي تقف على رأسه عدة قضايا، ويتهدده السجن بأي لحظة، قالوا "لا" في قضايا الإيداعات المليونية لنواب الحكم التابعين… مشروع إلغاء قانون منع الاختلاط يطرح اليوم وعشرات من المغردين والناشطين السياسيين إما في السجون أو ينتظرون دورهم لاستكمال التحقيقات كمرحلة أولى، واستهلال جديد لدورات تنشيطية في السجن المركزي… أليست هذه وتلك من مسائل الحريات…؟! أليست هذه وتلك من قضايا الرأي وممارسة حق التعبير ونقد السلطات الحاكمة… مثلها مثل حرية الاختلاط، بل هي أسمى وأجل لأنها تمس وجود الفرد وكيانه!
هل نعد مخطئين، إن فسرنا الاقتراح لإلغاء قانون منع الاختلاط بأنه "حصان طروادة" لكسر مواقف المعارضين التقدميين، كما كان تصديق السلطة وعدم ردها لقانون منع التعليم المختلط بالجامعة عام ٩٦ بعهد وزير التربية التقدمي الراحل د. أحمد الربعي مسألة (وجود الراحل الربعي في الوزارة) يمكن اعتبارها هي الأخرى حصان طروادة…!! هي السلطة الحاكمة الواحدة مرة تحشر نفسها بجوف حصان خشبي مثلما كان يتم في التسعينيات، ومرات أخرى تدخل بالسيارات المصفحة للقوات الخاصة، أو عبر مشاريع قوانين كالذي يقدم اليوم… لكنها في كلتا الحالتين لم تملك في صفوفها فرساناً مثل "أخيل".

احمد الصراف

حياة الكاتب الشخصية

“>وردتني رسالة «واتس أب» نصها: عندما رأيتها قلت مبهورا ما شاء الله! وعندما استهويتها قلت: إن شاء الله! ولكن عندما عرفتها عن كثب قلت: أستغفر الله. ومع نهاية العلاقة تنهدت قائلا: الحمد لله!
التقيت بصديق في حفل كان يحضره بعض الكتّاب، فطلب مني أن أقدمه لكاتب معروف بمواقفه الشهيرة، فقلت له: لا تجعل كلماته تخدعك، فإن تعرفت عليه فستتغير حتما نظرتك له ولما يكتب، فشخصيته الحقيقية تختلف عن كتاباته، وهناك من تعجب بما يكتب، ولكنك لا تستطيع أن تحترم شخصه لما تعرفه عنه، وهذا يسري على كل الموجودين ضمن دائرة الضوء! فهؤلاء عادة يظهرون بالصورة التي يودون أن يراهم الآخرون عليها، وليس على حقيقتهم، وبالتالي نجدهم يتبنون آراء ويدعون لمواقف قد لا يكونون بالضرورة من المؤمنين بها! فمن المفترض مثلا أن يكون أشد الناس مطالبة بالالتزام بالقوانين هم رجال الأمن والمشرعون مثلا، ولكن الواقع يقول عكس ذلك تماما. وقد كانت الحياة الخاصة للمميزين من ممثلين ومطربين ورسامين وكتاب وموسيقيين وأعضاء الأسر المالكة ومشاهير الأغنياء، مثار اهتمام دائم من وسائل الإعلام، والبعض يطالب بمعرفة كل شيء عن حياتهم الخاصة، وأنها ليست ملكا لهم، بل لمحبيهم والمعجبين بهم! والبعض الآخر يقول إن لنا أعمال هؤلاء فقط وإبداعاتهم، ولهم أن يعيشوا حياتهم بالطريقة التي تلائمهم، مهما كانت غريبة أو شاذة! وبالرغم من إيماني بأن لكل فرد الحق في العيش بما يلائم طبيعته والتصرف بما يمليه عليه ضميره وعقله، فإن هذا لا يمكن قبوله بالمطلق، فمثلا للممثلين، او الفنانين عموما، الحق في الاحتفاظ بحياتهم الخاصة، التي قد لا تكون مثالية، ولنا إبداعاتهم وجميل فنهم، ولكن هذا لا يمكن قبوله ممن لهم دور في التأثير في الرأي العام وتشكيل آرائه، كالسياسيين والكتّاب والمعلقين السياسيين مثلا، فكيف يمكن أن أعجب بما يكتبه كاتب أو يقوله معلق تلفزيوني على خبر ما، وأنا أعرف يقينا فساده وسوء خلقه، وأنه يقول كلاما دفعت جهة له ليقوله أو يكتب عنه؟ وهنا أتذكر ذلك الحكم القاسي الذي أصدره قاض بريطاني قبل عقود بحق ابن الأميرة مارغريت بسبب مخالفة مرور بسيطة، وبرر القاضي شدة الحكم بأن الأمير يمثل قدوة لغيره، ويجب بالتالي أن يكون عقابه أكبر من غيره. كما حكم مؤخرا على وزير بريطاني سابق ومطلقته بالسجن ثمانية أشهر لكل منهما بسبب «كذبهما» في مخالفة سرعة عندما قبلت الزوجة (حينها) أن تتحمّل مخالفة السرعة نيابة عن زوجها لكي لا يخسر حقه في القيادة. وبالتالي فإن من الصعب عليّ شخصيا الإعجاب بأي كاتب «كبير» إن لم يكن يتحلى بحد أدنى من الخلق الطيب، ونقول ذلك مع إيماننا بالمثل الإنكليزي It is easier said than done ومعناه أن من السهل الحديث في المثاليات، ولكن من الصعب التقيد بها، ولست بالشخص المثالي ولا قريبا منه! وهذا ما أفكر به كلما كتبت شيئا يتعلق بالأخلاق والمثل وأصول التعامل مع الآخر، والتصرف بمنطق وعقلانية والدعوة لاتباع القوانين، فإنني أغلق عيني وأنظر لذاتي وأتساءل: هل أنا حقا كذلك، واتبع ما أقول؟ وإن أجبت بنعم مثلا أستمر في التساؤل: هل بإمكاني الاستمرار في ذلك؟ وهل هذه طبيعتي، أم أنني أتجمل؟

أحمد الصراف

سامي النصف

فلسفة الخصخصة وسهمها الذهبي!

طغى على حقبتي الخمسينيات والستينيات في الدول المتقدمة والمتخلفة الاعتماد الشديد على القطاع العام وتملك الدول لوسائل الإنتاج للنهوض بالبلدان عبر تأسيس الصناعات الثقيلة والمزارع الجماعية والأسواق الاستهلاكية التي تبيع السلع المدعومة (كانت الجمعيات التعاونية تملأ بريطانيا)، في منتصف السبعينيات وما تلاها من عمليات تضخم أصابت العالم نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات، بدأت الدول تشعر بكلفة القطاع العام وترهله وتسببه بالعجوزات في ميزان المدفوعات وتتجه لخصخصة القطاع العام، الغريب ان الكويت في تلك المرحلة (الخمسينيات والستينيات) كانت تشهد بعكس دول العالم دورا متعاظما للقطاع الخاص في تجربة شبيهة بما قام به طلعت حرب في مصر منتصف الثلاثينيات وما بعدها.

* * *

وجرت العادة أن يتم تكوين لجنة للتخصيص على مستوى الدول لاختيار القطاعات المراد خصخصتها، فتبدأ عادة بالأصغر والأكثر فرصة للنجاح تدرجا للأكبر والأكثر صعوبة، كما يتم اختيار طرق عدة للخصخصة بدءا من خصخصة الإدارة فقط الى البيع المباشر وعبر المزادات العلنية في أسواق المال وانتهاء بمنح كوبونات للجمهور كما حدث في أوروبا الشرقية منتصف التسعينيات.

وإحدى أساسيات عملية الخصخصة معرفة الهدف الرئيسي منها أي هل هو رفع الكفاءة الإنتاجية، أم حصد العوائد المالية، أم زيادة فرص العمل..الخ؟ حيث لا يجوز القيام بالخصخصة لأجل الخصخصة ذاتها على وزن الفن لأجل الفن، فقد ثبت عبر كثير من التجارب أن قطاعا عاما يدار بمهنية وكفاءة وأمانة أفضل من قطاع خاص يفتقد المهنية والكفاءة والأمانة.

* * *

ويجب أن يصاحب عمليات الخصخصة إنشاء هيئات قضائية للرقابة على عمليات التخصيص، والحرص على إصدار تشريعات للنزاهة والشفافية المطلقة في عمليات بيع الشركات، كما يجب تعزيز أدوار الجهات المعنية بحماية المستهلك وضمان المنافسة وجودة المنتج ومحاربة عمليات تثبيت الأسعار، ومن الضرورة ان تختلف نسبة التملك الأجنبي من مشروع الى مشروع بدلا من تحديد نسبة ثابتة للكل، فلا يوجد حجم واحد مناسب لجميع القطاعات المراد خصخصتها.

* * *

آخر محطة: عند خصخصة بعض القطاعات الاستراتيجية الهامة تحتفظ الحكومات أحيانا بما يسمى بـ «السهم الذهبي» الذي يعطيها حق الفيتو، ويستخدم ذلك السهم فقط عند الضرورات القصوى التي تتعلق بمصالح الدولة العليا ولا يجوز استخدامه بشكل يومي أمام كل مشكلة صغيرة، وإما تستخدمه أو أوقفك على المنصة وأستجوبك يا وزير..!

احمد الصراف

بداية سقوط المتاجرة بالدين

قام نائب سابق، ينتمي لسلف ما، قبل سنوات باستخدام نفوذه النيابي، كغيره من النواب، بالحصول على قطعة أرض كبيرة من الدولة في العارضية، مقابل إيجار رمزي، وسجل حق استغلالها باسم شركته الخاصة التي لم يزد رأسمالها على 250 ألف دينار. وتمكن، وأيضا بنفوذه السياسي والديني، من استخراج ترخيص بناء مجمع ضخم عليها يخصص لغرض وطني نبيل يتمثل في توفير ورش ومعارض لخريجي المعاهد التطبيقية! وبما أن الطبع يغلب التطبع، فقد قام النائب بتحويل شركته الخاصة لمساهمة عامة برأسمال 20 مليون دينار مدفوع منها نقدا 200 ألف دينار فقط، والباقي حصة عينية تمثلت في «حق الانتفاع» بمشروع المجمع الحرفي «الإنساني الوطني»! إلى هنا والأمر شبه عادي، مع التحفظ! ولكنه، وبكل نفوذه السياسي والديني وصلاته بالكبار، قام بتغيير الغرض من المبنى من مشروع وطني لخريجي المعاهد، إلى مجمع تجاري كبير! كما نجح بنفوذه، وخراب ذمم بعض كبار البلدية، وجهات حكومية أخرى، وهو الرجل الشديد التدين، كما يشي مظهره، بزيادة مساحة البناء الإجمالية من 111 ألف متر إلى 307 آلاف متر مربع، وهذا دفع الجهة الاستثمارية التي سوقت المشروع، الى تقدير قيمته بأكثر من 84 مليونا، والى بيع نصفه لمستثمرين آخرين! كما زادت قيمة المشروع مع قيام المستثمر بإضافة مبنى جديد له وزيادة عدد المحلات من 240 الى أكثر من 1500 محل، مخالفا بذلك كل شروط عقد الإيجار والتراخيص الأولية. كما استخدم نفوذه، مستغلا خراب الذمم، في تخفيض مواقف السيارات إلى 1090 موقفاً بدلا من 1740 المطلوبة من الدولة! ولم يتردد في إضافة مواقف لـ 784 سيارة أخرى خارج المشروع، وعلى أرض لا تخص المشروع أصلا!
كل هذه المخالفات المخيفة والمؤسفة وحتى الحقيرة لم توقف المشروع، الذي استمر شاقا طريقه محققا للمستثمر عوائد لم يكن يحلم بها، ولكن «شيئاً ما»، ربما له علاقة بـ«دهان السير» تسبب في سحب المشروع من المستثمر، فدخل هذا في نزاع قضائي مع هيئة الصناعة استمر لسنوات لينتهي أخيراً بصدور حكم التمييز بفسخ عقد المشروع ورفض الدعوى المقامة منه، وهنا حرم الرجل الوقور من تحقيق عشرات ملايين الدنانير من الربح السهل من المال العام، هذا غير انكشاف محاولته في استغلال حاجة الشباب لورش ومحلات، و«التكشيت» فيهم بعدها! وقد دفعت هذه الخسائر الكبيرة النائب السابق ليصبح معارضا شرسا للحكومة طوال سنوات نظر القضية، ممنيا النفس بأن الحكومة ستحاول كسب وده بتنازلها عن القضية، ولكن لم يحدث شيء من ذلك. ونحن بالرغم من كل انتقاداتنا للأداء الحكومي نشد على يدها في هذا الموقف، ونتمنى أن نرى موقفا يماثله يشمل كل المخالفات الكبيرة الأخرى، كمشروع اللجنة الأولمبية!

أحمد الصراف

سامي النصف

التجربة الخليجية أم العربية في الطيران؟!

بعكس العلوم الانسانية الاخرى من طب وهندسة وأدب وشعر وكيمياء وفيزياء مما تصنف بأنها علوم انسانية قديمة عمرها آلاف السنين وان تطورت تباعا مع الزمن، يبقى علم الطيران علماً حديثاً جدا لا يزيد عمره عن عقود قليلة، لذا لا يوجد الا قلة من المختصين فيه بالعالم ممن يستطيعون التعامل مع أموره الفنية والاقتصادية ..الخ.

****

وقد كان النظام التقليدي المتبع في شركات الطيران حتى بداية الثمانينيات هو الشركة المالكة لكل شيء فلديها هناغر للصيانة وشركات اغذية ومراكز تدريب واسواق حرة، واحيانا سلسلة فنادق وشركات تأجير سيارات، وبقي مثال الشركة الكبيرة موازيا لمثال الحكومة الكبيرة حتى وصلت الانسانية لحقبة الريغانية ـ التاتشرية المؤمنة بالحكومة الصغيرة وإلغاء القيود (DE-REGULATION) فتغير الحال وابتدأت تجربة تخصيص شركة الخطوط الجوية البريطانية على يد لورد كنغ التي قامت على فصل العمل الاساسي عن الاعمال المساندة وتحديث الاساطيل والتخلص من العمالة الزائدة وخلق مراكز ربح تدعم عملية «النقل الجوي» التي لا يزيد هامش الربح فيها بالعادة عن 1% وغيرها من امور عمل بها فيما بعد بالكثير من الشركات الاخرى.

****

وشهدت منطقتنا بعض تجارب التوجه للخصخصة الناجحة، وان لم يكتمل مسارها بالضرورة أي تسليمها للقطاع الخاص بل تم الاكتفاء بالتحول للربحية او حتى تحمل خسائر قليلة ومن الامثلة الناجحة تجربة «الملكية الاردنية» التي قام بإعادة هيكلتها فريق قاده سامر المجالي و«الميدل ايست» بقيادة محمد الحوت ومثلهما ما يقوم به الاخ مروان بودي في «الجزيرة»، حيث قام معطى الربحية على العمالة قليلة العدد وتأجير الخدمات بدلا من حيازتها والتشغيل بطائرات صغيرة على المحطات القريبة وهو ما ثبت نجاحه في وقت اختفت فيه شركات طيران عملاقة كانت تجوب العالم مثل «Twa» و«Panam» الاميركيتين وغيرهما.

****

في المقابل هناك تجربة «الاماراتية» و«القطرية» و«الاتحاد» التي تقوم على التركيز على خدمة بلدانهم وتسويقها كمراكز مالية في مشارق الارض ومغاربها أكثر من البحث عن الربحية السريعة، وان اعتمدوا على تشغيل كفؤ يقوم على طائرات حديثة قليلة استهلاك الوقود وعمالة قليلة، وان ما يتم فقده من ربح لدى النقل يعوضه ما يدفعه المستثمر او السائح في البلد وهذه بالطبع نظرية تتعارض وتتناقض مع نظريات الخصخصة السريعة حيث لا يقبل القطاع الخاص تقبل الخسائر الذاتية لاجل تربيح الدول.

****

آخر محطة:

1 – هناك قول لدى العرب يرى البعض انه حديث شريف والبعض الآخر انه قول مأثور نصه «خير الأمور أوسطها» أي ان الافضل ان تأخذ امرا بين الأمرين.

2 – وهناك قول لدى الانجليز نصه «Liberal Economy Is Good, But Ultra Liberal Economy Is bad» والترجمة المجازية لهذا القول هي ان الليبرالية الاقتصادية امر جيد، اما الليبرالية الاقتصادية المتوحشة التي لا قلب لها والتي لا تراعي الظروف السياسية والاجتماعية للبلدان فهي امر سيئ.. والله أعلم!

احمد الصراف

كلمة في هيئة صالح الفلاح

ورد في القبس في 6 مارس أن هيئة اسواق المال، التي يرأسها السيد صالح الفلاح، بمفوضيها ومستشاريها وقانونييها، ومن لف لفهم، احتاجت نحو سنتين لتفهم أنها غير قادرة على خصخصة البورصة، وفق قانونها! وأن سنتين كاملتين مرتا لفهم مواد قليلة جدا، وهذا مؤشر مقلق للغاية! وانتظرت بعدها لعدة أسابيع، بعد كتابة هذا الاتهام الخطير من القبس للهيئة، لأسمع ردا منها، ولكن لا متحدث عنها رد، ولا رئيس مفوضيها شغل نفسه بشرح الوضع، بالرغم من كم «الاتهامات» الصريحة والتقصير الفاضح الذي تضمنه المقال/ التقرير الذي غطى نصف صفحة، من الانتقادات المتعلقة بالاهمال والتجاوز، وما تسببت فيه قراراتها من ضياع ملايين الدنانير من المال العام من دون فائدة، على خبرات وخبراء! وبالتالي يحق لنا الافتراض بان ما ورد في التقرير صحيح، ولو في جزء منه! وهذا يعيدنا للنظر في الطريقة الغريبة التي تقوم فيها الحكومة باختيار كبار إدارييها. فقد عرض منصب رئيس مفوضي أسواق المال على 81 مرشحا من اصحاب الكفاءات، ولكن جميعهم رفضوا المنصب لوجود مثالب كبيرة في العرض! وبدلا من ان تعيد الحكومة النظر في شروط الوظيفة ومتطلباتها، قامت باختيار اسهل الطرق وعرض الوظيفة على من قبلها، وليس بالضرورة على الأكثر كفاءة!
وهنا أقر بأنني احترم الأخ صالح الفلاح، واقدر أفكاره الخاصة وانفتاحه، ويكفي أنه شغل عدة مناصب حساسة ماليا، ومع هذا لم تشب ذمته شائبة في يوم من الأيام. فقد عمل رئيسا، ممثلا للحكومة، في بنك الكويت والشرق الأوسط في الثمانينات، ثم اصبح بعدها، كما اذكر، عضوا منتدبا في الهيئة العامة للاستثمار، ليأتي وزير المالية في حينه (2003)، ويطلب إزاحته، وربما لعدم استلطافه! ليعين بعدها رئيسا للبورصة، وربما كان ذلك عام 2006! ثم تأتي الحكومة، وبعد مخاض طويل وعزوف كثيرين عن قبول المنصب، وتعينه رئيسا لهيئة مجلس مفوضي أسواق المال، لأنه ربما كان الوحيد الذي قبل بشروط العرض، علما بأن هيئة السوق جهة رقابية ذات صلاحيات كبيرة، وتتطلب من رئيسها قدرا كبيرا من الشفافية والأمانة، والبعد عن اي تعامل تجاري أو استثماري، وقدرة عالية على التطوير والتغيير والإبداع. وأستطيع القول، من خلال مواكبة متواضعة لمسيرة الرجل، أنه من كبار المؤمنين بنظرية «لا تعمل، لن تخطئ، لن تحاسب»! فعدم الحركة يؤدي غالبا لعدم لفت أحد له، ويبعد «الحساد»! وبالتالي ستكون الأخطاء الإدارية شبه معدومة! هكذا كانت سيرة السيد الفلاح في البنك، وربما في مختلف المناصب «المهمة» الأخرى التي تقلدها، اي دخول المنصب والبقاء فيه من دون حراك، ثم تركه كما كان دون أي تطوير أو تعديل! وبالتالي لن استغرب إن أعفي مستقبلا من وظيفة كبير مفوضي السوق، وعين وزيرا للمالية.. مثلا!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

تجربة الإسلاميين في المغرب

يدعي بعض غلمان العلمانية ان الاسلاميين فشلوا في اول تجربة لهم في الحكم، حيث عجزوا عن تدبير وادارة شؤون البلاد التي حكموها مثل مصر وتونس! واليوم سنبدأ سلسلة مقالات لتفنيد هذا الادعاء الباطل بالادلة والشواهد، ابتداء من تجربة حكم الاسلاميين في المغرب مرورا بتونس ثم مصر.
يكفي التيار الاسلامي في العالم العربي فخرا انه لم يصل الى الحكم الا عن طريق صناديق الاقتراع بعملية حرة ونزيهة، على الرغم من سيل الاباطيل التي ساقها عليه الاعلام الفاسد المعادي للدين ولكل من يتبناه، وهذا عكس عقود من الزمان حكمت فيها تيارات علمانية الدول العربية بالحديد والنار تارة، وبانتخابات صورية ومزيفة تارة اخرى، كانت نتيجتها مزيدا من التخلف والعيش في ظلام الجهل لعدة اجيال متعاقبة!
عندما بدأت رياح الربيع العربي تهب على المنطقة العربية نتيجة عصور من القهر والظلم عاشتها الشعوب ولم تعد تحتمل المزيد منها، بدأت العروش تتساقط واحدا تلو الاخر، وفرح المخلصون بهذا التغيير واغتاظ المبطلون الذين كانوا يقتاتون على موائد اللئام المنهوبة من اموال الشعب العامة، وارتعد المرجفون من اشباه الظلمة وناهبي مقدرات الامة، خوفا من هبوب هذه الرياح عليهم فتقتلع ما تبقى من ملكهم العضود! عندها توجه الشعب في معظم هذه الدول الى السجون ليخرجوا من كان فيها من مظلومين، تم تقييد حريتهم فقط لانهم قالوا كلمة حق عند سلطان جائر من اجل رفع الظلم عن شعوبهم المقهورة، ونقلتهم شعوبهم الى سدة الحكم عن طريق انتخابات حرة نزيهة شهد بنزاهتها العدو قبل الصديق! ولكن اهل الباطل لم يقبلوا بالنتيجة، لانهم تعودوا على العيش بين ظالم ومظلوم، لذلك سعوا لافشال اول تجربة في مصر عن طريق الاعلام المأجور وبلطجية فلول النظام السابق، وسنعود في مقال آخر للحديث عما يجري في مصر وكشف محاولاتهم اليائسة والفاشلة لاسقاط العملية الديموقراطية واعادة حكم العسكر!
المغرب اول دولة نأخذها كمثال على نجاح الاسلاميين في الحكم، عندما تكون الامور مستقرة ويكون الشعب بكل فئاته يحترم نتائج العملية الديموقراطية، ففي هذه الدولة المطلة على المحيط في اقصى العالم العربي غربا، لم يمنع الموقع البعيد رياح التغيير من الوصول اليها، لكن الملك هناك كان اذكى من غيره ممن سقط امام عينيه ولم ينفعه عسكره ولا معاهداته مع اميركا وولاؤه المطلق لها من السقوط في مهملات التاريخ، حيث بادر باحترام ارادة الامة، واعلن تنازله عن بعض صلاحياته التشريعية والتنفيذية التي اصبحت بيد مجلس نواب يتم انتخابه مباشرة من الشعب، واعطى للشعب اختيار رئيس الحكومة من حزب الاغلبية، بعد ان كان هو من يختار هذا الرئيس، وشيء طبيعي ان يفوز الاسلاميون المحسوبون على تيار الاخوان المسلمين بالانتخابات عندما تكون حرة ونزيهة لانها ارادة الشعوب!
قام الاسلاميون بتشكيل حكومة واشركوا معهم عددا من الاحزاب الاخرى مع قدرتهم بتشكيلها من دونهم، وعالجوا من اليوم الاول مشكلة الميزانية وحرية الصحافة وتنظيم حق التظاهر والاعتصامات ووضعوا آليات لتنشيط الاقتصاد، بدأت نتائجها الايجابية بالظهور، ووضعوا حلولا لمدن الصفيح التي تشوه جمال العاصمة، وبنوا مساكن لهم ووضعوا اللبنة الاولى لعلاج مشاكلهم مع جيرانهم الاسبان والجزائر وموريتانيا، وامور كثيرة لا يسع المجال لذكرها، وهم في بداية عامهم الثاني.
خلاصة القول ان الاسلاميين عندما يجدون ارضا خصبة ينجحون بالعمل الجاد المثمر الذي يؤكد مصداقيتهم ووعودهم لشعوبهم، ولكن عندما يجدون خصومهم حولوا ارضهم الى ارض «صبخة»، فانهم يحتاجون وقتاً لعلاج الصبخ واستصلاح الارض ثم زراعتها، الملك محمد السادس بعد الاصلاحات التي جاءت بالاسلاميين اصبح مجمعا عليه بعد ان كانت التظاهرات الاولى في الرباط تنادي «الشعب يريد اسقاط النظام»، والاسلاميون بدأوا بعلاج المشاكل الكبرى التي يئن منها المجتمع، واجلوا القضايا الاخرى الى ما بعد استقرار الامور، واصبح الناس يثنون على ادائهم ويتباشرون خيرا بهم، ولقد قدر الله لي ان اجلس مع وزراء الاعلام والمالية والتربية، واستمع الى خططهم المستقبلية لدفع التنمية في بلادهم، فأدركت ان هذا التيار لو يعطى الفرصة لفعل الاعاجيب، ولكن قدر الله فوق كل قدرة.