سعيد محمد سعيد

ماركة… «أبو أسد»!

 

على رغم أن ماركة «أبو أسد» هي في الحقيقة من أسوأ الماركات، لكنها – مع شديد الأسف – وجدت لها رواجاً بين من يؤمنون بشريعة الغاب!

هنا، في مجتمعاتنا الخليجية تحديداً، لا يسعك إلا أن تموت هلعاً وأنت ترقب بروز «أسد» كل يوم. وهذه الماركة أصبحت سريعة الانتشار بفضل الاستخدام المذهل لوسائل التواصل الاجتماعي والشبكات وتقنيات الهواتف الذكية وتطبيقاتها، لتجد شخصاً منبوذاً وسوابقه في غاية السوء والخسة، وقد أصبح «أسداً» عند مجموعة من الناس!

من أبرز متطلبات الحصول على هذه الماركة، هي أن يخرج ذلك الشخص المنبوذ، سواء كان خطيباً فاشلاً أو مسئولاً حكوميّاً سيئاً أو فاسداً من عتاة المفسدين في الأرض أو من دعاة الطائفية والكراهية والتحريض على نشر العداء بين الناس، ويجرب نفسه في خطبة ما، أو مقطع فيديو على اليوتيوب أو ندوة أو دعوة يقدمها للتحشيد وإيغار الصدور بوحشية، ليصبح «أسداً». ويعقب هذه الخطوة بروز قائمة طويلة فاشلة من حسابات التواصل الاجتماعي لتمجد في ذلك الأسد، ثم سرعان ما يتحول ذلك الأسد، ومع مرور الأيام، إما إلى فأر نتن، أو إلى «عزيز قوم ذل»، لتبدأ تلك الحسابات في تنظيم حملات فاشلة هي الأخرى، لمساندته ودعمه وتقديم العون المالي والمعنوي له انطلاقاً من عنوان: «ذلك الأسد الذي دافع عن حقوقكم وفضح أعداءكم وأعداء الوطن وجاهد في سبيل الله حق الجهاد. سقط اليوم في حفرةٍ حفرها له أعداء الله… وأعانهم فيها أعداؤكم فهبوا يا شرفاء لمساعدة أسدكم. رقم الحساب المصرفي…………».

منذ أشهر مضت، حاولت الوقوف على أشهر ماركات الأسود التي انتشرت في العالم العربي والإسلامي، ومع شديد الأسف، لم تكن تلك الماركات منتشرة في سائر المجتمعات أكثر من المجتمعات الخليجية. لذلك، فقد ابتلي المجتمع الخليجي بالأسود الشامخة القوية التي تدافع عن دين الله جل وعلا، وتدافع عن الأوطان وعن شعوبها بسلاح هو في حقيقته من أرذل أنواع الأسلحة التي نهى عنها الدين! سلاح البغضاء والتناحر والتأليب والتأجيج الطائفي والنفخ في الصدام المذهبي! لكن من فضل الله ورحمته أن تلك الأسود التي تظهر سريعاً وبقوة… تختفي سريعاً وبخسة!

من بين تلك القائمة: «أسد القادسية. أسد الإسلام. أسد العروبة. أسد خرتيت. أسد الخليج. أسد الرافدين. أسد الحق. أسد الشام. الأسد الكاسر»، وللأسف لم أعثر على «أسد طمبورها»! ولربما عموم تلك الأسود هي في النهاية تندرج تحت هذه التسمية الفكاهية الساخرة المنتشرة بين الناس». ولن يواجه أي من المتابعين لنشاط تلك الأسود وواجهاتهم الإعلامية صعوبة في فهم الفكر الأسود والسلوك العدواني الشرس لكل ما هو جميل في الحياة. فهم ينشطون ويستميتون في إشعال حريق الفتنة والتأجيج لمجرد علمهم مثلاً بوجود لقاء أو نشاط أو برنامج وطني اجتماعي يجمع أبناء السنة والشيعة. هنا، يتطاير الشرر من عيون «الأسد» ليزأر بقبح، مذكراً بالخلافات التاريخية وقائمة العداء من شتم الصحابة وأمهات المؤمنين واستحالة الأخوّة مع الكفار والمشركين والمجوس، ويحذّر من أن كل مشاعر المحبة والأخوة والإنسانية إنما هي المحرمات المشددة في الإسلام (والإسلام منه ومنها بريء)! وأنه لا يجب إطلاقاً أن يكون هناك تلاقٍ وتزاور وتزاوج ومودة بين الطائفتين. وليس ذلك فحسب، بل يسهر الليالي الطوال في إنتاج المقاطع المتلفزة الرديئة شكلاً ومضموناً، وينتج الكتب الإلكترونية سخيفة المحتوى هابطة الأخلاق وينشرها، ويدعو باسم كونه «أسداً» إلى أن يهبَّ الناس: «أيها الناس… أيها القوم. أيها الشرفاء. قوموا إلى المنكر وأحيوه… وواجهوا المعروف ودمروه… عليكم أيها القوم أن تشربوا أكبر قدر من الدماء… ففي ذلك حياتكم». والغريب، أنك لا تجد من العقلاء والشرفاء الحقيقيين من يحذّر من أمثال هؤلاء إلا القلة القليلة، سواء من المشايخ المعتدلين أو من الناشطين السياسيين والمثقفين ذوي الروحية الوطنية الحقيقية. وهم، إن فعلوا ذلك، فتحوا على أنفسهم أبواب جهنم تشهيراً وتسقيطاً وشتماً وازدراءً وتهديداً بسفك الدماء.

وعلى أي حال، فماركة «بو أسد» التي ابتليت بها المجتمعات الخليجية، وإن حظيت ببعض الرواج فترة من الزمن، إلا أنها تنكشف سريعاً ويتحول صاحبها الأسد إلى مرمى (نمور) آخرين من قومه! فلمجرد خلاف يقع بينه وبينهم، حتى ينشق النمور ويبدأون في تنفيذ المسلك الدنيء ذاته، فيستخرجون ما يستخرجون مما يملكون من معلومات وفضائح ومواقف خبيثة سيئة، ليرجموه بها، زأر وإن لم يزأر.

كمحصلة نهائية، وجدت أن أنسب شرح علمي لماركة «بو أسد»، هي نظرية عالم النفس والاجتماع ديفيد كلارك، الذي يصنفهم ضمن الانحراف السيكوباتي العدواني، حيث يتميز هؤلاء بالهياج والعنف والقسوة وكثرة الشجار، وهم في الغالب من غير المستقرين وأصحاب الميول السادية والمجرمين وذوي السجلات الحافلة بالفساد والإجرام ومدمني الخمور والمخدرات، وممن تربوا في بيئة طائفية بغيضة! فبئس للنعاج التي ارتضت مثل هؤلاء أسوداً.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *