كنت قد وعدت القارئ الكريم ان اكمل اليوم سلسلة مقالاتي عن تجارب الاسلاميين في الحكم. فبعد ان كتبت عن تجربتهم في المغرب وتونس، كان يفترض ان اكتب اليوم عن مصر وعما يجري فيها من محاولات لإجهاض اول تجربة ديموقراطية فيها. الا ان ما تناولته وسائل الاعلام الكويتية من اعلان اللجنة المالية في مجلس ابو صوت من الانتهاء من تعديل قانون اسقاط فوائد القروض في مداولته الثانية، جعلني أؤجل مقالتي عن الحالة المصرية الى يوم الاربعاء المقبل، واكتب اليوم عن الفضيحة الجديدة من مسلسل فضائح هذا المجلس، المسماة زورا اسقاط فوائد القروض!
يقول وزير المالية في تصريحه، الذي نشرته الصحف صباح الجمعة الماضي، عن مبررات الغاء قروض البنوك الاسلامية، وعدم شمول القانون لها «لان شمولها لن يضيف شيئا سوى التحول من مدين للبنك الى مدين للدولة»! وسؤالي الى معالي الوزير، والى اعضاء اللجنة الذين ايدوه: وهل فلسفة القانون الا نقل مسؤولية تحصيل الدين من البنك الى الحكومة؟! او بمعنى آخر التزام الحكومة بسداد فوائد القروض للبنوك تخفيفا عن كاهل المواطن! عندما يكون المقترض مطلوبا للحكومة تستطيع الحكومة ان تسقط من رصيد الدين المتبقي ما يحقق العدالة مع الاخرين الذين اقترضوا من البنوك الربوية، اذاً اين المشكلة في شمول القانون للبنوك الاسلامية؟! يقول رئيس اللجنة البرلمانية، مبررا سبب هذا الاستبعاد، «بعد ان عرضت الحكومة على اللجنة رأي البنوك الاسلامية، الذي اكد عدم امكانية اسقاط ارباح القروض بعد سداد اصل الدين»! امر عجيب فعلاً! واحد اقترض من بنك اسلامي ما قيمته عشرون الف دينار، وحددت ارباحها بثلاثة الاف دينار، وعند تطبيق القانون كان رصيد الدين المتبقي ثلاثة عشر الف دينار فقط، ما الذي يمنع المشرع ان يقول ان رصيد الدين اصبح عشرة الاف فقط بعد اسقاط الثلاثة الاف دينار قيمة الارباح؟! بمعنى ما الذي يمنع ان اسقط الارباح من اصل الدين المتبقي؟!
ــ هل يعلم السادة اعضاء اللجنة المالية ان اكثر من %60 من المقترضين هم من عملاء البنوك الاسلامية؟! هل يقبل المذكورون ان يستبعدوا كل هؤلاء ثم يقولوا انهم حلوا مشكلة القروض؟!
ــ هل يعلم اعضاء ثلث الامة ان هذا القانون اذا صدر سيكون اعور بعين واحدة واعرج برجل واحدة! حيث نظر الى مصلحة فئة محددة من المجتمع دون الالتفات الى بقية المواطنين ومعاناتهم، ان كانوا فعلا يرون في هذا القانون تخفيفا للمعاناة؟
ــ هل يعلم نواب السراب وبيع السمك بالماء ان هذا القانون بصيغته مخالف لنص المادة السابعة من الدستور «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع»؟! وهل يعلمون ماذا سيحدث للمواطن ان تم الطعن بعدم دستوريته لمخالفته لنص الدستور وروحه وحكم ببطلانه، بعد ان يكون المواطن المسكين رتب اموره على ذلك؟!
انا من المؤيدين وبشدة لتخفيف معاناة المواطنين، ولكن كل المواطنين الذين يعانون وليس مجموعة دون اخرى، فليس مقبولا تفصيل قانون على قياس جماعة، وحرمان بقية المجتمع من فوائد هذا القانون! يقول الدستور الكويتي في المادة 22: «ينظم القانون على اسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية العلاقة بين العمال واصحاب العمل..»، فالعدالة هي روح هذا الدستور في فلسفته ومبادئه.
انني احذر اللجنة المذكورة ونواب مجلس الصوت الواحد من تمرير هذا القانون بهذه الصيغة، لان ذلك سيسبب ضررا للمواطن بعد الغاء القانون من المحكمة الدستورية، ولا عذر لهم بعد اليوم وقد تم تنبيههم. ان لمحة سريعة لبعض اعضاء اللجنة واتجاهاتهم الفكرية والعقائدية ليزيد من احساسي، بان لا امل متوقع في القريب الا اذا جاءتهم التعليمات من الحكومة!