عندما تم الاعلان عن تكوين ائتلاف المعارضة فرحت لظني بان المعارضة بكل اطيافها انضوت تحت مظلة واحدة، ولكن عندما علمت ان نصف هذه المعارضة شكل طيفا جديدا وفُرز الحراك الى مجموعتين، قلت لعله «خير». فالتعدد، احيانا، يثمر تنوعا في الافكار والرؤى. وتبددت آمالي عندما شاهدت «كل حزب بما لديهم فرحون»، وأصبحنا نقرأ تغريدات تضرب تحت الحزام، ولا تدل إلا على تصفية حسابات بين الرموز الذين كانوا يتنافسون انتخابيا قبل تشكيل تكتل الاغلبية! ثم انتقل الصراع الى الندوات والمحاضرات، وكانت النتيجة استياء القاعدة الشعبية الداعمة للحراك من هذا الوضع، وشعور غالبية المنتمين إلى المعارضة والمؤيدين لها بالإحباط مما وصلت اليه الامور، في الوقت الذي بدأت فيه قوى الفساد وحلب البلاد باعادة ترتيب صفوفها واستخدمت الوسائل المشروعة وغير المشروعة لاستغلال هذا الوضع غير المشجع للحراك الشعبي. فبدأت تحسن صورة مجلس بوصوت واحد، واستعملت المال السياسي من جديد لشراء المزيد من الولاءات للسلطة والعداءات للمعارضة، وصرنا نشاهد كل يوم يدخل لاعب جديد لفريق السلطة ليضرب احد اطياف المعارضة بقصد اضعافها والتشكيك في قدراتها. ولان الحراك لم يصل الى امكانات الحزب الواحد وقدراته التنظيمية نجد ان مواجهة هذا التحرك الحكومي لم تكن ناجحة، بل مشتتة ومبعثرة، وبدأ الحراك ينشغل بنفسه، وبدأت السلطة تتطمش عليه، وبدأ مخطط نهب البلد ينفذ على اعلى مستوى، وفقد الاصلاحيون الامل في الاصلاح، ويئس الحكماء من سيطرة الرأي الحكيم او حتى الاستماع اليه، وصرنا نسمع عن ندوة يقيمها هذا الطرف تتبعها ندوة اخرى يقيمها الطرف الآخر!
المشكلة التي تواجهنا اننا ان تحدثنا من باب النصح وانتقدنا احد الرموز نُعتنا باننا نثبط الحراك ونعوقه! وما اكثر ما سمعنا مقولة: «مو وقته الحين تنتقد الحراك، اجّ.ل رايك بعدين»! حتى عندما كتب الزميل مبارك صنيدح مقالته الرائعة في «الوطن»، قالوا عنه انه يبحث عن خط رجعة مع السلطة! لذلك، نشاهد كثيرا من العقلاء يحتفظ برأيه لنفسه حتى لا يصنف مع الحكوميين او المتخاذلين او المثبطين!
أنا أقولها الآن بالصوت العالي وليقولوا عني مايشاؤون، لا بد للمعارضة من ان تتحد تحت راية واحدة وهدف واحد متفق عليه واسلوب واحد للوصول إلى الهدف، لا بد للطرفين أن يتنازلا عن بعض ما يُظن انه مكاسب لهما ويعيدا ترتيب صفوفهما من جديد ويطهراها من الاعداد «اللي ما لها لازم» ويلغيا سياسة تخوين الآخر وإقصائه. لا بد من رأس واحد للمعارضة وراية واحدة، وما يجري اليوم على الساحة السياسية هو لعب ومضيعة للوقت.
كنت ارغب في الحديث عن دور الحركة الدستورية الاسلامية في رأب الصدع ومساهمتها في تقليل الفجوة بين طرفي الصراع بعدم الدخول في السجالات التي تدور على الساحة، لكن كلمة الاستاذ محمد الجاسم عنها صدمتني عندما قال إنها فاقدة للهوية في هذا الحراك! وشعوري بانه تجنٍ على الحركة ودورها العاقل في هذا الحراك، خصوصاً انه شاهد عن قرب مشاركة «حدس» وقواعدها في كل الانشطة، وتصدروا لكل ما من شأنه دعم الحراك الشعبي، وتجاوزوا في الوقت نفسه كل المطبات التي مرت في طريق هذه المسيرة، وكان لرموزهم، الحربش والدلال والمطر والشاهين، السبق في تسجيل الحضور والمشاركة الفاعلة ناهيك عن الصواغ اسد «الخامسة» وزيزومها!
السؤال الآن: من يعلق الجرس اولا ويبادر بالتنازل عن مكاسبه الضيقة ويسعى لجمع الكلمة ويتسبب في التفاف اهل الكويت من جديد على المعارضة السياسية، بعد ان تبين لهم ان القادم اسوأ بكثير مما نحن فيه اليوم؟!