الواقع المؤلم لدولنا العربية يظهر انها تحولت من نظام «الدولة الديموقراطية» ذات الحريات الليبرالية ابان العهود الملكية الخيرة، الى مشروع «الدولة الظلامية» ذات القمع السياسي والمقابر الجماعية واقتصاد الإفقار الموجه في عهد الثوريات العسكرية غير المباركة، وقد انتهى الحال بشعوبنا العربية المظلومة بعد ثورات الخريف العربي إلى الوصول لقاع مظلم جديد لا قرار له يسمى بالدولة الهلامية!
***
واولى مواصفات «الدولة الهلامية» التي قامت على انقاض «الدولة الظلامية» البائدة، أنه لا شيء صلبا فيها، بل كل الأمور ضمنها سائحة على بعضها البعض، فلا هيبة ولا احترام للسلطة، ولا خط واضحا يفصل بين القضاة والمتهمين او بين العسكر والحرامية، ضمن تلك الدولة يخطف السائحون والمستثمرون ويخرج القتلة والبلطجية من السجون ويدخل بدلا منهم رجال المال والأعمال والإعلام!
***
ومن مواصفات «الدولة الهلامية» أيضا ان يومها اسوأ من امسها المظلم والمليء بالظلم، وان وضعها السيئ اليوم ستبكي عليه دما في الغد، ولا يعرف في تلك الدولة الحكيم من الأحمق او المتعلم من الجاهل، فالجميع يتظاهر في الشوارع كل الاوقات ثم يشتكي من ضيق العيش وقلة ذات اليد وسوء الوضع الاقتصادي دون ان يسأل نفسه: كيف للوضع الاقتصادي ان يتحسن والمصانع والمزارع والمدارس والجامعات قد هجرت والمستثمرون والسائحون قد طفشوا او خطفوا؟!
***
ولو نظرت للخارطة السياسية والجغرافية لـ «الدولة الهلامية» لما علمت انك امام مشروع دولة ام مشاريع عدة دول قادمة لا قيمة مستقرة لعملتها ولا مستقبل واضحا لمسارها؟! فهي كصاحب البقالة الذي يستيقظ كل صباح لا يعلم ما سيأتيه به يومه من رزق أو من شر، فلا رؤى عنده ولا تخطيط، ومنظّر وحكيم الدول الهلامية التي ستتكاثر مع كل يوم يمر في منطقتنا العربية هو الفيلسوف الكبير والشاعر النحرير أحمد عدوية، ونشيدها الوطني هو اغنيته النضالية ذائعة الصيت: كله على كله!
***
آخر محطة:
1 ـ ادعى احدهم كذبا ان الكويت ستختفي وان الخليج لن يبقى فيه الا ثلاث دول كبرى، وقد نسب تلك الرؤية للدكتور الاميركي المعروف انتوني كودزمان الذي انكرها في لقاء لي معه، ثم عاد ونسبها للدكتور ارون كاتز الذي اتضح انه طبيب ولا علاقة له بالسياسة.
2 ـ الحقيقة التي لا يعلمها من ادعى كذبا اختفاء الكويت والدول الصغيرة في الخليج والمنطقة عبر ضمها للدول كبيرة الحجم، ان معادلة الامن قد تغيرت تماما في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي اواخر الثمانينيات، ولم تعد هناك حاجة استراتيجية للبقاء على الدول الكبرى في المنطقة لتمنع تمدده، واصبح البعض من تلك الدول الهلامية هو المهدد بالفناء والانشطار وبات الامن يتمركز في الدول الصلبة الصغيرة، حتى بات حلم الاثرياء والمفكرين والمواطنين العرب العيش في دول الخليج الصغيرة.. الآمنة!