سعيد محمد سعيد

«طمبورها»… لكن «دلدغني» يابو الهريس!

 

دوناً عن كل شعوب الخليج، يمتلك الشعب البحريني ميزة فريدة في التعبير بخفّة دمه حتى في أشد الأزمات كالتي نعيشها! ولربما من بين أكثر العلامات البارزة هنا، استخدام بعض المفردات والمصطلحات الشائعة بأكثر من لهجة شعبية محلية، أو توظيف كلمات وعبارات من اللغة العربية الفصحى لتعطي، زعماً، دلالة على موقف أحد الأطراف في الحوار أو النقاش السريع أو الحاد.
وهذه الميزة ليست أمراً مذموماً… صحيح، تتسبب بعض تلك الكلمات في إثارة الغضب وحرق الأعصاب في بعض الأحيان، فيما تكون في أوقات أخرى سبباً في تلطيف الجو وإشاعة لحظة فكاهة تزيل الكثير من التشنج بل وتفتح المجال للتفاهم. وأتكلم هنا عن الحوارات والنقاشات بين عامة الناس البسطاء في مجالسهم ومقاهيهم وأعمالهم، وعلى العموم، كثير منها ليس سيئاً إن جاءت في سياق محترم مهذب لطيف، لكنها لا تصلح أبداً لأجواء السياسيين والرسميين أو أولئك الذين يتعاملون مع بعضهم البعض، وبشكل مسبق، بسوء نية.
بعض تلك الكلمات تأتي مفاجئة ومباغتة حينما يتكلم مواطن عن موضوع لا يمكن أن يتحقق ويبقى في حيز التصريحات الفضفاضة في الصحافة على ألسنة المسئولين أو من ضمن الوعود الحالمة التي تتكرر وتتكرر منذ سنين دون أن تجد لها محلاًً في التطبيق على أرض الواقع. قد تجد مواطناً يقرأ عنوان صحيفة من قبيل: “المشروع الفلاني يُقام على مساحة شاسعة ويضمن 2000 وظيفة للمواطنين”، فتجده يعلق: “طمبورها… من سنين وبنين نسمع عن هالمشاريع.. لا هي تحققت ولا احنه اشتغلنا”.
ولربما كان الأمر يتعلق بالوضع السياسي من قبيل أن المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، وأنه ليس هناك أحد فوق القانون، وهناك توجهات للحفاظ على اللحمة الاجتماعية والأمن والسلم الاجتماعي وعدم السماح للطائفيين في مجتمعنا الذي يؤمن بالتسامح والتعايش، ولكون هذا المواطن أو ذاك قد شبع كثيراً من مثل هذه التصريحات التي يشوبها الكثير من “الجمبزة” في التطبيق على أرض الواقع فتجده يعلّق بتلقائية: “دلدغني يا بو الهريس”، في إشارةٍ إلى أن مثل هذه التصريحات لا تعدو كونها دغدغة مشاعر.
وفي كثير من الأحيان، تجد مواطناً وقد خرج من إحدى الجهات الحكومية الخدمية بعد أن أنضجته المعاناة من تأخر معاملته فيصرخ: “وين عيل الكلام عن تيسير إجراءات المواطنين وتطوير الأنظمة وسرعة الإنجاز… بقبق”.
خذ مثلاً، حين يستمع مواطنٌ لمسئول أو نائب أو خطيب يتحدث عن المدينة الفاضلة، وأن مستوى المعيشة للمواطن أفضل بكثير مقارنةً بدول مثل بنغلاديش والصومال ونيجيريا وجزر القمر… هنا، ليس غريباً أن يعبّر ذلك المواطن بامتعاض قائلاً: “أقول استريح بس”.
هذا النوع من المفردات ما عاد مقتصراً على النطق اللساني في انتشاره، بل مع الانتشار الكبير لاستخدام وسائل الإعلام الجديد والتواصل الاجتماعي، فقد انتشرت ظاهرة استخدام الوسم (هاش تاق) في حسابات التغريد (تويتر) فتجد مثلاً أن هناك مغرداً اعتاد على كتابة تغريدات فيها تهديد ووعيد وإرعاب وإرهاب بالويل والثبور، فتنتشر بعض الهاشتاقات من قبيل: #يمه- خفنا في الرد على ذلك المغرّد، أو أخرى من عينة: #عدال- يلخطير، وربما وجد أحد المغردين فرصةً للرد على كل تلك التهديدات والأسلوب الهمجي وتوعد الآخرين بأنه سيصل إليهم وسينالون جزاءهم بأسلوب فكاهي مستخدماً بعض الأوسمة من قبيل: #المحقق-كونان، أو #صادوه-شارلوك-هولمز.
ولا بأس إن جلس أحدهم ليلقي على مسامع المواطنين الذين تواجدوا حوله سواءً كان ذلك في محاضرة أو في مجلس أو في العمل، الكثير الكثير من المعلومات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فيتفاجأ بأحدهم وهو يشكره على هذه المعلومات القيمة، لكنه يختمها بعبارة: “درر… والله درر، عطنه من الأزرق”، في تعبير عن حجم الكلام المنفوخ الذي لا يمكن تصديقه.
من العبارات التي انتشرت في التعليق والتعقيب على أمر جلل يقوله فلان المسئول أو علانة النائب أو فلتان الصحافي دون أن يدرك بأنه إنّما يضحك على عقول أناس هم أكثر منه وعياً وإلماماً بالأمور، فلا بأس إن وجدت أحدهم يناقشه ثم يعلق بالقول: “لزوم نبلغ الشيخ بالسالفة”.
أيضاً، على حسابات الأنستغرام وفي مجموعات الواتس أب، أصبح الناس يتناقلون التعليقات المصوّرة، فتجد أحدهم يضع صورة مسئول يرفع سبابته وعينه محمرة ويكتب تحتها: “صيروا أوادم أحسن ليكم”، أو يضع صورة أو رسماً كاريكاتيرياً لشخص جيوبه (دالعة لسانها) يكتب تحتها: “ما في زيادات يعني؟”، ولربما ضحكنا كثيراً من صورة جميلة لطفل في يده مضرب بيسبول وتحتها عبارة: “ستندمون”، أو طفل صوّره أحدهم وهو يجلس في مقلاة على فرن وتحتها عبارة: “أمي مشغولة بالواتس حسبتني أنا الدجاجة”.
على العموم، فإن التنفيس بالفكاهة اللطيفة المهذبة أمر لا بأس به خصوصاً في المجتمعات التي تعاني من حزمة مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، وليت في الإمكان أن تسبق تلك الفكاهة حسن النوايا بين الناس فتصفو نفوسهم وقلوبهم ويتقبلون بعضهم البعض. وقد وجد بعض علماء النفس أن هناك ما يسمى بالـ “نكتة المواتية”، وهي تعبيراتٌ فكاهيةٌ تنتجها الأزمات والمحن والظروف المعيشية الصعبة. إذن، لا بأس يا جماعة من أن نراقب كل شيء حولنا، بكل إحباطاته وتعقيداته وسواده بالطرفة اللطيفة حتى لا نموت كمداً ناقصين عمر.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *