حسن العيسى

درب السنع وينه؟!

أجزم بأن البشر الذين خرجوا في مواكب ممتدة من السيارات ورقصوا في الشوارع، ورفعوا الأعلام المزركشة وعلقوا "لمبات الأعراس" على المنازل والعربات، لم يكونوا يبتهجون بالأعياد الوطنية بقدر ما كانوا يعبرون عفوياً عن حالة احتقان فرح مخنوق في صدورهم، ووجدوا في مناسبة العيد فرصة يتيمة للتنفيس عن النفس كي يخرج قليلاً بخار الملل والروتين القاتل المهيمن على أرواحهم.
 هل كانت هناك احتفالات حقيقية بالأعياد الوطنية، وهل شعرنا في الواقع بأن الدولة تحتفل بعيدها الوطني؟ أنكر ذلك، فغير تلك الإجازة الطويلة، وهي إجازة من إجازة، لم يكن هناك أي دليل على مظهر احتفالات رسمية للدولة، فالحفلات السنوية التي كانت تقيمها وزارة التربية في السنوات الخوالي (أيام كنا وكان) أصبحت من المحرمات، فظهور أطفال من الجنسين يرقصون "الهولو على ظهر السفينة" حرام كما أفتى مشايخ الدولة غير الرسميين، وتبعهم وزايد عليهم، بطبيعة الحال، مشايخ الدولة وشيوخها الرسميون، فلا أحد أحسن من أحد، وكأن فقهاء السلطان يقولون للفقهاء الشعبيين إنهم لا يقلون عنهم علماً وورعاً ومحافظة، فالمحافظة على العفة تعني المحافظة على السلطة، فغاب شادي الخليج وسناء الخراز وغنام الديكان وفرقة التلفزيون، كما غاب عن البلد المسرح والأدب والثقافة والكتاب (غير المراقب من حسبة التخلف) من قبل.
 أي عيد وأي بهرجة زائفة حاولت السلطة ترويجها للناس؟! سيارات وسيارات ومواكب سيارات بلا بداية ولا نهاية، وأضواء ملونة وأعلام معلقة على المؤسسات الرسمية وبيوت الناس، كلها تخبرنا عن وضع "فلاشي" زائف يتجرعه البشر! غير الخواء لا يوجد شيء.
 التسوق في المولات الكبيرة لممارسة إدمان الاستهلاك المدمر، والتسكع في "كرودورات" تلك المولات، وابتلاع سندويتشات "الفاست فود" هي وسائل لقتل الوقت، وتمضية أوقات الفراغ المرعب، بينما الحقيقة هي الوقت، هي الزمن الذي يقتل ويطلي الشعر الأسود الفاحم بلون الشيب الكئيب، وينهش ببطء خلايا الشباب وحيويتها، وتتغضن الوجوه وتذوي الذاكرة، ولا يبقى لدينا غير الذكرى الجميلة عن سنوات الستينيات والسبعينيات، أيام كنا ندل جيداً "درب السنع"… راحت تلك الأيام من غير رجعة، وراحت معها الإرادة المبدعة، فلنسحب الغطاء ولنواصل شرب كؤوس الأوهام… فلا عزاء لشباب اليوم.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *