“>
«سلوا كؤوسَ الطلا هل لامسَتْ فاها
واستخبروا الراحَ هل مسَّتْ ثناياها
باتت على الروض تسقيني بصافيةٍ
لا للسلاف ولا للورد ريّاها
ما ضرَّ لو جعلت كأسي مراشفها
ولو سقتني بصافٍ من حميّاها
هيفاء كالبان يلتفُّ النسيمُ بها
ويلفت الطير تحت الوشي عطفاها
حديثها السحر إلا أنه نغمٌ
جرتْ على فم داودٍ فغنّاها
حمامةُ الأيك. مَنْ بالشجو طارحها
ومَنْ وراء الدجى بالشوق ناجاها
ألقَت إلى الليل جيداً نافراً ورمت
إليه أذنا وحارت فيه عيناها
وعادها الشوق للأحباب فانبعثت
تبكي وتهتفُ أحياناً بشكواها
ياجارةَ الأيك. أيّامُ الهوى ذهبتْ
كالحلم آهاً لأيّام الهوى آها»
ونعيد البيت الأخير، لجماله:
«ياجارةَ الأيك. أيّامُ الهوى ذهبتْ
كالحلم آهاً لأيّام الهوى آها».
ولهذه القصيدة، التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي، قصة لفت نظري إليها الصديق فيصل المناعي، فبحثت ووجدت التالي: كان الشاعر أحمد شوقي من المعجبين بصوت المطرب محمد عبدالوهاب، وكان يخصص له أجمل قصائده ليغنيها، وبالتالي لم يجرؤ أي من منافسيه في حقل الطرب على الاقتراب من الشاعر الكبير، ومنهم أم كلثوم. لكن حب شوقي للفن دفعه يوما إلى استضافة أم كلثوم في «كرمة ابن هاني»، ووافقت على دعوته مسرورة، فقد أتتها فرصة اللقاء بأمير الشعراء، وهناك غنت وأبدعت، وطرب لها شوقي وقام من مجلسه وحياها، وقدّم لها كأسا من الطلا، أو الخمر! وهنا تصرفت أم كلثوم بلباقة كبيرة، حيث رفعت الكأس، ومست بها شفتيها من دون أن ترتشف شيئا، فقد كانت لا تشرب الخمر، وقد أُعجب شوقي بتصرّفها ولباقتها، فضلا عن إعجابه بغنائها. وفي اليوم التالي جاء لبيت السيدة أم كلثوم من يحمل رسالة من شوقي، فظنت أن بها مكافأة مالية منه لغنائها، ولكنها وجدت بداخلها قصيدة صاغها الشاعر فيها في الليلة ذاتها. ويقال إن هدية شوقي بقيت لديها لسنوات قبل أن تقرر في عام 1936، وبعد 4 سنوات من وفاة من نظمها، أن تغنيها، وهكذا وضع لها رياض السنباطي لحنا سيبقى خالداً.
وللعلم فإن أمير شعراء العربية أحمد شوقي وُلد لأب شركسي وأم يونانية، وربّته جدته لأمه، التي كانت تعمل وصيفة في بلاط الخديوي إسماعيل. ونقل عن شوقي قوله إن والده أخبره أن أصولهم «كردية».
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com