بيّن بحث طريف أن دول المنطقة التي تستقدم القوى العاملة من الخارج، لحاجتها الماسة لها للقيام بأداء مختلف الأعمال، من صناعية وفنية وخدمية، تفضل الفلبينيين مقارنة بغيرهم. ويبلغ عدد الفلبينيين الذين يعملون خارج وطنهم، أو يقيمون هناك بصورة دائمة، أكثر من 10 ملايين، منتشرين في أكثر من 45 دولة، بينها الهند واندونيسيا، وهما دولتان مصدرتان للعمالة أصلا! وسبب أفضلية الفلبينيين على غيرهم عائد لعوامل عدة، منها دماثة أخلاقهم ومعرفتهم باللغة الإنكليزية، مقارنة بغيرهم، وتوافر مهارات لدى نسبة كبيرة منهم بسبب ما سبق ان تلقوه من تدريب تقني في وطنهم. ويشكل وجود هذا العدد الكبير من العمالة في الخارج ثروة قومية لاقتصاد بلادهم، حيث تبلغ تحويلات الفلبينيين السنوية اكثر من 22 مليار دولار. والطريف أن اليونان، التي تعاني من أكبر ضائقة مالية ضمن الاتحاد الأوروبي، يوجد فيها رسميا 40 ألف فلبيني! كما يعيش ويعمل في الهند اكثر من ألف فلبيني، وفي إيطاليا 250 ألفاً، وفي اليابان 370 ألفاً، وقرابة المليون في أندونيسيا. وفي المكسيك وبعض دول أميركا الجنوبية يعيش ويعمل 250 ألفا، وهناك مليونا فلبيني في دول الشرق الأوسط، و175 ألفا في سنغافورة، وما يقارب ذلك في كوريا! وبالرغم من أن جميع دول العالم تشجع مواطنيها على الاتجاه للعمل في الخارج، إلا أن المصادر المعروفة للقوى العاملة غالبا ما تأتي لمنطقتنا من الهند وبنغلادش وسريلانكا واندونيسيا ونيبال، إضافة إلى الفلبين، وهذه الأخيرة مع الهند توفران شروط عمل افضل لمواطنيهما مقارنة بالدول الأخرى، وتسعيان لدى الحكومات المعنية لحفظ حقوقهما.
ويمكن القول، بشكل عام، ان من يتغرب للعمل في الخارج، وبالذات في وظائف متواضعة، فإنه يهدف لتحقيق أغراض ثلاثة، اولها خلق دخل يعيل به اسرته. توفير مساحة عيش أكبر لعائلته، عندما يتركها ليعيش في الخارج، وتقليل عدد الأفواه التي تطلب طعاما كل يوم، لانتقال مسؤولية الإيواء من أهله لصاحب العمل الجديد. وحيث ان من استخدم هذا الشخص ميسور أكثر منه، فمن الطبيعي الافتراض بأنه سيوفر له مساحة سكن أكبر وطعاما أفضل، ومعيشة أكثر إنسانية ممن كان يحصل عليه في وطنه، ولكن يحدث في أحيان كثيرة عكس ذلك تماما، وبالتالي نسمع بحالات الانتحار التي يقدم عليها عامل أو خادمة، أو إقدام بعضهم على الانتقام، بالقتل وغيره، من مخدوميهم، كما حدث لدينا وفي دول مجاورة، وغالبا نتيجة سوء المعاملة غير الإنسانية التي يتلقاها هؤلاء. وقد نشر خبر في القبس، (9/7) يتعلق بإقدام وافد آسيوي على الانتحار شنقا في الزريبة (الجاخور) التي كان يعمل بها في منطقة الجهراء، وهو لم يتجاوز الـ28 من عمره!! وبالرغم من تكرار وقوع مثل هذه الجرائم الإنسانية، إلا أن ايا من «أساتذة» جامعة الكويت، من الاجتماعيين، لم يحاول يوما دراسة سبب تكرار حالات انتحار هؤلاء، والسبب الذي يدفع إنسان لترك وطنه لضيق معيشته وقلة طعامه، ليأتي لمكان اعتقد أنه سيجد فيه مكانا يخلد فيه للنوم وطعاما يتناوله، واجرا يتقاضاه، فلم يجد غير ظروف تدفعه للتخلص من حياته هربا من عذابه! فما هذا الظلم الذي جعل من حياة عامل بسيط في دولة متخمة بالمكان والطعام والمال، لأن تكون جحيما؟
ومع كل ما يقترفه البعض من جرائم إنسانية بحق هؤلاء يوميا، إلا أن عدد دور العبادة عندنا في ازدياد، ومستوى اخلاقنا يتجه عكس ذلك!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com