بينت دراسة قامت بها «جامعة كاليفورنيا، سانتاباربرا» أن الأشخاص الأكثر ميلا للعلوم، او المشتغلين بها، يتمتعون، بشكل عام، بحس أخلاقي أكثر من غيرهم من غير المهتمين بالمواد العلمية المنطقية، أو أولئك الأكثر تدينا! وقالت ان العلوم تحث، وإن بطريقة غير مباشرة، على التمسك بالأخلاق أكثر مما يحث الدين، كما كان ولا يزال يعتقد الكثيرون! وبالرغم من أن هناك ما يثبت صحة هذه النظرية فان البعض الآخر لا يتفق معها، أو يختلف على أسبابها! فالإنسان، وفق الدراسة التي تخص أفراد وطريقة تفكير المجتمع الأميركي أكثر من غيره، بحاجة مثلا للتفكير بطريقة منطقية لكي يصبح مواطنا صالحا، وذا خلق، ويتجنب مخالفة القانون. ولكن شروط التفكير المنطقي لا تتوافر بالضرورة لدى الجميع! ففي الوقت الذي نجد فيه أن المتدين عادة ما يتبع نوازعه المتأثرة غالبا بتعاليمه الدينية، ويتصرف على أساسها، حتى لو تطلب الأمر اقتراف أسوأ الجرائم، نجد في الجانب الآخر أن المهتم أو المنشغل أكثر بالعلوم يميل أكثر لأن يتصرف بطريقة اقرب للمنطق، وبعيدا عن سابق موروثاته، وبالتالي نجده مدفوعا للتصرف بأمانة أعلى أو خلق أفضل! فهو مثلا على غير استعداد للسرقة ليس لأنها مخالفة للتعاليم الدينية، بل لأنها غير مقبولة اجتماعيا وتضر به وبغيره، ويعتبر تصرفه هذا نابعاً من منطق محدد، وليس لأن التعاليم تنادي بعدم السرقة! فهذه التعاليم قد لا «تمانع» مثلا قيام الفرد بسرقة الكفرة وأتباع الديانات الأخرى! وهنا نرى أن الأكثر تدينا، عندما لا يقدم على تصرف غير مقبول فإنه يضع عادة عوامل مختلفة في حسابه. فهو لا يسرق لأن السرقة منافية للدين، ولكنه لن يكون بكل ذلك الالتزام ان تعلق الأمر بسرقة مال يخص عدواً، هنا قد تصبح السرقة أمرا مشروعا بالنسبة له. كما أنه يتصرف غالبا طبقا لمؤشر الثواب والعقاب، وليس لأن المنطق أو الحكم السليم يقولان ذلك، فالذي لا يقتل لأن القتل جريمة رهيبة، يختلف عن ذلك الذي لا يقتل لأن السماء تمنع ذلك! كما أن الميل للإيمان بالغيبيات يقلل من قوة المنطق لدى الشخص المتدين، وبالتالي تجعل أحكامه اقل منطقية بعكس الشخص الآخر الأكثر ميلا للعلوم الرياضية وغيرها من علوم!
كما نجد بين المتدينين من يتمتع بأعلى درجات الخلق، التي لا يمكن أن يحيد عنها إلا إذا تطلبت العقيدة منه ذلك، ولا نجد الأمر ذلك بالحدة نفسها بين المهتمين أكثر بالعلوم، فالعقيدة غالبا ما تبرر للبشر الطيبين القيام باكثر الأفعال شناعة، خاصة إن كانت قناعتهم تلك مشيئة الرب.
الموضوع مثير، وطالما كان مصدر قلق لي منذ سني المراهقة، وبالتالي بحاجة لدراسة معمقة أكثر مما يمكن ذكره، او التطرق له ضمن عمود محدود الحجم.
أحمد الصراف