حسن العيسى

فقه الفستق

لم يخرج الدكتور يحيى الجمل نظام الصوت الواحد في الكويت من جيبه في لقاء جريدة الجريدة، ممكن أن نتصور، في الأغلب والأرجح، أن الكبار في السلطة طلبوا منه، وربما من غيره من أساتذة القانون الدستوري، أن يجدوا لهم مخرجاً من صداع المعارضة، ففصل لهم أستاذنا نظام الصوت الواحد. الدكتور يحيى الجمل قام بدور مثقف ومنظر السلطة، فالسلطة، عادة، بحكم ثقافتها المحدودة تلجأ إلى أصحاب "الفكر" (أتحفظ عن كلمة فكر قليلاً) ليفتحوا لها منافذ تستطيع عبرها إقناع الشعب برجاحة رأيها، أو "اجتهاد الفقيه" الذي يصب في مصلحتها حسب الطلب، ولو حدث أن تغير صاحب السلطة، أو تغيرت قناعاته، تعود هذه السلطة مرة أخرى لهذا أو ذاك الفقيه ليجد لها مخرجاً آخر يتفق مع رؤيتها الجديدة المتغيرة، وطبعاً، تخرج الفتوى الجديدة لتتلاءم مع طلبها الجديد والواقع المتغير.
دائماً هناك "منيو" طلبات يعرضها "المثقف، الفقيه، رجل الدين والدنيا" على الزبائن من أصحاب السلطان والقوة، ولهذا الزبون المقتدر أن يختار من القائمة ما يناسب معدة الحكم، وفي الأغلب يقترح "المتر" المثقف الفقيه ما هو الأصلح والأفضل والأشهى من مطبخه الخاص، وتتم "الطبخة" حسب الوصفة، والتي تكون أفضل لمحتكر السلطة، وإن استفرغها الناس وعجزت أمعاؤهم عن هضمها، فهذا ليس من شأن الحكم ولا من شأن عكازاته الفكرية.
لا حاجة، اليوم، إلى أن نستذكر كتابات علي الوردي عن فقهاء السلطان، ولا إبداعات غرامشي أو تلميذه إدوارد سعيد عن المثقف العضوي الذي يقف دائماً على مسافة من السلطة أياً كانت طبيعتها مستبدة أو ديمقراطية، همه بداية ونهاية هو النقد، وهو نقد الواقع والبحث عن المثال "اليوتوبيا". يكفينا الآن أن نتذكر ما نسب للإمام أبي حنيفة النعمان حين قال لتلميذه أبي يوسف متنبئاً لمستقبله: "ستأكل بفقهك الفستق واللوزينج"، وقد أكل، ورحم الله الاثنين.

احمد الصراف

إقبال وجولياني والجواز

اشتكت الزميلة إقبال الأحمد من أن ملامح جواز سفرها الذي لم تمر 5 سنوات على صدوره، انمحت، وأصبح لا يحمل اسم الدولة ولا شعارها، ويصعب على من يطلع عليه معرفته من أول نظرة. وأقول للزميلة إنني تعرضت لموقف طريف في مطار اسطنبول، وفي يوم نشر مقالها نفسه، حيث أخذ رجل الأمن يقلب جواز سفري من جهة لأخرى لمعرفة هويته، وعندما عجز عن ذلك، وربما كان جديداً في عمله، سألني عن جنسيتي، فذكرتها له، فطلب مني أن أضع ملصقاً على الجواز يبين اسم الدولة! علماً بأن جوازي جديد، مقارنة بجواز الزميلة إقبال!
عندما أصبح رودولف جولياني عمدة لمدينة نيويورك (1994 – 2001) أكبر مدن العالم، قام فور تعيينه بالإعلان عن نيته إعطاء اهتمام كبير للجرائم الصغيرة Petty crimes، وقال إنه ليس معنيا في المرحلة الأولى بحروب رجال المافيا، أو متابعة جرائم القتل، أو بذل جهد أكثر مما هو مطلوب لملاحقة تجار المخدرات، بل سيركز جل جهوده على ملاحقة من يبصقون في الشوارع، ويرمون القاذورات فيها، وأولئك الذين يخالفون أنظمة المرور، حتى البسيط منها، والقبض على من يقومون بتشويه جدران المباني وعربات القطارات برسوماتهم القبيحة، وكلماتهم البذيئة، فمقترفو الجرائم الصغيرة هؤلاء هم مجرمو المستقبل الكبار، وعندما ينتهي من هؤلاء سيقوم بملاحقة عتاة المجرمين، وبالفعل حدثت المعجرة، وأصبحت نيويورك اليوم، التي كانت الأسوأ أمنيا بين المدن الكبرى، من أفضلها وأكثرها نظافة! وبالتالي لو قام وزير الداخلية الكويتي، في حينه، بمحاسبة «المدير» الذي فاجأ الجميع قبل 3 أو4 سنوات بالإعلان عن انتهاء مخزون الدولة من جوازات السفر، بسبب خطأ في توقيت الطلب! ولو تمت محاسبة ومعاقبة من سرب هاتفا لسجين، ولو تم طرد أي رجل أمن يستهتر في أداء مهامه الأمنية والوظيفية، من دون الالتفات لتدخلات «قبيلته ونوابه»، لما تجرأ اليوم زملاء لهم على تزوير عشرات آلاف أذون الزيارة غير القانونية وتحقيق الملايين من ورائها. ولو عوقب من وافق على الطباعة السيئة لجواز السفر الحالي، لما أقدم زميل أو زملاء له على سرقة أكثر من 1200 كرتون من المشروبات الروحية، أو هذا ما أشيع، من مخازن وزارة الداخلية، التي يفترض أنها قلاع محصنة! ولكن يبدو أننا نكتب ونتحلطم ونشتكي، والخراب مستمر، وفي تزايد!

أحمد الصراف
[email protected] 

محمد الوشيحي

الدول على أشكالها تقع

أربعة كنا، ضمن طلبة ضباط الكلية الفنية العسكرية في القاهرة، الكاتبجي بقامتي الطويلة النحيلة التي توحي بأن أصل الإنسان ماسورة… و”ويللو”، واسمه “الوليد”، وهو من “العرب” كما يسميهم المصريون، باعتبار أن أصولهم من الجزيرة العربية، ويساويني طولاً، بيد أن المسافة بين كتفيه تتوه فيها القوافل، ففي الجزء الشمالي الشرقي من صدره يمكنك أن تزرع حشائش لملعب غولف، وفي جزئه الجنوبي يمكنك “تشبيك محمية”، أما الجزء الغربي فمنطقة متنازع عليها بفعل الاستعمار! وعلى أطراف كتفيه يتدلى ذراعان سميكتان، لن تكون في يوم سعدك إن هبدك بإحداهما من باب المزاح، ولن تكون في التعداد السكاني القادم إن ركلك برجله. متابعة قراءة الدول على أشكالها تقع

سامي النصف

الرئيس مرسي كوميديا بالحكم وبالمحكمة!

تقول نكتة مصرية إن أول رئيس لجمهورية مصر هو محمد نجيب والثاني جمال عبدالناصر والثالث السادات والرابع مبارك، فاصل كوميدي، والخامس عدلي منصور. ونشرت جريدة مصرية كاريكاتير يظهر الممثل سعيد صالح وهو يخاطب الرئيس السابق محمد مرسي قائلا «مرسي الزناتي يبقى جنبك ولا حاجة يا ريس» بعد العرض الكوميدي الفاقع إبان الجلسة الأخيرة لمحاكمته عندما صرخ مرسي على القاضي «انت مين واحنا فين؟»، قد يكتشف المصريون لاحقا أن القاضي  عدلي منصور بعلمه ورزانته وثقافته الدستورية قد يكون أحد أفضل الحكام الذين مروا بتاريخ مصر.

***

وقطعا يملك الإخوان من العقول من ينبئهم بأن الدفاع عن الرئيس المخلوع محمد مرسي العياط قضية خاسرة حتى النخاع ولا تستحق خسارة الشعب المصري أو حرق أرض الكنانة لأجلها، وأن خطأ التمسك بحكم مرسي أكثر فداحة وضررا من التحالف مع الملك فاروق ثم اغتيال رؤساء وزاراته، والتحالف مع ناصر ثم محاولة اغتياله، والتحالف مع السادات واغتياله، والتحالف مع مبارك والانقلاب عليه، والحال كذلك مع القوى السلفية والوطنية واليسارية والليبراليية المصرية التي تحالفوا معها ثم انقلبوا عليها بعد فوز مرسي بقصد احتكار الحكم.

***

ونشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية دراسة أوضحت أن اعتدال وتعقل سلف مصر يرجع إلى كونهم مرتبطين تنظيميا بسلف الكويت، وفي دراسة نشرتها إحدى الصحف المصرية مؤخرا ان هناك قوى اخوانية فاعلة تخطط لاستبدال القيادة المصرية للتنظيم الدولي والمصري بقيادات غير مصرية بعد الاخفاقات الشديدة لحكم المرشد والشاطر ومرسي الذي عادى القضاة ثم قيادات الجيش والقوى السياسية والفعاليات الاقتصادية والإعلاميين والأزهر والسلف وقطاع السياحة، وكل ذلك في أقل من عام من الأخطاء الكبرى، ما مهد لأن يخرج الشعب المصري عن بكرة أبيه في أكبر تظاهرة في تاريخ مصر منذ نشأتها مطالبا بإسقاطه.

***

وأعتقد أن قيادة الإخوان في الكويت هي المؤهل الحقيقي لقيادة التنظيم العالمي للإخوان واحتلال منصب المرشد العام كونها قيادة لم تعانِ كحال القيادات العربية للاخوان من القتل والتعذيب والتهجير والمعتقلات الرهيبة التي تخرج أسوأ ما في الإنسان من أحقاد ورغبة في الانتقام وعدم التسامح والغدر، إضافة إلى أن السجل القهري والتهجير القسري يسهلان عملية التجنيد، ومن ثم الاستخدام لاحقا لتدمير الأوطان وحتى لربما تدمير تنظيم الإخوان تحت رايات ظاهرها رحمة وباطنها عذاب.

***

لقد أثبتت قيادات الإخوان في الكويت وخلال مسار الأربعين عاما الماضية نجاحات كبرى على مستوى الكويت والإقليم بعكس إخفاقات الإخوان في المنطقة العربية (مصر، سورية، الجزائر… إلخ) كما عرفت القيادة الكويتية للاخوان بالبرغماتية الشديدة من حيث علاقتها بالقوى الوطنية والليبرالية واليسارية وحتى السلفية وأكبر الدلائل على تلك المرونة ما حدث مع الحكومة الكويتية الحالية من عداء شديد لها قبل عام تمثل في النزول للشوارع للمطالبة بالحكومة الشعبية ثم دخول الاخوان في الحكومة الحالية بأكثر من وزير هذه الأيام.

***

آخر محطة: قد يكون المانع الحقيقي لتولي إخوان الكويت- رغم أهليتهم الشديدة لمنصب المرشد العام للاخوان المسلمين في العالم- هو.. إعلانهم المتكرر، أي إخوان الكويت، عدم وجود اخوان مسلمين.. في الكويت!

 

 

حسن العيسى

تعالوا إلى كلمة سواء

بصرف النظر عن مآل دعوى حل جمعية الإصلاح الاجتماعي، التي أقامها أحد المحامين بحجة ممارسة الجمعية للعمل السياسي -وهي لا تتفرد بتلك الممارسة- فالقدر المتيقن الذي يفترض الاتفاق عليه، هو رفض كل عمل ينطوي على استبعاد الآخر المختلف معنا، والقول بغير ذلك لا يعني غير الاستبداد، وفرض الرأي الواحد، ونفي للحرية والديمقراطية، ولا معنى أن يتحجج البعض بمقولة لا حرية لأعداء الحرية، وهي بالمناسبة مقولة روسبير، أحد رواد الثورة الفرنسية في بداياتها، وزعيم من زعماء سنوات الإرهاب، تحت مظلة مثل هذا الشعار يمكن ممارسة شتى أشكال القمع بحجة بناء الحريات والديمقراطية، وهذا ما يحدث اليوم في مصر بعد الانقلاب الأخير، وقيام العسكر هناك بقمع الإخوان ومن يناصرهم، ووصم الجميع بتهم الإرهاب، والنتيجة المؤكدة خلق الإرهاب على أرض الواقع، وهذا ما يحدث الآن في مصر.
ليس سراً أن جمعية الإصلاح الاجتماعي هي الإطار الرسمي "غير المعلن" لحزب الإخوان المسلمين في الكويت، ولم يكن موقف الجمعية مبدئياً لقضية الحريات والديمقراطية حين حلت السلطة "نادي الاستقلال" القومي – اليساري بعد حل برلمان 76، وفضلت الجمعية حينها مهادنة السلطة والسير في ركابها، لكن ذلك لا يعني أن نبقى أسرى التاريخ، ونبحث عن أسباب للثأر من مواقف قديمة، أو التشفي مما حدث في زمن مضى. تلك مسألة مبدئية، ولا يصح الحياد فيها، فالزمن يتبدل، ويمضي معه التاريخ للأمام والمواقف تتغير تبعاً له.
في المقابل، من غير المقبول أن تصدر تصريحات متشنجة منسوبة للجمعية ومن يناصرها كرد فعل على الدعوى القضائية لحل الجمعية، تصم الآخرين دون تمييز بالعلمانية والليبرالية، وكأنها جرائم لا تغتفر، فمن غير المفهوم أن تؤيد حركة الإخوان إقرار الدستور التونسي، الذي يؤكد مدنية الدولة، بما يعني رفض الدولة الدينية المتسلطة من جهة أو الهيمنة العسكرية من الجهة الأخرى، بينما نجد في ردود الفعل على الدعوى القضائية مما لا يتوافق مع الرأي التقدمي لبعض أنصار حدس المناصر للدستور التونسي، فليكن مثل هذا الدستور نموذجاً يقتدى به سواء للإخوان أو لغيرهم، مثل ذلك الدستور الرائع يبقى القدر الثابت والأصيل نحو عالم التقدم والديمقراطية في دنيا التعاسة العربية، لنتفق عليه، ولنتوافق على مضامينه، فحزب النهضة بتونس ضرب مثالاً رائعاً في مفهوم التسامح والتنازل عن هيمنة الأكثرية، لتسير السفينة التونسية نحو الأمام، ولتظل تونس نبراساً للربيع العربي بعد انتكاسات محزنة في معظم أقطار هذه الأمة، لنتفق على ذلك ولننته.

احمد الصراف

المحافظ الذي لم يحافظ

“>أبدى الكثيرون إعجابهم بالشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، عندما أقدم على الاستقالة من منصبه المرموق كمحافظ للبنك المركزي. ودلت استقالته وقتها على تمسك الرجل بموقفه الواضح من الكثير من القرارات الحكومية، واعتراضه على جملة من القرارات الحكومية المالية، خصوصاً ما تعلّق منها بالهدر الرهيب في بند زيادات الرواتب التي افتقرت الى الحصافة، والتي سيدفع الجميع، حتى الذين زيدت رواتبهم، ثمنها لاحقاً في تضخم فاحش، وغلاء في كل مجال.
ولكن هذا الإعجاب تلاشى عندما قبل الشيخ سالم بتعيينه في حكومة سبق أن رفض قرارات رئيسها، وقبل منصب وزير المالية، وهي الجهة التي سبق أن اشتكى من سوء قراراتها؟ ولكن البعض الآخر استبشر خيراً بقبوله التكليف، وأنه ربما عيّن أو جاء ليصلح ما سبق أن اشتكى منه، أو ما كان عاجزاً عن إصلاحه، عندما كان يأتمر بأمر وزير المالية، وأن البلاد ستشهد لجماً قوياً للصرف غير المبرر في عهده.
ولكن الرجل فاجأنا، أو ربما خيّب آمالنا، عندما قضى جل وقته في وزارة المالية، التي تهيمن على جميع الأجهزة المالية والاقتصادية، ولم يتمكن من القيام بأي إصلاح يذكر.
ثم جاء التعديل الوزاري الأخير، ولم تبدر من الشيخ سالم أي مبادرة تشير إلى اعتكافه، سوى خبر مقتضب عن اعتذاره عن المنصب لأسباب صحية(!) وهنا أيضاً، كان مفاجئاً، كبقية المفاجآت الأخرى التي زخرت بها الحكومة الأخيرة، خلو التشكيل الوزاري من اسمه! ثم جاءت الصدمة عندما أجرى الشيخ، والوزير السابق، سالم الصباح، مقابلة صحفية حذّر فيها من المخاطر الاقتصادية المتوقعة، في حال استمرار انفلات الصرف الحكومي غير الطبيعي، والهدر المالي المتسارع والذي سيتسبب حتماً في خلخلة وضع الدولة المالي في المستقبل القريب، وما سيؤدي اليه من عجز كبير. وطالب بترشيد الدعم وقصره على المستحقين الحقيقيين، وإيقاف الإنفاق عند مستوياته الحالية. وقال إن العجز المتراكم في الفترة من 2016 وإلى 2030 سيصل إلى مائة مليار دينار تقريباً! وتضمنت المقابلة تحذيرات كثيرة أخرى.
والسؤال هنا، لماذا لم يشترط، قبل دخوله الوزارة، أن تكون مهمته إصلاح ما يعتقد باعوجاجه؟ ولماذا لم تبدر منه أي مبادرة إصلاحية، وهو أهم وزير في الوزارة؟ وما الذي فعله «معاليه» أثناء توليه الوزارة المختصة بموازنة الدولة وصحتها المالية؟ ولماذا قبل تولي المنصب أساساً، وهو العالم بعجز من يتولاه عن فعل شيء بوجود «حكومة ظل»؟ ولماذا لم يستقل من الوزارة، وهو الذي امتلك ما يكفي من قوة الشخصية والإرادة للاستقالة من منصب محافظ البنك المركزي، عندما اكتشف عجزه التام؟
نحن هنا لسنا بصدد مهاجمة الرجل، فربما كانت له «أسبابه» الخاصة، بل لنبين مدى العجز الذي وصلنا إليه. فإذا كانت مشاكلنا وقضايانا المالية، الأكثر سهولة في الحل، بمثل هذا السوء، فما هو وضع القضايا الأكثر صعوبة؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

مبارك الدويلة

مستعجلين!

صحيح أنَّ التوجه الليبرالي يسعى جاهداً لتغيير كثير من العادات المحافظة وطمس التقاليد الإسلامية للمجتمع الكويتي، وقد نجح، إلى حد ما، في إدخال بعض مظاهر التغريب إلى البلد، وما زال جاهداً يسعى إلى تحويل المجتمع المسلم المحافظ إلى مجتمع تغلب عليه العادات والتقاليد الغربية، مستعيناً بآلة الإعلام الضخمة التي يملك كل خيوطها، من صحف يومية وقنوات فضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن مع هذا يجد مقاومة كبيرة من الغيورين على بلدهم ومستقبل أجيالهم من المنتمين إلى التيار الإسلامي ومن غيرهم من الكويتيين الذين تربوا على مكارم الإخلاق والذين شاهدوا ويشاهدون كل يوم نتائج هذا التغريب على الشباب المغرر به، وعلى الأسرة الكويتية والتفكك الذي أصابها! متابعة قراءة مستعجلين!

احمد الصراف

عشاء الظلام

تأثرت كثيرا بنص ورد على الإنترنت منسوب لألوين منيسز من سنغافورة، يقول فيه انه دعي لحضور حفل عشاء في جمعية للمكفوفين، وأنه قَب.لها بعد تردد. وهناك وجد 40 مدعوا آخر. بدأ البرنامج بعرض فيلم يتعلق بأنشطة الجمعية وكيفية التعامل مع المكفوف، وكيف يعيش هؤلاء حياتهم. ثم قالت المشرفة ان الجميع سيقضي الساعتين التاليتين في ظلام دامس، وأن العشاء، المكون من خمسة أطباق، سيتم تناوله في صالة طعام مظلمة تماما، وان من سيقوم بالأخذ بأيدينا لأماكن جلوسنا وخدمتنا طوال ذلك الوقت، وتلبية كل احتياجاتنا، سيكونون جميعا من المكفوفين. أطفئت الأنوار، وأخبرتنا المشرفة بأن علينا أن نتخيل، ونحن نجلس على طاولة الطعام، أن الصحن الموجود أمامنا يمثل ساعة، وأن عند علامة رقم الساعة 3 توجد ملعقة، وعلى الجانب الآخر من الساعة، حيث الرقم 9 هناك شوكة، وعند الساعة 12 هناك ملعقة صغيرة، وعند الساعة 2 كأس ماء فارغة، وعند الساعة 6 توجد محرمة ورق. وقيل لنا ان هناك إبريقين سيمرران علينا، الإبريق ذو الجدار الأملس يحتوي على ماء، والآخر ذو الجدار الخشن يحتوي على عصير برتقال. وعندما نحدد اختيارنا، نقوم بسكب الماء أو العصير في الكأس الموضوعة عند الساعة 2، ولكي لا يفيض علينا وضع اصبع السبابة بداخله لنتلمس مستوى السائل.
بالرغم من أننا أجبنا جميعا بنعم، على سؤال المشرفة المتعلق بفهمنا لتعليماتها، إلا أن الارتباك سرعان ما طغى على تصرفات الجميع، واصبح كل واحد يسأل الآخر عن مكان الملعقة أو الشوكة. ويقول منيسز انهم امضوا ساعة ونصف الساعة من المتعة الحقيقية في صالة لا يمكن للواحد فيها من رؤية شيء حتى إصبعه، وان الجميع تناول طعاما لا يعرف لونه ولا شكله ولا مما يتكون حقيقة. ويقول ان المتطوعين المكفوفين قاموا بمهمة الإمساك بأيديهم وإجلاسهم على مقاعدهم بطريقة مميزة، من دون الاصطدام بشيء. كما قاموا بتقديم وجبة العشاء بطريقة دقيقة، ومن دون الوقوع في أي خطأ. وقال منيسز ان شعورا غريبا اكتنف الأربعين مشاركا، وهم يجربون قيام مكفوفين بإرشادهم والتحكم في تحركاتهم وخدمتهم على الطاولة، بدلا من أن يحدث العكس. وينهي منيسز تجربته بالقول ان المشرفة سألتهم، بعد انتهاء العشاء، إن كان الجميع قد تناول الأطباق الخمسة، حسب رغبته، أجاب الجميع بنعم، وعندما أشعلت الأنوار، تبين أن الدموع كانت تملأ مآقي الجميع، تقريبا، وهم يرون المكفوفين الثلاثة، الذين قاموا بذلك العمل الدقيق، يقفون أمامهم، ولم يكن بإمكان أحد غيرهم القيام به في ذلك الظلام الدامس!
وأعتقد شخصيا أن حياة الكفيف هي الأصعب من بين أقرانه ذوي الاحتياجات الخاصة، والأكثر مدعاة للألم، ومع هذا لا تعطيها مجتمعاتنا ما تستحق من اهمية، مقارنة مثلا بالعناية التي يلقاها السائل والمحروم وابن السبيل. والغريب في البشر أن من يصاب بزكام، او يتعرض لحادث مروري سخيف على استعداد لتخريب حياة كل من حوله، من دون أن يدرك كم هو سعيد، لأنه لا يشكو من متاعب بصرية أو غيرها!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

زار «الدوائر الحمراء»

 

كم هو عار كبير أن يؤسس بضع نفر من الناس المهووسين بالطائفية والكراهية موضة «الدوائر الحمراء» على مخالفيهم ثم يصبح المجتمع البحريني هو أكثر المجتمعات، مع شديد الأسف، ريادةً وتميزاً في هذا الفعل الشنيع؟

وكم هو خبيث ذلك السلوك الذي أصبح ملازماً لحفلات زار طائفية بغيضة، بل يمضي أصحابه ضمن نواياهم الخبيثة أيضاً في استمرار ذلك الفعل حتى لو كان هناك بصيص أمل، ولو بنسبةٍ ضئيلة، لإخراج البلد من أزمتها السياسية!

نقاشات كثيرة شهدتها المجالس والمنتديات واللقاءات على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، كان من بين ما ناقشته موضوع التفريق بين «السياسي» و«المذهبي»، إلا أن هذه النقاشات رغم عمق معالجتها من قبل سياسيين وناشطين ومثقفين في مجتمعنا، بقيت في دائرة «الدواويح الحمراء». بمعنى أن هناك نشوءًا لمنهج يقوم على أساس تخوين كل من يختلف مع أصحاب «زار الدوائر الحمراء» مهما كان موضوع الاختلاف، سياسياً أم مذهبياً!

ولهذا، تواصل جراثيم «الدواويح» عملها في مواقع الكترونية وحسابات تواصل اجتماعي لتستهدف كل من وضعته هي بمزاجها، في دائرة التخوين، وبالتالي، وفي وقت تحتاج فيه البلاد إلى العمل المخلص لإنهاء الأزمة السياسية، نجد أن البعض ابتكر بخبثه المعتاد، استهداف من يريد استهدافه تحت عناوين من قبيل: «حتى لا ننسى الخونة»، أو «هؤلاء هم من تريدون التحاور معهم». وقد تجد أسوأ من تلك العناوين من قبيل: «لن نترك الخونة في سلام»، وتتشارك جراثيم الدواويح الحمراء في حفلة الزار بتقديم تشكيلات من الصور في مسيرات واعتصامات وفعاليات وأكثرها بالطبع في دوار اللؤلؤة، تقاطع الفاروق، دوار الشهداء، دوار مجلس التعاون، وسمه ما شئت، ليعود الهوس لدى البعض بتدويح صور من وقع عليهم الاختيار، لتنهال بعدها عبارات التخوين والشتم والدعوات للقتل والدموية والقصاص والتسفير والتدمير.

ثمة ردة فعل مغايرة من جانب المستهدفين أنفسهم، يجدها البعض ردة فعل طبيعية ويجدها فريق آخر أنها «لا تناسب المرحلة والناس تريد تبريد الأجواء وتهيئة المجال للإنصاف والمصالحة»، لكن في كل الحالات، ولطالما أن هناك من يقبل القول بأن عالم المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي ما هو إلا عالم «افتراضي» تكثر فيه الأسماء المستعارة والنوايا المخبأة والأهداف المشبوهة، عليه أن يطبق هذا القول على من قام برد الفعل من خلال نشر صور وتغريدات ومواقف لأناس عرّضوه للضرر واتهموه وخوّنوه.

وفريق آخر أعاد تذكير الناس بتصريحات وتغريدات لمسئولين وسياسيين وناشطين أسهموا بدرجة كبيرة في تأجيج الاحتقان الطائفي وإحداث شرخ ليس من السهل علاجه، وصل إلى حد التكفير ودعوات القتل المسمومة بسلاح الدفاع عن الوطن، حتى أصبح جلياً لدى الكثير من المواطنين أن هناك فئة من المؤزّمين والطائفيين ممن ملأوا الدنيا صراخاً بدعوات حب الوطن، ما هم إلا تجار أزمات ولا يمكن أن يعيشوا في أجواء سلام وإنصاف وقانون وحقوق. بل ربما اهتزت أركانهم وشعروا بزلزال عنيف حينما يبصرون بأن حقوقاً بالمساواة والمواطنة ستشمل كل المواطنين، ولو فرضاً وتخميناً، فتكون ردة فعلهم إطلاق ذات النيران المدمرة التي تحذر من «الخونة» و»المتآمرين» على حد زعمهم، وإنهم لم ولن يقبلوا بحوار أو تفاهم أو حلول يشارك فيها أولئك الأعداء العتيدون.

لا بأس… من الممكن تجاوز مثل هذا العبث الصبياني في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وما لف لفها باعتباره من أعمال أصحاب البطولات «الكارتونية» من خفافيش الظلام، ومن المقبول أيضاً تجاوز بضع كتابات لعدد من الصحافيين والكتاب الذين تأسست أفكارهم على الصدام الطائفي فأصبحوا أسرى لهذا الطرح والمنهج، لكن أن يكون هناك سياسي أو ناشط أو شيخ دين أو برلماني، حالي أم سابق، ينتمي إلى تجمع أو ائتلاف أو جمعية، وربما يكون عضواً في حوارات ونقاشات ومرئيات، ويقف أمام الناس ليكرر مقولات من قبيل: «تحدّث إلى جماعتك الشيعة… لا علاقة لك بالمواطن السني»، فيما آخر يخطب صادحاً: «حذرنا من الإنقلابيين فلن نضع اليد معهم»، فإن هذه واحدة من النماذج التي تشير إلى تطوّر نمطية «الدواويح الحمراء» لتصبح منهجاً تأزيمياً يلزم إيقافه بالقانون… فهل ذلك ممكن؟

ليس الربط بين التحولات الإقليمية من حولنا ومدى الحاجة إلى إنهاء الأزمة سياسياً بالأمر المغفول عنه، لكن الأمر الأخطر المغفول عنه فعلاً هو أن يتحطم المجتمع البحريني على يد أصوات لا تريد للوطن خيراً ولا سلاماً. إنما تريد لتجارتها وحساباتها أن تتضاعف وتنتعش مع دوام الأزمات. هؤلاء هم من يجب أن توضع على صورهم الدوائر الحمراء وينالوا عقابهم إن كان في النية فعلاً إنقاذ البلد.