مبارك الدويلة

«أصبح الحليم فينا حيران»

مع ان الامور تسير معكوسة في هذا الزمان، ومع اننا في زمان «أصبح الحليم فيه حيران»، ومع ان الباطل اصبح حقاً واصبح الحق باطلاً، ومع سرعة تغير الاحداث ومواقف الدول، ومع انتشار نفسية اليأس والاحباط عند العامة والخاصة، الا ان الامل بعودة العقل الغائب مازال موجودا! فلم تصل الامور عندنا الى ماعانت منه اوروبا في القرن الماضي، فالذي يقرأ التاريخ لايملك الا ان يبتسم تفاؤلاً.. حين يلتفت الى ما يحدث اليوم في اقطارنا العربية والاسلامية، الشام واليمن ومصر وغيرها، ولعل تاريخ اوروبا الغربية القريب خير شاهد.. اذ كم عانت من الفوضى والبطش والاضطراب قبل ان تحظى اخيراً بالهدوء والاستقرار! متابعة قراءة «أصبح الحليم فينا حيران»

حسن العيسى

فقه الفستق

لم يخرج الدكتور يحيى الجمل نظام الصوت الواحد في الكويت من جيبه في لقاء جريدة الجريدة، ممكن أن نتصور، في الأغلب والأرجح، أن الكبار في السلطة طلبوا منه، وربما من غيره من أساتذة القانون الدستوري، أن يجدوا لهم مخرجاً من صداع المعارضة، ففصل لهم أستاذنا نظام الصوت الواحد. الدكتور يحيى الجمل قام بدور مثقف ومنظر السلطة، فالسلطة، عادة، بحكم ثقافتها المحدودة تلجأ إلى أصحاب "الفكر" (أتحفظ عن كلمة فكر قليلاً) ليفتحوا لها منافذ تستطيع عبرها إقناع الشعب برجاحة رأيها، أو "اجتهاد الفقيه" الذي يصب في مصلحتها حسب الطلب، ولو حدث أن تغير صاحب السلطة، أو تغيرت قناعاته، تعود هذه السلطة مرة أخرى لهذا أو ذاك الفقيه ليجد لها مخرجاً آخر يتفق مع رؤيتها الجديدة المتغيرة، وطبعاً، تخرج الفتوى الجديدة لتتلاءم مع طلبها الجديد والواقع المتغير.
دائماً هناك "منيو" طلبات يعرضها "المثقف، الفقيه، رجل الدين والدنيا" على الزبائن من أصحاب السلطان والقوة، ولهذا الزبون المقتدر أن يختار من القائمة ما يناسب معدة الحكم، وفي الأغلب يقترح "المتر" المثقف الفقيه ما هو الأصلح والأفضل والأشهى من مطبخه الخاص، وتتم "الطبخة" حسب الوصفة، والتي تكون أفضل لمحتكر السلطة، وإن استفرغها الناس وعجزت أمعاؤهم عن هضمها، فهذا ليس من شأن الحكم ولا من شأن عكازاته الفكرية.
لا حاجة، اليوم، إلى أن نستذكر كتابات علي الوردي عن فقهاء السلطان، ولا إبداعات غرامشي أو تلميذه إدوارد سعيد عن المثقف العضوي الذي يقف دائماً على مسافة من السلطة أياً كانت طبيعتها مستبدة أو ديمقراطية، همه بداية ونهاية هو النقد، وهو نقد الواقع والبحث عن المثال "اليوتوبيا". يكفينا الآن أن نتذكر ما نسب للإمام أبي حنيفة النعمان حين قال لتلميذه أبي يوسف متنبئاً لمستقبله: "ستأكل بفقهك الفستق واللوزينج"، وقد أكل، ورحم الله الاثنين.

احمد الصراف

إقبال وجولياني والجواز

اشتكت الزميلة إقبال الأحمد من أن ملامح جواز سفرها الذي لم تمر 5 سنوات على صدوره، انمحت، وأصبح لا يحمل اسم الدولة ولا شعارها، ويصعب على من يطلع عليه معرفته من أول نظرة. وأقول للزميلة إنني تعرضت لموقف طريف في مطار اسطنبول، وفي يوم نشر مقالها نفسه، حيث أخذ رجل الأمن يقلب جواز سفري من جهة لأخرى لمعرفة هويته، وعندما عجز عن ذلك، وربما كان جديداً في عمله، سألني عن جنسيتي، فذكرتها له، فطلب مني أن أضع ملصقاً على الجواز يبين اسم الدولة! علماً بأن جوازي جديد، مقارنة بجواز الزميلة إقبال!
عندما أصبح رودولف جولياني عمدة لمدينة نيويورك (1994 – 2001) أكبر مدن العالم، قام فور تعيينه بالإعلان عن نيته إعطاء اهتمام كبير للجرائم الصغيرة Petty crimes، وقال إنه ليس معنيا في المرحلة الأولى بحروب رجال المافيا، أو متابعة جرائم القتل، أو بذل جهد أكثر مما هو مطلوب لملاحقة تجار المخدرات، بل سيركز جل جهوده على ملاحقة من يبصقون في الشوارع، ويرمون القاذورات فيها، وأولئك الذين يخالفون أنظمة المرور، حتى البسيط منها، والقبض على من يقومون بتشويه جدران المباني وعربات القطارات برسوماتهم القبيحة، وكلماتهم البذيئة، فمقترفو الجرائم الصغيرة هؤلاء هم مجرمو المستقبل الكبار، وعندما ينتهي من هؤلاء سيقوم بملاحقة عتاة المجرمين، وبالفعل حدثت المعجرة، وأصبحت نيويورك اليوم، التي كانت الأسوأ أمنيا بين المدن الكبرى، من أفضلها وأكثرها نظافة! وبالتالي لو قام وزير الداخلية الكويتي، في حينه، بمحاسبة «المدير» الذي فاجأ الجميع قبل 3 أو4 سنوات بالإعلان عن انتهاء مخزون الدولة من جوازات السفر، بسبب خطأ في توقيت الطلب! ولو تمت محاسبة ومعاقبة من سرب هاتفا لسجين، ولو تم طرد أي رجل أمن يستهتر في أداء مهامه الأمنية والوظيفية، من دون الالتفات لتدخلات «قبيلته ونوابه»، لما تجرأ اليوم زملاء لهم على تزوير عشرات آلاف أذون الزيارة غير القانونية وتحقيق الملايين من ورائها. ولو عوقب من وافق على الطباعة السيئة لجواز السفر الحالي، لما أقدم زميل أو زملاء له على سرقة أكثر من 1200 كرتون من المشروبات الروحية، أو هذا ما أشيع، من مخازن وزارة الداخلية، التي يفترض أنها قلاع محصنة! ولكن يبدو أننا نكتب ونتحلطم ونشتكي، والخراب مستمر، وفي تزايد!

أحمد الصراف
[email protected]