سامي النصف

الحل المؤسسي والحقيقي لإشكال النفط!

الحل الحقيقي لإشكال القطاع النفطي هو ضرورة البحث في جذوره لضمان عدم تكراره، حيث إن التعامل بعيدا عن ذلك النهج يعني تكرار الخطأ في القطاع نفسه أو أي قطاع آخر، وهو أمر معتاد في بلدنا، فالحفر التي نسقط فيها نخرج منها لنسقط فيما هو أكبر وأعمق منها، بل اننا في أحيان كثيرة يشغلنا العوار الشديد للسقطة الجديدة عن التفكير في عدد الحفر التي سقطنا فيها قبل ذلك في مشوارنا الطويل.

***

أول إشكالات ما حدث هو حقيقة أن الوزراء «ومثلهم النواب» لا يتم عمل كورسات إعداد وتأهيل لهم كحال الدول المتقدمة، توضح حقوقهم وواجباتهم وأين تقع خطوط تماسهم مع رئيسهم من جهة ومن جهة ثانية مع مرؤوسيهم ومع زملائهم الوزراء ومع الجهات الأخرى بالدولة؟ أي ما حدود ما يحق لهم عمله دون الرجوع للآخرين وما لا يجوز لهم التصرف فيه دون الرجوع للآخر؟ ولا يصح في هذا السياق أن يعقد الوزير اتفاقا مع النقابات على سبيل المثال ثم يعرضه على مجلس الوزراء، حيث يجعل هذا الأمر المجلس في مواجهة النقابات وداعميها من النواب دون ذنب.

***

إن عدم التكرار يفرض منع الوزير من التفاوض وحده مع النقابات (في العادة هم أول الزائرين) فيقرر ما يقرر ويوافق على ما يوافق، اما بغفلة أو لكونه مفاوضا سيئا أو منعا لاستجوابه أو بقصد التكسب الانتخابي اللاحق، فالمفروض ألا يتم التفاوض إلا بوجود مفاوضين محترفين معه يمثلون الأمانة العامة لمجلس الوزراء والخدمة المدنية و«الفتوى والتشريع» وحتى ديوان المحاسبة، وعدا ذلك سيكون هناك فارق بين مفاوض يحافظ على ثروة الكويت ومفاوض يهدرها.

***

والمشاركة في النجاح يقصد منها فقط دفع مكافآت عندما ينجح العاملون بجهدهم الذاتي في مضاعفة الأرباح، وعادة ما تختلف من عامل إلى آخر، ولا يقصد منها إطلاقا دفع مكافآت وحوافز غير مرتبطة بالإنتاج وصرف أموال لأرباح تحققت بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق الدولية، حيث لا يوجد مثيل لما تم في الدول النفطية الأخرى، ولا حتى لدى عمال مناجم الذهب الذي ارتفع سعره عشرات ومئات المرات في الأسواق العالمية خلال السنوات الماضية، وحتى نتوقف عن فكرة «احنا غير» المدمرة يجب ألا يصدر تشريع أو تصرف أو مكافأة أو علاوة دون إثبات أنها أمر معمول به في الدول الأخرى.

***

آخر محطة: 1 ـ في عام 2007 كنت أمثل مجلس إدارة «الكويتية» في عملية التفاوض مع قطاع فني بالمؤسسة عندما دخل علينا وزير شعبي لم يمض على تعيينه في المنصب إلا ساعة واحدة موجها كلامه لممثلي ذلك القطاع قائلا: «أنا معاكم ضد مجلس إدارة «الكويتية»، أنا مع كل الطلبات اللي تقدمتم بها وأي شيء تطلبونه مستقبلا، أنا أعدكم راح اطلع لكم كل تلك الطلبات من مجلس الخدمة المدنية، بس تكفون لا تضربون، تكفون لا تصرحون للصحافة، تكفون لا تكلمون النواب للدعم وأنا أحقق لكم كل شيء».

في اليوم التالي بدأت الإضرابات تعم البلاد مع اكتشاف النقابات المختلفة سهولة تحقيق الطلبات بمجرد التهديد بالإضراب، وأن سد موافقة مجلس الخدمة المدنية قد انهار في لحظات.

بالطبع كان القصد من ذلك «الشو.. التباهي أمام المسؤولين ولم يتحقق شيء مما وعد بتحقيقه..».

احمد الصراف

جرائم الكهنة والخمس

انتقدت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، للمرة الأولى في تاريخ المنظمة الدولية، الفاتيكان، الصرح الكاثوليكي الأكبر، والذي يتأثر به أكثر من مليار مسيحي، لدوره المخجل في حماية الكهنة والتغطية على جرائم اعتداءاتهم الجنسية على الأطفال، العاملين معهم أو الموجودين في كنفهم، وكيف أن هذه الحماية جعلت من قضية الاعتداءات أمرا روتينيا، وزادت من اتساع نطاقها لتشمل دول العالم أجمع، وليصبح ضحاياها بعشرات الآلاف. كما طالبت اللجنة البابا فرانسس شخصيا بالتدخل وتخليص الكنيسة من رجال الدين المتورطين بمثل هذه الجرائم، أو الذين حامت الشكوك حولهم. كما انتقدت اللجنة رفض الفاتيكان الافصاح عن اسماء الكهنة المدانين، أو حتى الكشف عن خططها المستقبلية المتعلقة بالقضاء على مثل هذه الجرائم، أو حتى الحد منها. ويحدث ذلك بعد اتساع نطاق المتورطين في مثل هذه الجرائم، وقدمها التاريخي، وكأنها إرث لا يمكن التخلص منه!
ما يهمنا تأكيده هنا أن أي سلطة دينية كانت أو مدنية مطلقة لا يمكنها مقاومة إغراءات الانحراف، فهذا من طبائع الأمور. فكل سلطة مطلقة هي فاسدة ومفسدة حكما، متى ما غابت الرقابة عنها. كما تبين هذه الحادثة، غير المسبوقة، والتي أجبرت المنظمة الدولية لتوجيه النقد لصرح ديني هو الأكبر في العالم، ان كل سابق اتهاماتنا لها بعدم الحيادية لم تكن دقيقة دائما، وخاصة ما تعلق منها بانتهاكات الكثير من دولنا، إن لم يكن كلها، لحقوق الإنسان فيها. كما بين انتقاد المنظمة للفاتيكان أن المؤسسة الدينية ناد مغلق على اصحابه، وثوب السرية، النابع من القدسية، الذي تسعى جاهدة للتستر وراءه، يجب ألا يمنع اي جهة من توجيه النقد لها ومراقبة أنشطتها ومتابعتها، فهي لا تمثل إلا نفسها، وليسوا وكلاء الله على الأرض!
نعم هناك خراب أخلاقي كبير في العديد من المؤسسات الدينية غير الإسلامية، ولكن مجال النقد الكبير المتاح سيعدل في نهاية الأمر من أوضاعها، أو على الأقل يقلل ما بها من فساد إداري واخلاقي ومالي، ولكن هل تسمح المؤسسات المماثلة لدينا بمثل هذا النقد؟ وهل ثمة من يقبل الإقرار بفساد المؤسسات الدينية لدينا، وانحراف القائمين عليها، أو السؤال عن موازنة الأزهر مثلا، أو التساؤل عن مصير ما يجمع باسم «الخمس»، والذي ربما لا يعرف غالبية من يجمع باسمهم، إلى أي جيب ينتهي؟

أحمد الصراف