محمد الوشيحي

الدول على أشكالها تقع

أربعة كنا، ضمن طلبة ضباط الكلية الفنية العسكرية في القاهرة، الكاتبجي بقامتي الطويلة النحيلة التي توحي بأن أصل الإنسان ماسورة… و”ويللو”، واسمه “الوليد”، وهو من “العرب” كما يسميهم المصريون، باعتبار أن أصولهم من الجزيرة العربية، ويساويني طولاً، بيد أن المسافة بين كتفيه تتوه فيها القوافل، ففي الجزء الشمالي الشرقي من صدره يمكنك أن تزرع حشائش لملعب غولف، وفي جزئه الجنوبي يمكنك “تشبيك محمية”، أما الجزء الغربي فمنطقة متنازع عليها بفعل الاستعمار! وعلى أطراف كتفيه يتدلى ذراعان سميكتان، لن تكون في يوم سعدك إن هبدك بإحداهما من باب المزاح، ولن تكون في التعداد السكاني القادم إن ركلك برجله.
وثالثنا “بلبل” واسمه أحمد، اكتشفت لاحقاً أن هذا اللقب لا يخصه وحده، بل يتعداه إلى أبيه وشقيقه، ولا أدري ما السبب حتى اللحظة، فأنا تسلمته “بلبل” وسلمته “بلبل”. شعره يميل إلى اللون الأشقر الباهت، وهو على وشك الفناء لشدة التذمر، لكن خفة دمه تُضحك المقعي عند قبر أبيه. قضى عمره يحسب السنين ويفكّر في الإحابة عن سؤاله الأهم: متى سأتقاعد؟… ورابعنا “عنتر”، وهو أجبن من فراشة، وأقبح من فأر، لكنه أكرم من حاتم، واسمه مركّب “محمد حسين”، جسمه مدكوك، مكتنز ككيس الرز، أو الأرز كما يحب اللغويون، بحثنا عن رقبته ولم نجدها، رخو، بشرته سمراء من ذلك النوع الذي تشعر بوساخته، وهو على استعداد أن “يرم” كل الأطباق التي أمامه. أكول جهول جفول، وأحلى من العسل على كبودنا.
دخل علينا قائد شؤون الطلبة أثناء تفقده السجناء، المرحوم العميد أحمد علي، بطل الجيش المصري في الملاكمة سابقاً، وهو من فصيلة الدببة الألاسكية، انتقل منها قبل فترة قصيرة إلى فصيلة الإنسان بصفة الإعارة… وما أن رآنا مجتمعين في زنزانة واحدة حتى صرخ بصوته الضخم كجثته: “سبحانك يارب… الصيّاع على أشكالها تقع، مين الغبي اللي قال الطيور بس على أشكالها تقع؟”. سأل سؤاله ولم ينتظر إجابتنا، ولم نكن نفكر أصلاً في الإجابة، كان تفكيرنا منصباً على نبضات قلوبنا المتسارعة خشية أن تتوقف فجأة.
كبرنا، وتخرجنا، وتزوجنا، ورزقنا الأولاد، ووو، وأدركنا أن العميد كان حكيماً يومذاك، فالطيور وحدها “لبست” التهمة، أو المثل، في حين أن كل المتشابهات تنجذب إلى بعضها، حتى الدول المتخلفة ينجذب بعضها إلى بعض، والحكام المتآمرون على شعوبهم ينجذب بعضهم إلى بعض، والقتلة القمعيون كذلك، والدول النظيفة أيضاً… تلفّت حولك، وستعرف أن الطيور المسكينة وحدها ظهرت في الصورة، والصورة أكبر من ذلك… تلفت واقرأ معي الفاتحة على روح المرحوم العميد أحمد علي.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *