محمد الوشيحي

أخو دليّل… وألحان الواثقين

اعتدنا من كبار السن أن “ينتخي” – من النخوة – أحدهم بذكر اسم أخته: “أخو فلانة”، في حال كان غاضباً أو معتداً بنفسه في موقف ما، أو ما شابه. لم يعب أحد على أحد ذكر اسم أخته في مجتمع تفيض الذكورة من كل جوانبه.
والدي وعمي رحمهما الله كانا ينتخيان بأختهما، فتسمع أحدهما في لحظات الغضب أو الحمية أو التأهب للنجدة يصرخ: “أخو دليّل”، وينتخي جدي “أخو وسما”، اختصاراً لـ”وسمية”، وينتخي قريبي الآخر “أخو منيرة”، وهكذا، كلهم ينتخي بذكر اسم أخته، ولا يذكرها إلا في اللحظات الفارقة.
بل حتى شيوخ القبائل في جزيرة العرب، تناقل الناس أخبار حروبهم وكل منهم ينتخي بأخته، فهذا ابن حثلين، زعيم يام، ينتخي “أخو لجعة”، فيأتيه الصدى من الدويش، زعيم مطير “أخو جوزا”… ومثلهم يفعل حكام الخليج، فرجال أسرة الصباح منذ القدم يقال لهم “إخوان مريم”، ويقال لحكام المملكة السعودية، آل سعود: “إخوان نورة”، وهكذا.
كل هذا يحدث كما قلت “في مجتمع يفيض ذكورة”، مجتمع خشن فظ، المرأة فيه تمثل، أو كانت تمثل، مكمن العار، ومع ذا، كان كل منهم يعرف اسم أخوات الآخر، بلسان هذا الآخر نفسه! بل أكثر من ذلك، كان كبار السن في السنوات القليلة الماضية، لا يكتفون بمعرفة أسماء نساء صاحبهم أو جارهم، بل يدخلون البيوت، بوجود محرم، ليلقوا التحية والسلام على زوجة صاحب المضيف.
وأكرم من هذا وذاك، وهؤلاء وأولئك، كان رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، يعرف كل منهم أسماء بنات وأخوات وزوجات الآخرين.
واليوم، يبالغ شبان هذا الجيل في “تحريم” أو قل “تعييب” اسم المرأة! وكأنّ جدار الشرف سيسقط حال معرفة الآخرين اسم الأخت أو الأم أو البنت أو الزوجة، وهو ادعاء ضمني بأنهم أكثر حمية من آبائهم وأجدادهم.
وبالمراقبة والمتابعة، تيقنت أن الغلو ليس في الدين فقط، بل في العادات أيضاً هناك من يفرض قيوداً أشد ضيقاً على المعصمين، وكل هذا بسبب الخواء الفكري، والاهتمام بشكل الصورة لا مضمونها.
يا سادة، ما هكذا يُعزف لحن الغيرة، هذا لحن المرتبكين، غير الواثقين بأنفسهم، فلم تكن المرأة يوماً عورة ولا عاراً، ولم يُخلق من هو أشرف من النبي الهاشمي ولا أكثر غيرة، فـ”حطوا من ركابكم”، واشربوا الماء البارد عله ولعله، وابحثوا عن العار في مكان آخر بعيداً عن أسماء النساء.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *