سعيد محمد سعيد

إحذر… أمامك «مواطن»!

 

يتفنن الكثير من المسئولين في التصريحات الصحافية التي يمكن اعتبارها فعلاً، حبراً على ورق. ولا يُلام المواطن حين يفقد أعصابه ويصرخ من قمة رأسه على أحد المسئولين حين يشاهده في التلفاز أو يقرأ له (بضع خرابيط) في صحيفة هنا أو هناك، قائلاً: «كلامك… فوحه واشرب مايه»!

المشاهد الفكاهية كثيرة، فالعمل الصحافي الميداني يضعك أمام مواقف في غاية الطرافة، وتزداد تلك الطرافة إذا رأيت مسئولاً يحاول التهرب من مواطن/ مواطنة، وقف/ وقفت له (كالعظم في البلعوم) أثناء جولة تفقدية أو حفلٍ أو زيارةٍ أو حتى وهو يدخل باب وزارته. أما نوعية المواطنين من طراز (كلامه يشق القحفية)، فهؤلاء، والله أعلم، لو يزداد عددهم في البحرين، لوجدت حالات الإصابة بالإغماء والغيبوبة والسكتة القلبية والدماغية بل وربما… شلل الأطفال، تنتشر بشكل كبير بين بعض المسئولين.

(إحذر..أمامك «مواطن») لعلها اللافتة التي يتوجب على بعض المسئولين ذوي التصريحات واللعلعة والكلام الزائد عن حده اتباعها جيداً والالتزام بها كما يلتزمون بإشارات المرور والقوانين واللوائح… هذا إن كانوا يلتزمون بها أصلاً! وعلى أي حال، فذلك النوع من المواطنين يمثل خطورة بالغة على «السلم الاجتماعي» وعلى «الاستقرار» وعلى «نفخة المسئولين»، خصوصاً حينما يكون سليط اللسان (ووجهه بليته) لا تنفع معه عين حمراء ولا سوط مشهر ولا تهديد هذا المرافق أو ذاك (السكورتي).

المواطن أيها السادة، لا يمكن أن يكون مخرباً ومعادياً للحكومة وللوطن وللناس حين يعترض، وإن بقسوة، على أمور يختلط فيها الفساد بالتلاعب بالمال العام، بتجاوز القوانين والمحسوبية، وبالواسطات وبستين داهية. بل من حقه الدستوري أن يعبر عما يجيش في صدره بكل راحة. الغريب في بعض الزيارات التي يقوم بها بعض المسئولين إلى مناطق أو مجالس، يتم تخصيص «جندرمان» أو «قبضايات» أو «فداوية» أو «طرزانات» عملهم الرئيس هو الانقضاض على أي مواطن يحمل في يده خطراً مدمراً أشد فتكاً من الأسلحة الخطرة كأن يحمل معه مثلاً رسالة كتب فيه معاناته وهمومه، أو يخبّيء في جيبه، مثلاً مثلاً، تقريراً طبياً يؤكّد حاجته أو حاجة أحد أفراد عائلته للعلاج العاجل. أو، خذ مثلاً أيها القاريء الكريم، أن يحمل مواطن أو مواطنة شيئاً مخيفاً بالنسبة للكثير من المسئولين… أوراق طلب توظيف واحد من عيالهم.

بعض، أقول بعض المسئولين، نعم، يستقبل المواطن سواءً في مكتبه أو حين يلتقيه في زيارة أو جولة، يصبغ «المواطن» ويملأ جيوبه بالكلام الجميل الرائع والوعود البراقة، أما صنف آخر، فهو يفضل الهروب، بل ولا يتردد في أن يظهر للناس أن الشرر يتطاير من عينه غضباً (يا زعم قوي)! وهناك نوع آخر (يرفع الضغط)، وهو ذلك المسئول الذي يتفلسف على الناس ويحتقرهم ويتحدث معهم من طرف (خشمه).

قبل سنوات، وفي إحدى الزيارات الميدانية لأحد الوزراء، تقدّم أحد المواطنين برسالة محاولاً إيصالها إلى المسئول نفسه وليس في يد أحد من مرافقيه كسكرتيره أو مدير مكتبه أو كائن من يكون. ذلك الوزير، قابل المواطن بابتسامة عريضة واستلم منه الرسالة، مع أن ذلك المواطن، بولسان طويل، وهو يتمشى على طرف والوزير في طريقه إلى سيارته قال: «طال عمرك عاد هالله هالله في رسالتي لا تنقط في الزبالة على فاضي بلاش»، أما (سالفة) أن بعض المسئولين، وخوفاً من الالتقاء بالمواطنين، فيهربون من باب خلفي مرفق بمكاتبهم، فهذه والله ما رأيتها بأم عيني، لكن والعهدة على الراوي، الذي هو أنا… فإنني، كما قلت، لم أرى لكنني شخصياً «ضبطت» أحدهم ذات يوم وهو يحاول الهروب من معاملات الناس، ومن بينهم معاملة لي أنا الفقير لله.

تعال وانظر إلى ذلك المسئول الذي (درعم) مواطن أو مواطنة طريقه وقد فقدا الأمل من طول انتظار التوظيف. بالمناسبة، الشباب الذكور، في الغالب، وخصوصاً الجامعيون منهم، ممن ذاقوا مرارة التعطل لسنين منذ تخرجهم، تراهم وعلى وجوههم التذمر الشديد. وكذلك الحال بالنسبة للإناث، لكن في الغالب، ترى الواحدة منهن وهي تتحدث والدموع في عينيها، لا سيما حين تتحدث عن مصاعب المعيشة وضيق ذات اليد، ويتفطر قلب كل إنسان يحمل في قلبه ذرة إنسانية، وهو يراها، ويرى غيرها من أبناء البلد. ويرى المواطن، ويرى جاره وزميله وقريبه، وهو يقص عليه حكايات من العذاب والمرارة بسبب.. المسئول أبو عيون حمراء وقلب صخر.

عزيزي المسئول… أياً ما تكون… إحذر، أمامك مواطن.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *