بشار الصايغ

لنتصارح …

بعد مرور خمسون عاما من وضع الدستور وبدأ الحياة البرلمانية في الكويت، إلا أن مفهوم الديمقراطية مازال بعيدا عن التطبيق، وعن النهج اليومي في العمل السياسي، وهو بعيد على مستوى النظام الحاكم، الحكومة، البرلمان والشعب، فكل طرف لديه نظرته وفهمه الخاص للديمقراطية، وداخل كل طرف تتعدد أيضا تلك التعريفات.

للأسف، فبعد تجربة عمرها خمسون عاما مازال الفهم العام للديمقراطية محصور في العملية الانتخابية لمجلس الأمة، لا أكثر ولا أقل، وتغيب جميع مفاهيم ومباديء الديمقراطية عن الحياة بشكل عام خارج هذا الاطار المحدود.

منذ نعومة أظافرنا وكل ما نستقبله مرتبط بمفاهيم دينية وليست ديمقراطية، وفي جميع المراحل الدراسية من المرحلة الابتدائية الى الثانوية نرى غياب متعمد لتعليم أبسط المفاهيم المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان، في المقابل فهناك كم مخيف من التغذية الدينية للعقل الكويتي لا تتوقف على مدى 18 عاما هي عمر المعرفة التي يتلقاها المواطن من التعليم الحكومي قبل دخوله الى التعليم العالي.

كيف نتوقع أن نبني مجتمعا غرست فيه المفاهيم الدستورية والديمقراطية، وجميع ما حولنا يحاربها فكريا، ويضعها في خانة العداء مع الدين؟ حتى أن المؤسسة التشريعية – وهي مرآة الدستور والديمقراطية –  عاشت مراحل كانت تطالب بزيادة الجرعة الدينية في المناهج التعليمية التي هي أصلا متشبعه منها، وذلك على حساب نشر المفاهيم الديمقراطية.

أرى أن المواطن الكويتي يعيش في حالة من انفصام الشخصية نتيجة التناقض الذي ينشأ عليه، فما بين تعليم ديني يحارب الديمقراطية، ونظام دولة دستوري ديمقراطي، فإن الفهم للديمقراطية لدينا أصبح مشوها، فهو يطالب بديمقراطية بريطانيا ويرفض في الوقت ذاته علمانيتها! يدعو لحريات رأي متطابقة مع تلك الأمريكية، ويحارب ليبراليتها! وهذا أمر طبيعي ومتوقع حين يدخل المواطن في صراع طرفيه ديني وانساني.

لنتصارح .. الديمقراطية نظام وضعه الانسان، والدين رسالة من الخالق، يلتقيان في أمور قليلة ويتناقضان في أمور عديدة، ولسنا هنا ندعو الى الاختيار ما بين هذا النظام أو ذاك، بل ندعو الى وضع خط فاصل بين الاثنين لكي لا يتشوه الدين ومعه الديمقراطية.

لنتصارح أكثر .. إذا أردنا أن تكون الكويت دولة دينية فلا بأس هنا أن يكون التعليم من أساسه ديني قائم على الآيات والأحاديث والغزوات وتكفير الجميع ..الخ، ولكن إن أردنا أن نتمسك بدولة ديمقراطية دستورية فهنا علينا أن نجفف من المنابع الدينية في المناهج الدراسية، ونستبدل بها القيم الدستورية والانسانية التي رسمها الدستور الكويتي.

ليس من المهم أن نعلم أبناءنا أن مبارك الكبير “وثب” على الحكم، بل المهم أن نغرس في أذهانهم أن المادة 6 من الدستور تؤكد أن  “نظام الحكم في الكويت ديمقراطي, السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا”، وليس ضروريا أن نقضي فصلا دراسيا كاملا في حفظ تاريخ حكام الكويت الراحلين، بل الضرورة أن نبين أن المادة 29 تقول أن ” الناس سواسية في الكرامة الإنسانية”.

لن يغير من الماضي تعليم الأبناء أن هناك خلافا نشب قبل مئات السنين بين الصحابة وآل البيت نتجت عنه مذاهب متعددة، بل ما سيغير المستقبل أن نعلمهم أن المادة 35 تنص على “حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر لأديان”.

لن نصل أبدا الى دولة ديمقراطية بالمفهوم الحقيقي طالما أن الغلبة للدين تعليما وممارسة، ولن ننجح في ارساء دولة يتعايش فيها الجميع بسلام طالما أن قطار المدنية متوقف منذ خمسون عاما مقابل قطارات من الدين تحمل بضاعة مزورة ظاهرها التدين وباطنها السلطة.

لنتصارح .. لن نصل الى الأمثلة الغربية في الديمقراطية – ويا كثر من يطالب بها اليوم – طالما نحن نخلط بين السياسة والدين.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *