محمد الوشيحي

هكذا قالت المضيفة…

هذا هو الوقت الأنسب للسرقة في الكويت وفي غيرها من البلدان العربية، فليس أفضل من الدم غطاءً، ولا أفضل من هذه الأحداث العربية الهوليوودية ساتراً، بدءاً من فض الاعتصامات وقتل المتظاهرين، ومروراً بكيماوي بشار وتساقط كل هذه الجموع خنقاً، وليس انتهاء بإخلاء سبيل حسني مبارك.
طبعاً إذا عرفنا أن الكويت، على سبيل المثال، "تطفح" بالأموال الزائدة، وهي بالتأكيد لن تذهب لتطوير الخدمات الصحية ولا التعليم ولا بقية الهرج الفاضي، هي ستذهب في اتجاهين متشابهين، أحدهما خارجي والآخر داخلي، أما الخارجي فسيذهب كتبرعات للأشقاء والأصدقاء، وأما الداخلي فسيذهب لإرضاء خواطر وشراء ولاءات، وعلى الشعوب أن تأكل من التراب بعد خلطه بقليل من الماء المقطر.
وأفهم أن تتبرع دولة الإمارات للدول العربية بسخاء، مع اختلافي مع سياستها الخارجية، وأفهم كذلك تبرعات قطر هنا وهناك، فكلتا الدولتين ملأت ثلاجتها بما لذ وطاب، ودلّعت شعبها وبحبحته (من بحبوحة) قبل أن تلتفت إلى الخارج.
ويكفي الحكومة القطرية أنها جعلت مواطنها الأول عالمياً في قائمة الأعلى دخلاً، بخلاف بُنيتها التحتية المتسارعة، ومستقبلها باستضافة بطولة كأس العالم، في حين ينام المرضى الكويتيون في ممرات المستشفيات الحكومية، على أسرّة متهالكة، تتدلى منها الأسلاك! ويتعاطف المحسنون فيتبرعون لتوسعة هذا الجناح أو توفير ذلك الجهاز الطبي.
لذلك أقول للسلطة هنا: "حتى في تعليمات السلامة قبل إقلاع الطائرة، تنبّهنا المضيفة إلى أنه في حال تطلّب الموقف ارتداء الكمام، يجب أن يرتديه الكبار قبل أن يساعدوا أبناءهم على ارتدائه"، والكويتيون يمدّون كماماتهم إلى الآخرين ولا يجدون الكمام.

سامي النصف

القاهرة تحترق والتاريخ يعيد نفسه!

 تذكر حوادث التاريخ ان العواصم والمدن الكبرى لا تحترق إلا مرة واحدة كل قرن أو كل ألف عام، فقد بقي حرق نيرون لروما حدثا لا ينسى، ومثل ذلك حريق لندن وسان فرانسيسكو، وحرق جند أحمد عرابي إبان هوجته لمدينة الاسكندرية ونهبها عام 1882، وأخيرا حريق القاهرة المدمر في 26/1/1952 الذي تسبب في حالة عدم استقرار سياسي انتهى بانقلاب 23/7/1952، لذا قال عبدالناصر في احدى خطبه ان حريق القاهرة كان بداية الثورة.

***

وقد بقي حريق القاهرة احد الأحداث الغامضة في تاريخنا الحديث وقد وجهت الاتهامات الى أطراف عديدة منها الشيوعيون واليساريون والأميركان وواجهتهم المتمثلة في تنظيم الضباط الأحرار السري، وتشكلت محكمة عسكرية إبان العصر الملكي لمحاكمة احمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة الفاشي وخمسة من رفاقه بتهمة حرق القاهرة، واستمرت المحاكمات الى ما بعد يوليو 1952 دون الوصول الى نتيجة في ذلك الحريق العظيم الذي سجل ضد مجهول وأقفل لأسباب مجهولة باب الحديث حوله وعنه وعن فاعليه.

***

وقد ذكرنا في مقال سابق ان التنظيم السري للإخوان كان مخترقا من الإنجليز، وكانوا يستخدمونه للتخلص من أعدائهم، حيث قام بقتل رؤساء الوزارات المنتمين لحزب السعديين الموالي للألمان والمعادي للإنجليز أمثال ماهر والنقراشي ومحاولة اغتيال عبدالهادي، وفيما بعد حاول التنظيم السري للإخوان اغتيال عبدالناصر بعد أسبوع فقط من توقيع الإنجليز مرغمين معه اتفاقية الجلاء، إذا ما وضعنا تلك الحقائق في الذهن سهل ـ لربما ـ حل لغز شفرة حريق القاهرة.

***

ففي 8/10/1951 أي قبل شهرين فقط من ذلك الحريق المدمر قام رئيس الوزراء الوفدي مصطفى النحاس، وعقب إلغائه عمليات التفاوض مع الإنجليز في سبتمبر، بإلغاء اتفاقية عام 1936 من جانب واحد، مما خلق هزة كبرى في الغرب، حيث احتجت عليه الدول الغربية وعقدوا اجتماعا عاجلا لقادة جيوشهم في أوروبا، لذا كان الأثر الأول لحريق القاهرة فيما بعد هو إقالة الحكومة الوفدية في نفس مساء الحريق وهو احدى دلالات تورط تنظيم الإخوان السري في ذلك الحدث خدمة للإنجليز.

***

ومن الدلالات الأخرى المسحة الدينية للأحداث إبان الحريق عندما تم استقصاد البارات والكباريهات والكازينوهات، وعلت كما يذكر الشهود صيحات «الله أكبر» و«احرقوا محال الكفار»، وشوهد الشيخ إبراهيم كروم أحد زعامات الإخوان وهو يقود حرق كازينو الأوبرا، كما اتضح ان الإخوان هو الفصيل الوحيد الذي لم يتضرر من ذلك الحريق الذي أقال الحكومة الوفدية وأسقط الملكية، وأرسل الشيوعيون واليساريون وزعامات حزب مصر الفتاة الى المحاكم والسجون واستثني الإخوان رغم انهم مصنفون آنذاك من القوى المتطرفة التي يمكن ان تكون خلف تلك المؤامرة، فهل غطى على تنظيمهم السري من دفعهم اليه من القوى المتنفذة الكبرى؟

***

آخر محطة: (1) تواترت الأنباء بالأمس بأن العصابات المسلحة أشعلت نارا هائلة في مبنى «المقاولون العرب» الضخم بقلب القاهرة، وقامت تكرارا لما حدث في حريق القاهرة، بمنع قوى الاطفاء من الوصول للحريق مما كان سيمهد لانتشاره ويحرق المدينة بأكملها لولا عدم وجود رياح في ذلك اليوم مما جعله ينحصر في مكانه.

(2) أعتقد ان القاهرة عاصمة العرب قد تستهدف بحريق مدمر آخر أعظم من الأول بعشرات المرات انتظارا لظروف ملائمة ويوم شديد الريح يمنع السيطرة على الحرائق، والله يستر، وأعذر من أنذر.