سامي النصف

الكويت.. وماذا حدث منتصف السبعينيات؟!

الباحث روبرت دريفوس صاحب كتاب «لعبة الشيطان» الذي تطرقنا إليه سابقا، شديد التخصص في مجال السياسة والأمن القومي ويأتي في تعرفته بأنه من أفضل من كتب عن حرب العراق 2003، حيث كان أول من كشف عن دور السياسي أحمد شلبي الخفي في غزو بلاده، وعن الحرب الأميركية على الإرهاب، وله كتب عن «المحافظون الجدد» في عهد أوباما والتدخل الأميركي في أفغانستان والحرب على الإرهاب وهو باحث وإعلامي معروف وضيف دائم على كبرى الفضائيات العالمية.

***

في ملخص وإيجاز لما كتبه دريفوس عن تحول الكويت من العلمانية والليبرالية للتوجه الديني والذي أسماه «عملية تصحير الكويت» يرى الباحث أن السلطة السياسية آنذاك كانت تواجه معضلة عدم براغماتية القوى الوطنية واليسارية الكويتية ووجود مخزون استراتيجي لتلك القوى تمثل في حوالي نصف مليون فلسطيني يساري وعلماني شديدي التسيس والمعاداة للأنظمة المحافظة يعيشون في الكويت ووجود نظام بعثي يساري عراقي على الحدود (مثال تحالف القوى الوطنية واليسارية اللبنانية مع القوى الفلسطينية المدعومة من البعث السوري أواخر الستينيات وإبان الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت بشكل متقطع منذ أوائل السبعينيات حتى انفجرت عام 1975).

***

في الوقت ذاته، أثبتت أحداث الأردن أواخر الخمسينيات المعادية للملك ومثلها أحداث سبتمبر 70 أن القوى الدينية من إخوان وسلفيين تقليديين ومعهم القوى القبلية هم الحلفاء الطبيعيون للأنظمة المحافظة وقد دخلوا الحرب دفاعا عنها حين اشتدت التهديدات والمخاطر، بينما بقيت القوى اليسارية والوطنية في موقف العداء الدائم للأنظمة المحافظة ومن هنا بدأت في الكويت حسب رأي الكاتب عملية تفادي الخطر اليساري عبر تقوية التيار الديني.

***

وقد عزز تلك النظرية وقواها عندما بدأت الكويت وكأنها المستهدف القادم لمشروع الحروب الأهلية في دول المنطقة الصغيرة (هذه الأيام الكبيرة) الذي عصف بالأردن عام 70 وقبرص 73 ولبنان 75 فاضطرت السلطة الكويتية لحل البرلمان عام 76 وحل بعض الجمعيات والنقابات التي تسيطر عليها القوى الوطنية واليسارية وتقييد حرية الصحافة فوقفت القوى الدينية معها عبر قبولها بعمليات التوزير بالحكومة وعدم مشاركة جمعياتها وصحافتها بالاعتراض على حل البرلمان.

***

ويرى دريفوس أن الغرب هو من وقف خلف إنشاء بنوك إسلامية تستفيد من عوائد البترو دولار في السبعينيات كي تقوم بدعم الحراك السياسي الإسلامي والمحافظ المعادي للاتحاد السوفييتي وحلفائه بالمنطقة وان الكويت هي تجربة ناجحة بكل المقاييس في هذا الخصوص، فالبنك يؤدي وظيفة المركز الاقتصادي لرجال الأعمال من إخوان مسلمين وغيرهم، والبنك ينشئ قاعدة عريضة من الأتباع المخلصين.

ولا يخلو كلام الكاتب في جانب آخر من الهمز واللمز فيما يخص تاريخ الكويت، كما يستشهد بكتاب الباحثة كريستين سميث حول كيف حول الاقتصاد الإسلامي الكويت من توجه ليبرالي تاريخي إلى بلد إسلامي محافظ.

***

آخر محطة: (1) في الختام يرى الكاتب دريفوس ان نجاح قوة اليمين الإسلامية المدعومة بشبكة من الأموال الضخمة أمام القوى الوطنية واليسارية التي تفتقر للدعم المالي المحرك لكل شيء تسبب ودون ان ينتبه الغرب في تمدد أسطوري إسلامي تحت الأرض لم يحصر عداءه بالقوى الوطنية واليسارية والشيوعية فقط بل امتد ليشمل بعدائه القوى الغربية وحلفاءها من الأنظمة المحافظة والتقليدية في المنطقة.

(2) النظام البعثي المخابراتي السوري هو من يقف خلف تفجيرات الضاحية الجنوبية وطرابلس الشمالية (عملية ميشال سماحة وعلي المملوك) ومقتل الحريري ورفاقه وكارثة أطفال الغوطة، وخلف تفجيرات التكفيريين وحزب البعث الصدامي في العراق حتى اشتكته حكومة المالكي لمجلس الأمن.

(3) ومن يتساءل بسذاجة: هل يعقل هذا الأمر في هذا الوقت؟ فعليه أن يجيبنا: وهل يعقل غزو البعث الصدامي لإيران وإبادة أكراد الشمال وشيعة الجنوب وغزو الكويت وطرد المفتشين الدوليين الباحثين عن أسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها، ثم دعواه القوى الدولية لغزو العراق والموت على تخوم بغداد وهو الذي يعلم بمحدودية قدراته العسكرية في تجربة الهرب الكبير عام 91 والبشرية في شعب وجيش جائع والمالية في اقتصاد دمره الحصار بالكامل، وبعد أن سلم قيادة جيوشه أمام أقوى جيش في التاريخ لمن لا خبرة عسكرية لديهم على الإطلاق من أبنائه الجهلة وشاويش يدعى علي الكيماوي لا كيماوي لديه وبائع ثلج يدعى عزة الدوري أثبت مرارا وتكرارا انه أسرع من الغزال في النحشة!

من يــستطع ان يفسر بعقل تصرفات وجرائم البعث العراقي يستطع بنفس «السهولة» ان يفسر تصرفات وجرائم البعث السوري وتسببهم في قتل شعوبهم وتدمير بلدانهم.

 

احمد الصراف

نحن والديموقراطية

“>
طلب مني صديق وقارئ أن أكتب شيئاً عن الديموقراطية، الغامضة عليه وعلى الكثيرين من أقرانه، وحيث إنني لا أزيد عنهم فهماً، فقد قررت البحث في هذا الموضوع ومعرفة شيء من تطبيقاته لدينا ولدى غيرنا.
الديموقراطية كلمة يونانية، وتتكون من: ديموس، أي الشعب، وكراتوس أي الحكم. والأصل في الديموقراطية حكم الشعب لنفسه، أي إجراء استفتاءات شعبية متلاحقة على كل أمر، وحيث إن هذا يصعب كثيرا، فبالتالي تم اللجوء للنظام الانتخابي الذي يقوم فيه الشعب باختيار من يمثله في البرلمان، بحيث تكون مهمة البعض منهم تشكيل الحكومة، والبعض الآخر مراقبة الحكومة والقيام بسن القوانين. مشكلة الديموقراطية،وغيرها، تكمن في التطبيق، وخاصة في الدول الفقيرة والكثيفة السكان ذات الأمية العالية! كما أصبح كل متسلط ودكتاتور يدعي أنه ديموقراطي، وهذا ما حدث على مدى أجيال في الأنظمة الشيوعية، وبعض الأنظمة الفاسدة الأخرى، مثل نظام زفت القذافي وغيره، ووصل الحال حتى بالأحزاب الدينية، كــ«الإخوان المسلمين» للمناداة بالديموقراطية، علما بأن مبادئها تخالف أبسط أسس الأحزاب الدينية ومنها الإخوان، الذين ينادون بحق المسلم في تسيّد غيره من أتباع الديانات الأخرى! وبالتالي من السخف تصديق إيمان اي حزب ديني خالص في تدينه بالعملية الديموقراطية التي قد تأتي بأغلبية نيابية مسيحية، أو بتولي يهودي سدة القضاء، أو أن تكون قيادة المجلس الدستوري مثلا لبوذي. وقد رأينا كيف قام شراذمة «الإخوان» بجريمة حرق وتدمير والعبث بمحتويات عشرات الكنائس المصرية العريقة، فور نجاح الجيش في طردهم من أماكن اعتصامهم في ساحات المدن المصرية وشوارعها، هذا غير قتل مئات المواطنين الأبرياء وتشريدهم، فقط لأنهم مسيحيون، ولا أدري ما علاقة مزارع قبطي بسيط يزرع حقله، بصراع سياسي يجري على بعد مئات الكيلومترات عنه؟!
ويقال إن الديموقراطية، بالرغم من كل عيوبها، هي أفضل انظمة الحكم، وهذا صحيح، فالعقل البشري لم يتمكن حتى اليوم من تقديم بديل أفضل، وكما أن خطأ طبيب لا يلغي الطب، فإن خطأ الديموقراطية، بأي من أشكالها، لا يلغي الديموقراطية. ويمكن القول كذلك إن الديموقراطية، في أفضل تطبيقاتها توجد في الليبراليات الغربية، التي يتم فيها التداول السلمي للسلطة، والتي تعتمد في شرعيتها على مدى قبول الشعب لها، فمن دون ذلك لا شرعية لها، وقد اضطرت حكومات غربية عدة للاستقالة، بالرغم من امتلاكها للأغلبية البرلمانية، عندما شعرت بأنها فقدت شعبيتها، أو شرعيتها، لدى الرأي العام، الذي يمكن قياسه من خلال وسائل الإعلام المختلفة! والديموقراطية هي عكس الدكتاتورية، أو حكم الفرد، الذي لا يسمح بتداول السلطة. وتعتبر الديموقراطية أكثر أنواع الحكم تحديا للقدرة البشرية، سواء تلك التي لدى السياسيين أو بقية الشعب. والديموقراطية عندما تطبق بطريقة سليمة تكتسب الشرعية. وتكمن عظمة الديموقراطية، وضعفها في الوقت نفسه، في أن صوتا واحدا لمواطن بسيط نصف متعلم، كفيل بترجيح كفة الفائز بأعلى مناصب الدولة. وبالتالي فالديموقراطية لا تعني فوز المرشح لأي منصب كان بـ%51 من أصوات الشعب، وهو المفترض، ولكن فوزه بـ%51 ممن شاركوا في العملية الانتخابية، والفرق عادة ما يكون كبيرا. فقد تحاول جهات منع مناوئيها من التصويت، كما حدث مؤخرا في زمبابوي، أو توزيع الأموال وزيوت الطبخ والسكر لحث المترددين على الاقتراع لهم، كما حدث في انتخابات مرسي!
وكل ديموقراطية وأنتم بخير.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com