سامي النصف

مجلسا 1921 و1938

كأن مجتمعنا يخلو هذه الأيام ولله الحمد والمنة من الحقد والحسد والكراهية كي ننبش في تاريخنا عن أحداث يتم انتزاعها من ظروفها المحيطة وواقعها التاريخي كي نخلق ونصطنع أحقادا جديدة، ومن ذلك الحديث عن مجلسي 1921 و1938 لا للإضافة واثبات ان الديموقراطية المتفق عليها بين الحاكم والمحكوم قضية متجذرة في تاريخ بلدنا السياسي وشعبنا الثقافي، بل لإثارة الكراهية في المجتمع عبر القول ان فئة من فئات المجتمع استفردت آنذاك باختيار نواب البرلمان وحرمان الآخرين دون مبرر من التصويت.

■■■

وبالطبع فذلك الفعل إذا ما أخرجناه كحال «لا تقربوا الصلاة» عن سياقه التاريخي ومحيطه الجغرافي فسيصبح فعلا مدانا بمقاييس هذه الأيام من اليوم حتى يوم الدين، المسكوت عنه في هذا الموضوع هو حقيقة ارتباط الكويت آنذاك بما يجري في العالم أجمع وببريطانيا العظمى الحامية والعراق المجاور الشقيق، والغريب العجيب ان أحدا في الغرب المتقدم لا ينبش كما ينبش بعض من ابتلينا بهم وبأفكارهم وأقوالهم المدمرة في تاريخهم ليبثوا الأحقاد بين صفوف الشعوب كما يحدث لدينا.

■■■

فبريطانيا ونحن نتكلم عن مجالس كويتية قامت في أوائل القرن العشرين كانت حتى أواخر القرن التاسع عشر وبسبب ضعف التعليم في المناطق النائية يصوّت بها «شخص واحد» عن مقاطعات بأكملها، كما حصر التصويت في بريطانيا وأوروبا وأميركا بأصحاب الثروات والمنازل ممن يستطيعون دفع الضرائب اتباعا لمقولتهم الشهيرة «لا ضرائب، لا تصويت»، وكان 3 ملايين اسكتلندي يصوّت عنهم 4000 ناخب، وما يقل عن نصف ناخبينا الآن يصوتون عن 8 ملايين بريطاني ولم يسمح للنساء وهم نصف المجتمع بالتصويت حتى عام 1928، كما ان أم الحريات ونعني الولايات المتحدة كانت تحرم حتى عام 1965، اي لما بعد استقلال الكويت وقيام مجلس 1963، في كثير من ولاياتها السود والهنود الحمر وأصحاب الديانات والمذاهب الأخرى ومن لا يجيد القراءة والكتابة من التصويت وممارسة حقوقه المدنية، ولم يحرض أحد على احد بسبب حقائق الحياة تلك القائمة حتى سنوات قليلة.

■■■

ولم يكن الوضع يختلف في الديموقراطية العراقية إبان العهد الملكي المجاور لنا، والتي ابتدأت أوائل العشرينيات حيث كان نظام الاقتراع يقام على نظام المرحلتين يتم في المرحلة الأولى تعيين ممثلين عن المناطق العراقية المختلفة ثم يقوم هؤلاء بانتخاب النواب لمجلس الأمة العراقي والذي اعتاد ان يمثل المحافظات البعيدة فيه أبناء شيوخ القبائل الكبرى بها ومعهم مثقفون من العاصمة بغداد لم يزوروا او يعلموا شيئا قط عن المحافظات التي يمثلونها، لذا لا يمكن تصور ان يخلق نظام ديموقراطي كويتي آنذاك يختلف عما حوله او عما هو قائم في دول العالم أجمع التي ندرت بها التجربة الديموقراطية الصحيحة آنذاك.

■■■

آخر محطة:

ندرة التعليم وتفشي الفقر والجهل وغياب القدوة الحسنة في العالم او الدول المرتبطة بها الكويت ما كانت لتسمح للأسف بأفضل مما تم، متذكرين انه كان خطوة أولى في مشروع لم يستمر في حينه وقد وجدنا ان الآباء المؤسسين أنفسهم او امتدادهم كتبوا عام 1961 احد أفضل الدساتير في العالم الذي يحض على المساواة بين المواطنين وفتح الباب واسعا للجميع دون ان يشترط كما اشترطت كثير من الديموقراطيات المتقدمة الثروة وتملك البيوت او دين معين (هذا الاشتراط تم في زمن لاحق ومازال وصمة عار في جبين الديموقراطية الكويتية نأمل أن يقوم مجلسنا الواعد الحالي بالغائه).

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *