محمد عبدالقادر الجاسم

هل يعود مجلس 2009؟!

الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية بتاريخ 16/6/2013 في الطعون الانتخابية حول ما يسمى “بالصوت الواحد”، يستحق الفحص والدراسة بعناية فائقة لأنه تناول بالتفسير واحدة من أهم مواد الدستور الكويتي وهي المادة (71) التي تعالج التشريع الاستثنائي، وهو ما يعرف “بمراسيم الضرورة”. وتكمن أهمية نص هذه المادة وتفسيرها من قبل المحكمة الدستورية في كون النص والتفسير يقاربان الخط الفاصل بين دولة الدستور والمؤسسات، وبين المشيخة والحكم الفردي. فالتشريع مهمة حيوية يقوم بها مجلس منتخب انتخابا صحيحا حرا نزيها… هذا هو الأصل وهذه هي الديمقراطية، أما الاستثناء المحدود فهو أن تقوم السلطة التنفيذية بالتشريع في حالات محددة تأتي تحت عنوان الطوارئ من الأمور والأحداث. فإذا ما تحول الاستثناء إلى أصل، عبر النص أو من خلال التفسير، وإذا ما أُطلقت يد السلطة التنفيذية في التشريع الاستثنائي، سقطت دولة الدستور والمؤسسات وشُيدت دولة الاستبداد والتعسف.
وعلى الرغم من سبق تعرض المحكمة الدستورية “لمراسيم الضرورة” في عام 2008، فإن حكمها الأخير اكتسب أهمية إضافية لكونه قد ارتبط، بشكل أو بآخر، بحالة الصراع السياسي الحادة السائدة في الكويت.
وبالطبع فإن الحكم يستحق دراسة مفصلة متأنية، إلا أنني رأيت أن أقصر هذا التعليق على مسألة تتصل بنتيجة هذا الحكم فيما يتعلق بعودة مجلس 2009 أو وجوب إجراء انتخابات جديدة.
وأود أن أنوه إلى أنني لست بصدد إبداء رأي قاطع في المسألة محل البحث، وإنما أهدف إلى تحديد نطاق البحث فقط.

جاء في البند “رابعا” من منطوق حكم المحكمة ما يلي:
“رابعا: وفي موضوع الطعن بإبطال عملية الانتخاب التي تمت في 1/12/2012 برمتها في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم فيها، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة الانتخاب مجددا كأن هذا المرسوم بقانون كأن لم يكن، وذلك على النحو الموضح بالأسباب”.
ويثير هذا البند من منطوق الحكم إشكالات جدية مهمة، فالمحكمة أبطلت الانتخابات، واعتبرت المرسوم رقم (21) لسنة 2012 بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات كأن لم يكن، ثم أشارت إلى “ما يترتب على ذلك من آثار وأخصها إعادة الانتخاب مجددا…”، فهل كانت المحكمة تعني وجوب إجراء انتخابات جديدة بعد صدور الحكم؟ أم أنها كانت تعني استرداد مجلس 2009 سلطاته وفق الفقرة الثالثة من المادة (107) من الدستور ثم إجراء انتخابات جديدة؟
إن منطوق الحكم بحد ذاته لا يتضمن إجابة صريحة قاطعة على السؤالين السابقين، ولا تكفي إشارة المنطوق إلى “إعادة الانتخاب” للقول بأن المحكمة قطعت بعدم عودة مجلس 2009، إذ قد تعني هذه الإشارة وجوب إجراء انتخابات جديدة بعد استرداد مجلس 2009 سلطاته بقوة الدستور وفق الفقرة الثانية من المادة (107) التي تنص على أنه:
” وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل”.
ووفق الفقرة الثالثة من المادة ذاتها التي تنص على أنه:
“فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد”.

إن عدم وضوح منطوق الحكم في هذه الجزئية يتطلب منا العودة إلى أسباب الحكم، فقد نجد فيها ما يجلي غموض المنطوق.
قررت المحكمة، في الصفحة (24) من أسباب الحكم ما يلي:
“وإذ كان قضاء هذه المحكمة بعدم دستورية هذا المرسوم، (والمقصود هنا مرسوم إنشاء لجنة الانتخابات) اعتباره كأن لم يكن إعمالا للأثر المترتب على ذلك طبقا للمادة (173) من الدستور، وإن مقتضى قضاءها في هذا الشأن هو زواله منذ نشأته وتجريده من قوة نفاذه وإزالة الآثار القانونية التي ترتبت عليه، وكانت عملية الانتخاب التي تمت في الأول من ديسمبر عام 2012، وأجريت طبقا للإجراءات المقررة بموجب هذا المرسوم ـــ بدءا من إجراءات الترشيح وانتهاء بإعلان النتائج فيها ـــ قد شابها البطلان لعدم دستورية المرسوم بقانون التي أجريت على أساسه، وإن إرادة الناخبين في هذه الحالة تكون قد وردت على غير محل، فإنه يغدو حريا القضاء بإبطال عملية الانتخاب برمتها في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم فيها، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعادة الانتخاب مجددا، وكأن المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2012 ـــ بما اشتمله من إنشاء هذه اللجنة، وما أجراه من تعديل لنصوص المواد (20) و(21) و(25) و(35 فقرة ثالثة) و(36) و(36 فقرة ثانية) و(39 الفقرتان 3 و4) من قانون انتخاب أعضاء مجلس الأمة لم يكن بما من شأنه إبقاء هذه النصوص على حالها، وكأن إدخال هذه التعديلات عليها لم يكن حتى يتخذ مجلس الأمة ـــ صاحب الاختصاص الأصيل ـــ ما يشاء بشأنها، وغني عن البيان أن أحكام هذه المحكمة ملزمة للكافة ولجميع سلطات الدولة طبقا للمادة (الأولى) من قانون إنشائها رقم (14) لسنة 1973، وتكون نافذة من تاريخ صدورها مع مراعاة الفقرة الثانية من المادة (107) من الدستور..”.
ومع الأسف، فإن الأسباب السابقة لم تجلي غموض المنطوق، ولم تكشف عن قصد المحكمة على نحو قاطع في إشارتها إلى الفقرة الثانية من نص المادة (107) من الدستور، وما إذا كانت تقصد أنه بعد الحكم ببطلان الانتخابات فإن الميعاد المنصوص عليه في المادة (107) يكون قد انتهك وهو ما يترتب عليه استرداد مجلس 2009 سلطته بقوة الدستور، أم أنها تقصد وجوب إجراء انتخابات جديدة خلال شهرين من تاريخ صدور الحكم.

إن القدر الثابت في حكم المحكمة الدستورية هو أن المحكمة لم تجزم باسترداد مجلس 2009 سلطته الدستورية، كما لم تجزم بوجوب إجراء انتخابات جديدة، وهو ما يجعل سلامة الانتخابات القادمة محل شك وعرضة للطعن عليها سواء أجريت دون استرداد مجلس 2009 سلطته أو بعد استرداده سلطته وحله من جديد.

وختاما، يتعين علينا تأكيد المسائل التالية:
• وفق نص المادة (83) من الدستور، فإن “مدة مجلس الأمة أربع سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع له، ويجري التجديد خلال الستين يوما السابقة على نهاية تلك المدة مع مراعاة حكم المادة 107”.
• وفي تفسير نص هذه المادة، قررت المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري رقم (10) لسنة 2002 (تفسير) الصادر بتاريخ 2/2/2003 “وجوب التقيد باستكمال مدة مجلس الأمة المحددة بأربع سنوات التي تبدأ من تاريخ أول اجتماع له وعدم قابلية تلك المدة للنقصان…”.
• إن المادة (107) من الدستور أجازت للأمير حل مجلس الأمة، إلا أنها أوجبت انتخاب المجلس الجديد “في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل”.
• إن المادة (107) ذاتها قررت أنه “فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد”.
• وقد قررت المحكمة الدستورية في حكمها الصادر في الطعن رقم (6) والطعن رقم (30) لسنة 2012 بتاريخ 20/6/2012 أن الأثر المترتب على بطلان الانتخابات هو “أن يستعيد المجلس المنحل ـــ بقوة الدستور ـــ سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن”.
• كما يجب الانتباه إلى أن المحكمة الدستورية، في حكمها الصادر يوم الأحد 16/6/2013، قد حكمت ببطلان الانتخابات التي جرت بتاريخ 1/12/2012، وقررت أن مقتضى الحكم بعدم دستورية مرسوم إنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات “هو زواله منذ نشأته وتجريده من قوة نفاذه وإزالة الآثار القانونية التي ترتبت عليه…”.
• إن الحكم ببطلان الانتخابات واعتبارها كأن لم تكن يعني أنه لم يتم الالتزام بنص الفقرة الثانية من المادة (107) من الدستور التي توجب إجراء الانتخابات خلال شهرين من صدور مرسوم حل المجلس.
• إن الحكم ببطلان الانتخابات واعتبارها كأن لم تكن، وما ترتب على ذلك من مخالفة صريحة للفقرة الثانية من المادة (107) من الدستور، قد يؤدي، وبقوة الدستور، إلى استرداد المجلس المنحل سلطاته الدستورية كأن الحل لم يكن.
• إن المحكمة الدستورية لا تملك سلطة تعطيل أي نص من نصوص الدستور، ولا يجوز حلول حكمها الأخير محل مرسوم حل مجلس 2009.
وكما أشرت في بداية هذا التعليق، فإنني أكتفي بتحديد نطاق البحث في المسألة المعروضة دون إبداء رأي قاطع فيها، فالأمر يحتاج إلى دراسة أعمق.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *