قبل خمس عشرة سنة تقريباً، كتبت عن محنة صفية، وقصتها باختصار أنها مواطنة كويتية بالتجنيس، وخدمت في وزارة الصحة كرئيسة ممرضات لأكثر من ربع قرن، وبعد التحرير ذهبت لتسلم حقوقها المالية من التأمينات الاجتماعية، فلم يجد الموظفون ملفها، وكانت مهددة قبل ذلك بالطرد من منزلها الحكومي، فمطلقها الكويتي اغتصب البيت عنوة وسجله بالكامل باسمه، وطرقت صفية عدة أبواب جهات إدارية دون جدوى، لتكتشف فجأة أنها غير مواطنة…! كيف حدث ذلك…؟ الجواب أن مطلقها "لا بارك الله فيه"، وعبر واسطاته ونفوذه الإجرامي في دهاليز الدولة، استطاع سحب ملف المسكينة صفية من إدارة الجنسية، وبالتالي تم اعتبارها غير موجودة، كي يستولي بالكامل على بيتها، ليسرح ويمرح فيه مع زوجته الجديدة…! كانت حكاية صفية تنز قرفاً من وضع المحسوبيات والفساد والظلم في الدولة، كتبت عنها، ولم تمض أيام قليلة، وسمعت رنة تلفون المكتب لأجد على الخط صوت الشيخ محمد اليوسف الصباح، مدير إدارة الجنسية ذلك الوقت، يخبرني أنه حقق في موضوع صفية، وتمت إعادة جنسيتها لها…! لولا "مصادفة" وجود محمد اليوسف كمدير للجوازات، وتحقيقه في القضية وهمته الإنسانية، لضاعت صفية من وجودها كمواطنة بفعل فاعل…
لا توجد مؤسسة في الدولة تنصف الناس في قضايا الجنسية، فالقضاء ممنوع من النظر في مسائل الجنسية بحكم قانون يثير الغثيان، ولولا "المصادفة"، في ذلك اليوم، حين كتبت عن محنة صفية بالصحافة، ثم تحرك موظف دولة له ضمير حي لضاعت صفية، وكل ما تمثله قضيتها… ماتت صفية والله يرحمها… ولا علم لي إن تحركت أي إدارة في الدولة لمعاقبة الفاعل عن مأساة صفية، وهو طليقها حسب رواية المرحومة صفية، أم لا… لكني متأكد أنه يسرح ويمرح… مثله مثل الكثيرين في دولة المحسوبيات "السايبة"… الجديد اليوم، هو، الحكم الإداري الذي أعاد الجنسية لمواطن سحبت جنسيته بقرار من مجلس الوزراء، رغم صدور حكم من محكمة التمييز لمصلحته بثبوت نسبه لأبيه الكويتي… المحكمة الإدارية قالت في حكمها العادل: "إن القرار الإداري يجب أن يقوم على سبب صحيح يبرره صدقاً وحقاً، أي في الواقع والقانون، وهو الحالة الواقعية والقانونية التي تحمل جهة الإدارة على التدخل منفردة بسلطتها الإدارية الآمرة لقصد إحداث أثر قانوني هو محل القرار، ابتغاء تحقيق المصلحة العامة الذي هو غاية القرار…"، بكلام آخر تقول المحكمة إن جهة الإدارة "مو على كيفها" تسحب الجنسية، وتطوح بها بعيداً… لابد أن تكون المصلحة العامة، وحكم الواقع كمقياس للقرار الإداري.
لنسأل أنفسنا كم حالة توجد لدينا في ملفات "عديمي الجنسية" الكويتيين يمكن للقضاء أن ينصفهم لو فتحت أبوابه لهم، ووضعت الضوابط لسلطة الإدارة في منح الجنسية وسحبها…؟! كم مظلوماً سينصف لو تنازل المشرع عن غطرسة "أعمال السيادة" في مسائل الجنسية لمصلحة الحق والإنصاف…؟ أليست تلك قضايا إنسانية نحرت على مذبح الدولة ذات السيادة…؟! سيادة الدولة بهذا المفهوم لا تعني غير استعباد الناس.