عاد قبل ايام عدد من أقربائي الحميمين من رحلة علاج في البوسنة، وبالرغم من برودة الطقس هناك، وصعوبة اللغة، إلا أنهم عادوا بانطباعات جميلة وطيبة جدا عن مدينة سراييفو التاريخية، وقالوا إنهم سيعودون لها حتما فقد استفادوا من طرق العلاج فيها، الفيزيوثيرابي، وما تلقوه من أنواع التدليكات المفيدة والتمارين الخاصة بتقوية الركب والمفاصل، وان كل شيء كان افضل مما توقعوا. وقد ساعد في تقليل المشقة عليهم وجود خط طيران مباشر بين الكويت والعاصمة البوسنية، حيث ساهم ذلك في جعل الرحلة أقل إرهاقا لكبار السن منهم ممن يعانون من صعوبة في السير، أو حتى الحركة البسيطة في المطارات الكبيرة. وجدير بالذكر أن الفضل، كما قيل لي، يعود للسفير النشط في البوسنة، السيد محمد خلف، في الإسراع في تدشين خط الطيران المباشر، وهنا نتمنى على الخطوط الكويتية، بإدارتها الجديدة، دراسة جدوى فتح خط مباشر لسراييفو، فعدد المسافرين لتلك المنطقة النظيفة بطقسها والغنية بتاريخها القديم والحديث، في ازدياد مطرد، إن كان للعلاج، الاستشفاء او السياحة، خاصة مع ارتفاع أسعار الخدمات والفنادق في الدول المجاورة، وخاصة تركيا.
دفعني هذا الاهتمام للبحث أكثر في تاريخ البوسنة فوجدتها تمتاز بالكثير، ففي زاوية من عاصمتها، سراييفو، انطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى، عندما اقدم متطرف صربي على اغتيال ولي عهد الامبراطورية النمساوية الهنغارية. كما تحتضن المدينة مواقع اساسية لثلاث ديانات رئيسية: «الإسلام»، و«الارثوذكسية، الكاثوليكية» و«اليهودية»، ولكل واحدة منها جذورها الضاربة في عمق التاريخ. والغريب أن مدافن أتباع هذه الديانات تقع في غالبيتها ضمن سياج واحد. وكان تقبل العزاء للجميع، قبل الحرب الأهلية، يتم في مكان واحد. كما شارك ابناء الديانات الثلاث، خلال الحرب العالمية الثانية، في إخفاء كتاب يهودي تاريخي مقدس عن عيون رجال هتلر الذين حضروا خصيصا لمصادرته، والمخطوط معروض الآن في أحد متاحف مدينة سراييفو العديدة. كما أن التسامح بين اتباع الديانات كان السمة السائدة لقرون، ولم تتأثر العلاقة سلبا إلا في العقود القليلة الأخيرة بعاملي الطموح الصربي، والتخوف من التطرف الإسلامي، وكالعادة كان للمتاجرين بالتشدد الديني، من الطرفين، حصتهم في الإثارة والإجرام! ويذكر أن سراييفو كانت المدينة «الشيوعية» الوحيدة التي استضافت دورة ألعاب أولمبية شتوية عام 1984، من خارج الاتحاد السوفيتي. وقد دخل الإسلام سراييفو عن طريق الغزو العثماني للمنطقة في القرن الخامس عشر، وجاء اليهود للعيش فيها بعد ذلك بمائة عام.
أحمد الصراف