كان روبرت سنكلير الرجل الثاني في المصرف الذي كنت اعمل به، سعيدا بوضعه وامتيازاته، ثم فجأة اعفي المدير العام من منصبه لتعريضه البنك لخسائر جسيمة في مضاربات عملة، وعندما عرض المنصب على سنكلير، اعتذر مفضلا البقاء كنائب، وعندما استفسرت منه على سبب رفضه لكل امتيازات الترقية، قال انه تعلم مبكرا بأن «الرأس كثير الاذى»، وانه سيدفع الثمن مستقبلا عند تعرض المصرف لاي خضة، وان وجوده في منصب الرجل الثاني يحصنه من مخاطر الطرد! بعد يأس مجلس الادارة من ايجاد بديل مناسب للمدير العام المقال، عرضوا المنصب ثانية على سنكلير باغراءات اكبر فقبل، ولكن حدث ما توقعه الرجل، حيث فقد وظيفته المرموقة بعدها بسنة! ومنذ يومها وانا افضل، في الكثير من مساهماتي وانشطتي، البقاء في الصفوف الخلفية!
مناسبة هذا الحديث تتعلق بما يجري في سوريا وما جرى في مصر وغيرها من دول الربيع العربي، وما اصبح يبديه البعض من ندم على الانظمة السابقة او ما ستؤول اليه الاحوال في حال سقوط النظام هنا او هناك، وكيف انهم يفضلون بقاء نظام ظالم او فاسد او دكتاتوري على نظام «قد» يكون اكثر ظلما ودكتاتورية! ولكن تناسى هؤلاء ان ما يحدث في مصر تقع مسؤوليته المباشرة على الرئيس السابق الذي فشل على مدى ثلاثة عقود في خلق نظام ديموقراطي بديل يمكن من خلاله انتقال السلطة بسلاسة وشفافية لغيره، ولكنه فضل الحكم منفردا وان يبقى رأسا لا يقاربه رأس اخر، وعليه بالتالي تحمل كامل المسؤولية. الشيء ذاته ينطبق على الوضع في سوريا، فقد نال نظام الاسد حظا اكثر من غيره في ان يحكم لاكثر من 40 عاما، حسن فيها اشياء كثيرة، ولكنه فشل في التوسع في الحريات ونشر الديموقراطية وترتيب انتقال السلطة بالرغم من طول الفترة، وبالتالي لا مناص من تحميله كامل المسؤولية، فوجود اكثر من مليون لاجئ سوري خارج وطنهم وكل القتل والتدمير والتشريد الذي حدث لا تتحمله جبهة «النصرة المتخلفة» او المعارضة الاخرى، بل النظام، كما ان جسامة الخسائر تجعل من تراجع اي طرف مسألة صعبة جداً، وهذا سيجر ويلات اكثر على ملايين الابرياء الذين لا ذنب لهم في كل ما يحدث، ومع هذا فإن ما قامت به الجامعة العربية اخيراً، بضغوط من دول خليجية، في فرض الائتلاف «الوطني» على العالم كممثل «شرعي» ووحيد للشعب السوري، لا يختلف كثيراً عن الطريقة التي وصل فيها الاسد للحكم! فمن يقول ان هذا الائتلاف شرعي ويمثل الشعب السوري؟ وكيف يمكن اختزال ارادة اكثر من 22 مليون مواطن سوري في بضعة اشخاص؟ ان الجامعة، او من حركها، تتصرف بمنطق النظام الموجود في الحكم نفسه، فكلاهما يتصرف بدكتاتورية على مقاسه، وان من نوع مختلف.
أحمد الصراف