لا يمكن تخيل مجتمع قابل للبقاء والازدهار من دون دعم أخلاقي كاف من السلطة! فليس هناك من عامل يؤثر سلباً في أي مجتمع كالتساهل في التعامل مع غرائز أفراده ورغباتهم، وتسهيل حصولهم على كل شيء دون مقابل! والأمم العظيمة هي التي اهتمت بتعليم الأخلاق لصغارها، ولم تعتمد في ذلك على «ثقافة» المجتمع وعاداته وتقاليده وتعاليمه الدينية، فالدين عادة يحث على التراحم والأخوة بين المنتمين له، وليس بالضرورة مع غيرهم، وهذا ما يضع أتباع أي دين في مواجهة مستمرة مع «الآخر»! ولهذا نجد في مجتمعاتنا من يتساءل أحياناً، عند تعرضه للخديعة أو السرقة، عما إذا كان من خدعوه يعتقدون بأنه يهودي يستحق أن يخدع ويسفك دمه! وبالتالي يجب أن تدرّس الأخلاق بكثافة في مراحل الدراسة الأولى، وتعطى أهمية كبرى على غيرها من المواد! ولو كانت هذه هي الحال، لما كانت هناك حاجة إلى كتابة هذا المقال، ونشير هنا إلى التفاوض المريب والمحموم الذي يجري بين المجلس والحكومة لإسقاط قروض المواطنين وفوائدها، فهذا، إن تم، يعتبر بحكم «الجريمة الأخلاقية»، لما سيكون له من تبعات سلبية مؤسفة على أجيال حاضرة وقادمة، فهذا «الإسقاط» ما كان ليتم لولا شديد رغبة السلطة والنواب لخلق شعبية زائفة وزائلة حتماً، وهو بحكم التفويض الرسمي للجميع ليسرقوا ويغشوا ويخدعوا ويدوسوا في بطن الأنظمة والقوانين ويتخلوا عن أي التزام أدبي أو مادي طالما أن «ماما الحكومة» ستأتي في نهاية المطاف وتنقذهم! كما أنه صفعة على وجه كل من التزم وسدد ما عليه، وكل من رفض الاقتراض، وهو قادر عليه، لعدم رغبته في «المشاركة» في سرقة مال عام ليس من حقه بقدر كونه من حق أبنائه وأحفاده! إن هذا التصرف من الحكومة، ولا ألوم المجلس النيابي بالقدر نفسه، سينسف عقوداً طويلة من التربية التي حاول البعض غرسها في نفوس أبنائهم، فقد شعرت وصديقي بومحسن بالحزن عندما قال لنا ابنه إننا أخطأنا كثيراً عندما نصحناه قبل سنوات بعدم الاقتراض، وأنه لو لم يستمع لـ «خرابيطنا الأخلاقية» لكسب الكثير! وقال إن علينا، نحن جيل السذج والمؤمنين بالعقل والمنطق والتصرف السليم، أن نتعلم أن السلطة ستخذل كل واحد منا المرة تلو الأخرى، ولن يكون هناك في المقبل من الأيام مكان لغير المفلس والنصاب، كما هي الحال في أغلبية دول العالم المتخلفة!
* * *
ملاحظة: لم يتردد الرجل الثاني في الدولة والقاضي السابق في الاعتراف بالحاجة إلى خبير دستوري «خارجي» لمعاونته في عمله التشريعي! ولا أدري بالتالي لماذا لا يقوم الرجل الخامس في الدولة بالاستعانة بخبيري مرور وأمن بريطانيين مثلاً لمساعدته في وضع حد لكل هذا التسيب الأمني والمروري الذي نعيشه؟
أحمد الصراف