علميا، يمكن سلق ضفدعة حتى الموت من دون أن تحاول الهرب. فلو وضعنا ضفدعة في قدر فيه ماء حار، فإنها ستقفز منه هاربة فورا! ولكن لو قمنا بوضعها في قدر ماء بارد، وقمنا بتسخين الماء تدريجيا، وعلى فترة طويلة، فإنها ستتأقلم مع الوضع إلى أن تموت، دون أن تشعر بارتفاع الحرارة. ولو طبقنا التجربة ذاتها على البشر، واعتبرناهم ضفادع، فإن بالإمكان تغيير «أفكارهم» بصورة تدريجية حتى تصبح خطرة بما يكفي للقضاء عليهم، دون أن يشعروا خلال ذلك بالخطر المميت، فالبشر، كبقية الكائنات لا يتخذون قرارا أو يقومون بردة فعل تجاه أمر لا يشعرون به! ولو قامت حكومة دولة ما بتدريب شعبها، بصورة تدريجية وبطيئة، من خلال المناهج مثلا، على أفكار خطرة أو خاطئة، كأن تخلق أو تؤصّ.ل لدى أفراده الشعور بكراهية العالم الآخر واحتقاره، فسيكون لديها جيل يؤمن بأنه أفضل من غيره، كما فعل هتلر مع الألمان! وسيتملّكه ذلك الشعور من دون وعي، لأن التغيير في آرائه الخطرة ومواقفه غير المنطقية حصل على فترة طويلة، دون أن يشعر بخطورتها، وما ان يحاول تطبيقها، فإن العالم أجمع سيتكاتف ضده ليقضي عليه، كما فعل الحلفاء بالألمان واليابانيين، الذين اعتقدوا لفترة أنهم من عرق أفضل. وبالتالي فإن تردي الوعي الشعبي في دول كثيرة لم يأت. من فراغ، بل تسببت به طرق تدريس وسياسة إعلامية تصبّ في اتجاه معين. فالكثيرون مثلا يحرصون على متابعة المسلسلات التركية الهابطة والسخيفة، ولا يعترضون مثلا على متابعة الصغار لها، وهذا سيخلق منهم، بصورة تدريجية، قبولا لكل سخيف وتافه، ويصبح تعديل الوضع مع الوقت صعبا جدا، فعملية تسطيح الفكر التدريجية التي يتعرّض لها تجعله كالمدمن أو الإرهابي أو المتشدد الديني، الذي لا يرى شيئا غير الذي يطلب منه رؤيته! وقد تنسحب الحالة الفردية على آخرين أو مجموعة من البشر أو حتى على شعب كامل، بحيث يرضون بالعيش بمذلة، ويقبلون الفقر والقمع والفساد من دون احتجاج.
نقول ذلك بمناسبة ما ورد في الصحف من خبر تعلق بتقرير عن لجنة في وزارة التربية أوصت بتخفيف جرعة الدروس الدينية في المناهج الدراسية، وأن وزير التربية وزير التعليم العالي رفض توصياتها وطلب من أعضائها عدم الاقتراب من هذا الموضوع! وقد جمعتني الصدفة بالوزير في اليوم نفسه، فأكد لي عدم صحة الخبر، وأميل لتصديقه، لما عرف عنه من استقامة وانفتاح، ونطالبه بالسعي لتقليل الجرعة الدينية في المناهج، التي زيدت على مدى 30 سنة بصورة تدريجية، على حساب المواد العلمية، خاصة بعد أن ثبت أن هذه الجرعة الزائدة تسببت في أن تصبح الكويت، بالرغم من صغر حجم شعبها، ودرجة الحرية النسبية التي يتمتع بها، ورخائه المادي، أصبح في السنوات العشرين الأخيرة المصدر الأكبر، نسبة لعدد سكانه، «للمجاهدين» والمتعصبين الدينيين والمقاتلين في أفغانستان والبوسنة والعراق، وأخيرا في سوريا، التي قارب عدد من قتل فيها من شباب كويتيين حتى الآن الخمسين، على ذمة جريدة «السياسة» التي أوردت أسماء 30 منهم!
لقد تعلم جيلنا، من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، في مدارس حكومية، وكنا جميعا ندرس الدين مرة أو مرتين في الأسبوع، وخلقت تلك المرحلة رجالا ونساء جلهم مثال الصدق والأمانة والاستقامة. ليأتي، في غفلة من الزمن، من قام بزيادة الجرعة تدريجيا في المناهج، لتتحول الكويت بسببها إلى بؤرة تطرف ديني لم تعرفه في تاريخها، ولتصبح فوق ذلك من أكثر دول الخليج فسادا!
أحمد الصراف