قال خبر مقتضب إن حملة تفتيش مفاجئة نظمتها وزارة الشؤون على مجمعات في حولي اسفرت عن تسجيل عدد من المخالفات! وحيث ان الخبر، بصيغته تلك، قد لا يكون مفهوما من البعض، فسنحاول هنا شرح ما يعنيه وخطورته. يتطلب استخراج ترخيص مزاولة مهنة، أو تأسيس شركة، تحديد مكان مزاولة العمل، وحيث ان نسبة من مؤسسي الشركات والأنشطة الفردية لا يهدفون الى المتاجرة العادية بها بل لتأجيرها للغير أو لاستخراج إقامات عمل عليها، وبيعها للراغبين في العمل في الكويت من مختلف الجنسيات، وتحقيق مبالغ كبيرة عليها. ولأن استئجار مقر يكلف الكثير أحيانا، فقد تفتقت أذهان «مافيا» الإقامات على اختيار مجمعات تجارية محددة وتأجير وحداتها، مقابل مبالغ بسيطة، على الراغبين في المتاجرة بالإقامات، وتزويدهم بعقد ووصل إيجار لاستكمال متطلبات الوزارة، ومن بعدها تبدأ عملية استخراج تصاريح العمل، وتبدأ بفراش ومحاسب وسائق وموظف ومندوب لتصل أحيانا الى المئات، وكل ذلك لشركة لا يتعدى حجم مقرها عن دكان صغير بعشرة أمتار مربعة! وقد تكونت على مدى السنين من الاهمال الحكومي وتواطؤ من «كبار» موظفي الوزارة، عصابات تعرف «الشؤون» و«الداخلية» الكثير عنها، ولكن لا تود جهة التحرك ووقف أنشطتها الإجرامية! ولا نظلم أحدا أو نبالغ إن قلنا إن جميع وزراء الشؤون والوكلاء الذين تعاقبوا على الوزارة في السنوات 25 الماضية على الأقل، وبمعيتهم كل وكلاء العمل وجيش المراقبين والمفتشين، كانوا جميعا، وعلى مدى أكثر من 25 عاما، على علم بوجود هذه الجهات المخربة ومقار الشركات الوهمية، التي تستخدم علنا لغرض استخراج تراخيص غير قانونية والإضرار الشديد بمصالح الوطن، ومع هذا لم يقم أحد من هؤلاء يوما بالمطالبة أو حتى بالتضييق عليها أو إغلاق ملفات اصحابها، وكل ما كنا نسمعه أو نقرأه هو «الكشف» عن عصابة هنا وغيرها هناك تتاجر بإقامات العمل، ولكن لم نسمع يوما أن مواطنا «أدين» بهذه الجريمة المخربة، ولا ندري لماذا كل هذا السكوت؟ فالوزراء كانوا يعرفون، ورؤساؤهم كانوا يعلمون بالوضع، وكل من اتبعهم من وكلاء مساعدين ومديري إدارات ومراقبين ومفتشين وموظفين عاديين وحتى فراشين كانوا على علم بوجود هذه المجمعات، ولكن لم تتحرك الوزارة إلا في أضيق الأحوال للقضاء على هذه الجريمة الواضحة الأركان والمعالم، وكان من الممكن أن نشاركهم السكوت عن هذه الجريمة وعدم الاعتراض على ما حل بنا من قلة إحساس بالمسؤولية لولا ذلك السخيف الذي «بط جبدي» بفكرة «كويتي وأفتخر»!
نتمنى أن يكون للوزيرة الجديدة ذكرى الرشيدي والوكيل الجديد محسن المطيري يد في قرار التفتيش الأخير على مجمع حولي. ونذكرهما بأن هذه المجمعات منتشرة في كل أنحاء الكويت ومعروفة لجميع العاملين في إدارة التفتيش، وإغلاق ملفات الشركات المستأجرة لمحلات فيها أصبح أمرا مستحقا، مع وضع أسماء أصحابها في «القائمة السوداء»! ويجب عدم انتظار تحويل إدارة العمل لهيئة مستقلة للقيام بهذه الضربة. بل تقع عليكما مسؤولية الحسم الآن، وهي خطوة صغيرة في رحلة الألف ميل للقضاء على جريمة المتاجرة بقوت البشر وتخريب السلم الاجتماعي وتحقيق الثراء على حساب المال العام!
أحمد الصراف