ورد في مقال مميز للاقتصادي جاسم السعدون أنه اجاب عن سؤال تلفزيوني بالقول: لولا «بعض عقل» و«بعض حياء» و«بعض تقدير» لأفراد في الحكومة مازال يعتقد أن قلبهم يحترق على بلد يتعرض لمخاطر من الداخل أكثر من أي وقت مضى، لأقام دعوى حجر قضائية على الحكومة ومجلس الأمة، فهما بحكم القُصّر! ويتساءل عن المدى الذي سيصمد فيه بعض هذا العقل والحياء والتقدير؟ ونضيف على كلامه بالقول اننا نتمنى أن تكون وزيرة الشؤون ضمن هؤلاء، وبالتالي نوجه لها هذا المقال متسائلين عن مدى صحة التصريح الذي قالت فيه ان الوزارة تخطط لتخفيض عدد المقيمين بمائة ألف سنويا، ولعشر سنوات مقبلة! وهذا الكلام إن صح فهو أقرب للفراغ منه لأي شيء آخر، فالكويت لا تشكو أساسا من خلل رهيب في التركيبة السكانية، بقدر ما تشكو من قضية أخلاقية تتعلق بــ «السماح» لفئة من المواطنين بتخريب الوطن والمتاجرة بالبشر، فلو كان هناك حزم، وكانت هناك رقابة عادلة وكانت هناك قوانين واضحة تجرم جلب عمالة ورميها بالشارع، ولو كانت هناك خطط تنمية حقيقية لما كان هناك عاطل في الشارع! إضافة لذلك فإن الوزيرة الفاضلة تعتقد، إن صح ما نسب لها، أن حجم القوى العاملة في الكويت ثابت، ولا يحتاج الأمر لغير التخلص سنويا من مائة ألف اجنبي لتتعدل التركيبة من خلال التخلص من مليون عامل خلال عشر سنوات، وهذا خيال، فالدولة تنمو باستمرار والأعمال تزيد والحاجة لليد العاملة الخارجية لن تتوقف، كما أن هناك إحلالا مستمرا، وعودة عمال لأوطانهم، لسبب أو لآخر، وحلول آخرين مكانهم، فمن الذي يقرر من يحل محل من، ومن الذي يسمح له بالنمو في عمله، وحرمان الآخر من احتياجاته، وزارة الشؤون، او هيئة العمل المرتقبة، كإدارة حكومية تقليدية، بكل هذا الخراب والفساد أعجز من وضع ضوابط يمكن التقيد بها؟
ولا شك أن الوزيرة تعرف جيدا أن هناك مئات الشركات النظيفة والمنتجة التي تقوم، مجبرة، بتشغيل عشرات آلاف العمال لديها من دون أن يكونوا على كفالتها، لأنهم عاجزون لسبب أو لآخر أو غير راغبين في دهان سير العاملين في إدارة تقدير الاحتياجات! ويقابل هذه الشركات عدد مماثل من الشركات الرديئة التي تبين سجلات العمل في الشؤون أن عشرات آلاف العمال يعملون لديها، ولكن أصحاب هذه الشركات الوهمية لا يعرفون عن عمالهم شيئا غير مرة في السنة عندما يحل أجل تجديد كفالاتهم لتقبض منهم المقسوم، أو ثمن بقائهم في البلاد!
إن التركيبة السكانية المتخلخلة لا تحتاج لطرد أو التخلص من 100 ألف عامل، وتعرف الوزيرة جيدا أن طاقم وزارة الشؤون عاجز حتى عن القيام بالأعمال الورقية المتعلقة بذلك، بل الخلل بحاجة لمراجعة ما يجري من متاجرة حقيرة بقوت مئات آلاف العمال المساكين الذين لا يصعب أبدا الوصول لمن كفلهم من «المواطنين الفخورين بكونهم كويتيين». كما أن الوزارة تعرف أسماء جميع من سهل لهؤلاء المواطنين جرائمهم، من داخلها. الأمر يحتاج لحزم وتطبيق للقانون وليس لقرار التخلص من مائة الف، نحن أعجز عن تنفيذ شيء منه!
أحمد الصراف