طغى على حقبتي الخمسينيات والستينيات في الدول المتقدمة والمتخلفة الاعتماد الشديد على القطاع العام وتملك الدول لوسائل الإنتاج للنهوض بالبلدان عبر تأسيس الصناعات الثقيلة والمزارع الجماعية والأسواق الاستهلاكية التي تبيع السلع المدعومة (كانت الجمعيات التعاونية تملأ بريطانيا)، في منتصف السبعينيات وما تلاها من عمليات تضخم أصابت العالم نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات، بدأت الدول تشعر بكلفة القطاع العام وترهله وتسببه بالعجوزات في ميزان المدفوعات وتتجه لخصخصة القطاع العام، الغريب ان الكويت في تلك المرحلة (الخمسينيات والستينيات) كانت تشهد بعكس دول العالم دورا متعاظما للقطاع الخاص في تجربة شبيهة بما قام به طلعت حرب في مصر منتصف الثلاثينيات وما بعدها.
* * *
وجرت العادة أن يتم تكوين لجنة للتخصيص على مستوى الدول لاختيار القطاعات المراد خصخصتها، فتبدأ عادة بالأصغر والأكثر فرصة للنجاح تدرجا للأكبر والأكثر صعوبة، كما يتم اختيار طرق عدة للخصخصة بدءا من خصخصة الإدارة فقط الى البيع المباشر وعبر المزادات العلنية في أسواق المال وانتهاء بمنح كوبونات للجمهور كما حدث في أوروبا الشرقية منتصف التسعينيات.
وإحدى أساسيات عملية الخصخصة معرفة الهدف الرئيسي منها أي هل هو رفع الكفاءة الإنتاجية، أم حصد العوائد المالية، أم زيادة فرص العمل..الخ؟ حيث لا يجوز القيام بالخصخصة لأجل الخصخصة ذاتها على وزن الفن لأجل الفن، فقد ثبت عبر كثير من التجارب أن قطاعا عاما يدار بمهنية وكفاءة وأمانة أفضل من قطاع خاص يفتقد المهنية والكفاءة والأمانة.
* * *
ويجب أن يصاحب عمليات الخصخصة إنشاء هيئات قضائية للرقابة على عمليات التخصيص، والحرص على إصدار تشريعات للنزاهة والشفافية المطلقة في عمليات بيع الشركات، كما يجب تعزيز أدوار الجهات المعنية بحماية المستهلك وضمان المنافسة وجودة المنتج ومحاربة عمليات تثبيت الأسعار، ومن الضرورة ان تختلف نسبة التملك الأجنبي من مشروع الى مشروع بدلا من تحديد نسبة ثابتة للكل، فلا يوجد حجم واحد مناسب لجميع القطاعات المراد خصخصتها.
* * *
آخر محطة: عند خصخصة بعض القطاعات الاستراتيجية الهامة تحتفظ الحكومات أحيانا بما يسمى بـ «السهم الذهبي» الذي يعطيها حق الفيتو، ويستخدم ذلك السهم فقط عند الضرورات القصوى التي تتعلق بمصالح الدولة العليا ولا يجوز استخدامه بشكل يومي أمام كل مشكلة صغيرة، وإما تستخدمه أو أوقفك على المنصة وأستجوبك يا وزير..!