تمر بنا هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على الغزو الأميركي للعراق (أو تحرير العراق كما كنت أسميها) وأفردت الصحافة الغربية صفحاتها لتذكّرنا بعبر تلك الحرب التي كان ضحاياها عشرات الألوف من العراقيين ونحو خمسة آلاف جندي أميركي ومئات الألوف من الجرحى… السؤال الآن هل استطاع الغرب خلق دولة عراقية جديدة تقوم على أسس الديمقراطية الحقيقية والمساواة والشفافية، أم أنه فشل في العراق… وفي أفغانستان؟ الإجابة هي أن الفشل سيد الموقف، إذ تمت إزاحة نظام فاشي مرعب ليحل مكانه نظام طائفي بوجه ديمقراطي على الطريقة العربية، التي تعني استبداد مَن ركب جمل الأكثرية الشيعية ودهس الأقلية السنية، وصاحبه فساد مستشرٍ في دولة مقسمة واقعياً بين شيعة الجنوب وشبه دولة كردية في الشمال وسنة وسط يتقلبون على جمر التعصب القبلي بتحالفات وقتية مع جماعات "القاعدة"، تُنقَض مرة وتعود من جديد مرات أخرى… حسب مشاعر القهر الطائفي وتماشياً مع التراث التعصبي القبلي.
الوحش الطائفي المفترس لم ينهض في العراق فقط، بل امتد إلى سورية اليوم (بشكل مقلوب) ولبنان، وسيمتد سعير النيران الطائفية ومشاريع التقسيم إلى جُل دول المنطقة التي ليس لها تاريخ يذكر في مفهوم الدولة- الأمة… لماذا تبرز تلك الاحتمالات…؟ وإذا كانت البداية الحقيقية لـ"ربيعنا" عام 2003 بإسقاط نظام صدام، ولم تكن حرق البوعزيزي نفسه في تونس إلا شرارة الانتفاضة العربية، فماذا تجابه دولنا اليوم. والكويت ودول الخليج لا تمثل استثناء من خطر الغول الطائفي ببركة الوعي الأصولي المتجذر بتلك الدول وغياب الرؤية عند قيادات المنطقة.
كتب جورج الطرابيشي (هرطقات جزء 2) "… لم أضع أي رهان من طبيعة عجائبية يأتي عن طريق صندوق الاقتراع إذا لم يتحول بتحول عقلي في صندوق الجمجمة.."، ويقرر الكاتب أن التدخل الأميركي لم يقدم أكثر من المناسبة لانفجار الحرب الطائفية، ولكنه لم يكن عاملها على صعيد السببية.."، فالحالة الطائفية وحروبها المروعة استُهلت بموقعة الجمل، ثم صفين، وأخذت بعدها الكارثي في مأساة كربلاء حين قتل بصورة بشعة 72 من أهل البيت… وتمضي السنون المظلمة، وتصعد وتخبو نيران تلك الحروب لتصل إلى تلك الفقرة التي أقتبسها من المؤرخ ابن كثير في البداية والنهاية"… ففي صفر سنة ٤٤٣هـ وقعت الحرب بين الروافض والسنة، فقُتل من الفريقين خلق كثير، وذلك أن الروافض نصبوا أبراجاً وكتبوا عليها "محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر"، فأنكرت السنة اقتران علي مع محمد صلى الله عليه وسلم في هذا، فنشبت الحرب واستمر القتال بينهم إلى ربيع الأول، فقتل رجل هاشمي فدفن عند الإمام أحمد (ابن حنبل) ورجع السنة من دفنه فنهبوا مشهد موسى بن جعفر، وأحرقوا ضريح موسى (الكاظم) ومحمد بن الجواد وقبور بني بويه، وأُحرق قبر جعفر بن المنصور ومحمد الأمين، وأم زبيدة وقبور كثيرة…"، ويلاحظ الطرابيشي، أن الحروب الدينية استمرت في أوروبا ثلاثين عاماً من 1618م إلى 1648 وانتهت بصلح وستفاليا، أما حروب الشيعة مع السنة فاستمرت أكثر من٣٠٠ عام حتى سقوط بغداد.
تلك كانت صورة تاريخية رسمها المؤرخ والفقيه السلفي السني ابن كثير، لا يمكن لومه على تعبيره بكلمة "روافض" في وصفه للشيعة، لأن فكره كان وليد زمنه وهو زمن الفتن، كما لا نلوم مؤرخي وفقهاء الشيعة على تعبيرهم بكلمة "نواصب"، لأن فكرهم كان وليد ذلك الجذب الطائفي الغائر في تاريخنا العربي، لكن كيف هو الأمر اليوم، حين تقع سلسلة من التفجيرات للمراقد والتجمعات الشيعية في العراق وتحرق الكنائس، وتشرع حرب تحرير في سورية ضد نظام متوحش، تكاد تتحول إلى حرب طائفية لها صورها الكثيرة في لبنان والعراق، إضافة إلى مسخ المطالبة بالديمقراطية في البحرين وتحويلها إلى استقطاب طائفي، ومناقشات مجالس الأمة بالكويت التي تضج بتهم ومشاريع الطائفية، وتعلو نبرات أصوات شباب التوتير الصبغة الدينية المتشددة؟!
ألم يكن ماركس صادقاً في أن التاريخ لا يكرر نفسه عندما يكررها إلا ليحول المأساة إلى ملهاة؟"
قبل ألف عام كانت مأساة، ونخشى أن يكون غدنا ملهاة… فهل يتعظ الطائفيون؟!
اليوم: 21 مارس، 2013
يا ذكرى ومحسن.. هل يعود الفضل إليكما؟
قال خبر مقتضب إن حملة تفتيش مفاجئة نظمتها وزارة الشؤون على مجمعات في حولي اسفرت عن تسجيل عدد من المخالفات! وحيث ان الخبر، بصيغته تلك، قد لا يكون مفهوما من البعض، فسنحاول هنا شرح ما يعنيه وخطورته. يتطلب استخراج ترخيص مزاولة مهنة، أو تأسيس شركة، تحديد مكان مزاولة العمل، وحيث ان نسبة من مؤسسي الشركات والأنشطة الفردية لا يهدفون الى المتاجرة العادية بها بل لتأجيرها للغير أو لاستخراج إقامات عمل عليها، وبيعها للراغبين في العمل في الكويت من مختلف الجنسيات، وتحقيق مبالغ كبيرة عليها. ولأن استئجار مقر يكلف الكثير أحيانا، فقد تفتقت أذهان «مافيا» الإقامات على اختيار مجمعات تجارية محددة وتأجير وحداتها، مقابل مبالغ بسيطة، على الراغبين في المتاجرة بالإقامات، وتزويدهم بعقد ووصل إيجار لاستكمال متطلبات الوزارة، ومن بعدها تبدأ عملية استخراج تصاريح العمل، وتبدأ بفراش ومحاسب وسائق وموظف ومندوب لتصل أحيانا الى المئات، وكل ذلك لشركة لا يتعدى حجم مقرها عن دكان صغير بعشرة أمتار مربعة! وقد تكونت على مدى السنين من الاهمال الحكومي وتواطؤ من «كبار» موظفي الوزارة، عصابات تعرف «الشؤون» و«الداخلية» الكثير عنها، ولكن لا تود جهة التحرك ووقف أنشطتها الإجرامية! ولا نظلم أحدا أو نبالغ إن قلنا إن جميع وزراء الشؤون والوكلاء الذين تعاقبوا على الوزارة في السنوات 25 الماضية على الأقل، وبمعيتهم كل وكلاء العمل وجيش المراقبين والمفتشين، كانوا جميعا، وعلى مدى أكثر من 25 عاما، على علم بوجود هذه الجهات المخربة ومقار الشركات الوهمية، التي تستخدم علنا لغرض استخراج تراخيص غير قانونية والإضرار الشديد بمصالح الوطن، ومع هذا لم يقم أحد من هؤلاء يوما بالمطالبة أو حتى بالتضييق عليها أو إغلاق ملفات اصحابها، وكل ما كنا نسمعه أو نقرأه هو «الكشف» عن عصابة هنا وغيرها هناك تتاجر بإقامات العمل، ولكن لم نسمع يوما أن مواطنا «أدين» بهذه الجريمة المخربة، ولا ندري لماذا كل هذا السكوت؟ فالوزراء كانوا يعرفون، ورؤساؤهم كانوا يعلمون بالوضع، وكل من اتبعهم من وكلاء مساعدين ومديري إدارات ومراقبين ومفتشين وموظفين عاديين وحتى فراشين كانوا على علم بوجود هذه المجمعات، ولكن لم تتحرك الوزارة إلا في أضيق الأحوال للقضاء على هذه الجريمة الواضحة الأركان والمعالم، وكان من الممكن أن نشاركهم السكوت عن هذه الجريمة وعدم الاعتراض على ما حل بنا من قلة إحساس بالمسؤولية لولا ذلك السخيف الذي «بط جبدي» بفكرة «كويتي وأفتخر»!
نتمنى أن يكون للوزيرة الجديدة ذكرى الرشيدي والوكيل الجديد محسن المطيري يد في قرار التفتيش الأخير على مجمع حولي. ونذكرهما بأن هذه المجمعات منتشرة في كل أنحاء الكويت ومعروفة لجميع العاملين في إدارة التفتيش، وإغلاق ملفات الشركات المستأجرة لمحلات فيها أصبح أمرا مستحقا، مع وضع أسماء أصحابها في «القائمة السوداء»! ويجب عدم انتظار تحويل إدارة العمل لهيئة مستقلة للقيام بهذه الضربة. بل تقع عليكما مسؤولية الحسم الآن، وهي خطوة صغيرة في رحلة الألف ميل للقضاء على جريمة المتاجرة بقوت البشر وتخريب السلم الاجتماعي وتحقيق الثراء على حساب المال العام!
أحمد الصراف