أوضاعنا ومنذ سنوات عدة مختلفة عما يجري في العالم أجمع، وقد يكون اختلافنا عن العالم هو سبب تخلفنا الذي يشتكي منه الجميع ويشارك به ـ يا للعجب ـ الجميع، فإن قرر العالم ان بناء المباني يبدأ من الأسفل، قررنا ان هذا لا ينطبق علينا «لخصوصيتنا الكويتية» وان على مبانينا ان تبنى من أعلى دون ان نعطى مبررا لهذا الاستفراد، وهل يعني اختلافنا عن باقي الخلق ان نأكل على سبيل المثال من أنوفنا ونتنفس من أعيننا؟!
***
علم الآباء المؤسسون للكويت القديمة بذكائهم وحكمتهم ـ لا بشهاداتهم المضروبة ـ ان كويت المركز المالي هي الوسيلة الوحيدة للعيش والبقاء، حيث لا زرع ولا ضرع ولا أنهار ولا أمطار في الكويت، بل صحراء جافة قاحلة تعتبر الأكثر سخونة في العالم، بينما تتمتع الدول المجاورة لها بالأنهار واعتدال الطقس والزراعة وكان مفترضا طبقا لذلك المعطى ان يهاجر الكويتيون لدول الجوار لا العكس.
***
لقد استوعب الآباء المؤسسون حكاما ومحكومين حقيقة متطلبات واستحقاقات المركز المالي للكويت ومنها:
(1) وجود الحريات الاجتماعية والسياسية وانعدام التعصب والانفتاح الإيجابي على الحضارات والديانات المختلفة، لذا ارتحل المقموعون من الدول الثرية المجاورة للكويت وليس العكس، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
(2) عدم وجود ضرائب باهظة على السكان او البضائع في وقت فرضت فيه الدولتان العثمانية والصفوية ومثلهما باقي إمبراطوريات العالم الضرائب الباهظة على شعوبهم لتمويل حروبهم.
(3) الاهتمام بخلق أحد أكبر «أساطيل النقل» في المنطقة، حيث كان أسطول السفن الكويتية الذي كانت أعداده تتجاوز عشرات الآلاف من السفن الصغيرة والكبيرة، قصيرة وطويلة المدى، هو الركيزة الأساسية للمركز المالي الكويتي الذي عاشت على إيراداته الكويت لقرون عدة، ولولا ذلك الأسطول الذي يتم تجديده وتحديثه تباعا لانقرضت الكويت وضمت لإحدى دول الجوار.
***
تلك الركائز والحقائق والبديهيات التي علم بها الآباء المؤسسون قبل 4 قرون وسبقوا بها سنغافورة وهونغ كونغ ولوكسمبورغ والبهاما وباقي دول الخليج، أصبحت لاحقا هي ركيزة جميع المراكز المالية الناجحة في المنطقة وخارجها من تسامح وتقبل الثقافات المختلفة وخفض الضرائب وخلق أساطيل ضخمة تتمثل في طائرات متعددة الأحجام لخدمة تلك المراكز، وتلك المعطيات التي صدرناها للعالم نسينا ان نستوردها لاحقا منهم، كي نعلم ان حلم المركز المالي لن يتحقق دونها ولا فائدة من فوائض أموال تعتمد على مداخيل النفط الناضب والمورد الوحيد للدولة.
***
آخر محطة: (1) بديهية أقرب لشروق الشمس من الشرق، لا مركز ماليا دون شركة طيران كويتية عملاقة كحال الجيران، تمتلك طائرات حديثة تنقل المواطنين والمستثمرين والسائحين والمقيمين والزائرين والبضائع لمشارق الأرض ومغاربها، ودون ذلك سترجع الكويت صحراء قاحلة متى ما اختفت او انخفضت مداخيل النفط في وضع أسوأ مما بدأنا به قبل 4 قرون من الزمن.
(2) بديهية أخرى أقرب لغروب الشمس من الغرب، لا شركة طيران كويتية تسعد الشعب الكويتي وتخدم المركز المالي، حلم القيادة السياسية والبديل الوحيد للنفط، دون تسابق حكومي ـ نيابي لدعم متميز للشركة في حلتها الجديدة، ومن غير ذلك ستعلن وفاة «الكويتية» بـ «السكتة المالية» التي قتلت كثيرا من الشركات قبلها!