ضبطت سلطة الحكم الواحدة أمورها، وضبطت بالتبعية مجلس "أمتها"، ووافقت على شراء فوائد القروض، ووعدت بصدقات الألف دينار لكل مواطن غير مقترض، حتى يعم الخير الجميع، ويسعد ويهنأ كل من لم يذق عسل الحكم، وينتشي من خمر مجلس الصوت الواحد.
أما كل المطولات الكتابية والدراسات والخطابات الممتدة عن الهدر المالي، وتنشيف مدخرات الأجيال والعدالة، وكل الثرثرة الرسمية التي صدعت رؤوسنا من استهلالات النائب السابق ضيف الله بورمية قبل سنوات معاركه من أجل إسقاط القروض، ومعارك من تبعه مع بدر الحميضي وزير مالية الردح والجدل بالأرقام والإحصائيات السابقة، كل تلك الأدبيات والعنتريات من جماعات النصح والدعاية لعقلانية وحكمة الحكم في الإدارة المالية، فنقول لهم: "نقعوها وشربوا مايها".
لا حسد ولا قهر، والله يوفق حكومتنا ويرفع الضرر عن الضحايا المقترضين، فماذا يعني أن تنفق الدولة ٧٥٠ مليون دينار أو مليار دينار لشراء قروض اليوم، ومليار دينار آخر لشراء قروض الغد، ومليارات لا تنتهي لشراء ود المواطنين مقابل بيع حرياتهم، ورمي مستقبل أبنائهم للمجهول… لا تعني أي شيء… متى كان الثمن هو "الصمت" والسكوت، وبعد أن يضخ الأفيون المخدر في شرايين وعي الناس، ويتم تغييبهم عن واقعهم، وتغلق أبواب القلق المشروع على مستقبل الدولة.
بالنقدي، تحل السلطة أزماتها العارضة. "نقدي" لا يصب لإصلاح أبنية مستوصفات مهترئة، ولا ينهي طوابير ممتدة من بشر ينتظرون دورهم للسكن، ولا يضع حلولاً لأزمات مرور خانقة، ولا يخلق تعليماً أفضل ولا ثقافة أرقى ولا فنوناً أفضل، ولا يعدل وينصف أوضاع مئة ألف من بشر يعيشون معنا، وولدوا على هذه الأرض لكنهم بلا هوية.
نقدي للناس وإسقاط فوائد قروض أو قروض كاملة ليس جديداً على دولة الدينار، فبعد التحرير، تم شراء صمت الصامدين، ثم تم شراء المديونيات "الصعبة" عام ٩٣، والأخيرة "كانت رصاصة وانطلقت"، بعبارة د. إسماعيل الشطي، وقبل كل هذا وذاك انتشلت السلطة في الثمانينيات ضحايا سوق المناخ من الغرق، وألقت لهم بطوق المليوني دينار، وأنقذت صغار المضاربين، وأيضاً معهم – وقبلهم – نفخت جيوب كبارهم… مضت الأيام المضحكة لـ"هيئة التحكيم" وشركة المقاصة، وهل تريد حل الغرفة أم حل الحكومة… إلخ! مضى ذلك الزمن… وولت تلك الأيام، إلا أن فلسفة أبي الهول مازالت صامدة تقاوم عاديات الزمن، فأبوالهول لم يتوقف يوماً عن ترنيم نشيده الأثير "ترى إحنا ما نتغير… الله لا يغير علينا".
اليوم: 14 مارس، 2013
جمال الوزير وشجاعته
«لنتعلم من دبي»! جملة مفيدة انتظرت ثلاثين عاماً لأسمعها من أي مسؤول حكومي، ولكن لا أحد نطق بها على حد علمي حتى الأمس القريب، وزادوا على ذلك برفض حتى الاعتراف بأن دبي تسبقنا في مجالات كثيرة بسنوات، وهي التي سبق أن كانت تلهث وراءنا بأجيال! ثم جاء وزير التجارة أنس الصالح ليقول تلك الجملة التي طال انتظاري لها، فقد تحلى بشجاعة خانت غيره، واعترف بأمر مستحق منذ عقود (القبس 3/3)، عندما صرّح بأنه سيرسل وفداً إلى دبي للاطلاع على تجربتهم المتطورة في مجال إصدار التراخيص التجارية إلكترونياً، وليتعلم منهم! وهنا، نتمنى أن تستفيد كل إدارة حكومية من تجربة دبي، خصوصاً الموانئ التي تخلفت في عهد إدارتها الحالية سنين طويلة، واستحق التغيير فيها منذ سنوات، ولكن من يسمع؟ وليس عيباً أن نتعلم من دبي بحجة أننا كنا نساعدها طبياً وتعليمياً قبل عقود قليلة، فالأجدر بنا أن نفرح بتقدمهم، ونفخر بأن من صرفنا على تعليمهم أصبحوا أفضل منا، وهذا قمة السعادة لمن يعطي ليفيد ويسعد، وأن ما دفعناه لم يذهب هدراً! وليس عيباً أن نتعلم ممن هم أقل منا في أي مجال، فأنا أتعلم دائماً من ابنتي وابني الكثير، خصوصاً في كيفية الاستفادة من الأجهزة الإلكترونية الحديثة، وهذا ليس عيباً، بل العيب أن أبقى على جهلي بحجة أنني أرفض أن أتعلم ممن سبق أن علمتهم كل شيء!
نعود ونقول إننا غير مجبرين على تقليد دبي، ولكن ليس هناك ما يمنع أبداً، بل هناك كل ما يشجع على التعلم منها، فدبي متقدمة علينا في تنظيم المرور، سواء في النقل الجماعي أو توجيه المركبات إلى طرق معينة وتجنب غيرها عن طريق ما يفرض من رسوم مرور في شوارع معينة (Toll)، كما أنها أفضل منا بمراحل في طرق إدارة موانئها ومنطقتها الحرة! وليس عيباً أن نتعلم منها كيفية إدارة حتى طريقة توحيد إصدار عقود إيجار الشقق والمحلات التجارية وتسجيلها رسمياً واستيفاء رسوم عليها، كما أنها متقدمة علينا في طريقة تسجيل العقارات وتحويلها وتركيب الهواتف الأرضية وغير ذلك الكثير، وهي أنفقت أموالاً طائلة وخسرت وعانت لتصل وتتعلم كل هذه الأمور، فلمَ نصر على إعادة اختراع العجلة وهي موجودة؟
عيبنا في الإدارة، والإدارة بحاجة لخضة، والخضة بحاجة ليد قوية، واليد القوية بحاجة لعزم، والعزم بحاجة لقرار، والقرار شبه مفقود.. وسلامتكم.
***
• ملاحظة: بعد مواقف الوزير الشمالي العقلانية والصلبة تجاه إسقاط القروض قررت تغيير فكرتي السلبية عنه والإشادة به، وحتى الاعتذار له، ولكن بعد «إذعانه»، ورضوخه للضغوط، طاح من عيني.. مرة ثانية!
أحمد الصراف