هل انتقل إلى رحمة الله الحراك الشبابي المعارض للسلطة، أم إنه أخذ قيلولة، واستراحة محارب، وسينهض بعد فترة؟! لا هذه ولا تلك… فهمم الشباب لم تفتر، ولا أعتقد أنهم سلموا أمرهم للقدر والمكتوب، وهو قدر السلطة ومكتوبها، الذي تفرضه بعصيها وزنازينها. بالتأكيد الشباب الواعون يشعرون بالإحباط، إحباط قد يكون سببه إحساسهم الدفين بأن هناك من تخلى عنهم من بعض الذين يقودون العمل السياسي ورموزه. فعدد من الشباب زج بهم في سجون مظلمة بدون ذنب غير أنهم عبروا عن فهمهم ورؤاهم لما حدث في مرسوم حل المجلس "منتخب" على علاته الكثيرة، وتنصيب مجلس آخر وفق قرار أحادي تفردت به الأسرة الحاكمة، ولم تكن ردود الفعل بمستوى مصادرة حرياتهم وقهر تحركاتهم.
اندفع هؤلاء الشباب في أحلامهم، وفي "تويتراتهم"، وفي الخروج إلى الشارع بحماس ملتهب، ورفعوا عالياً شعار "لا" يا سلطة، إلا أنهم وجدوا أنفسهم في ما بعد بلا معين، أصابتهم خيبة أمل في وعي من يحيط بهم، لم يصطف معهم الكثيرون من شعب "الحمد لله مو ناقصنا شي"، وما دام هؤلاء "الكثيرون" يرفلون بالنعم وسكينة رغد العيش فما الحاجة إلى ممارسة الرفض، ودفع ثمن هم في غنى عنه؟
أيضاً، لم يجد الشباب من ينظم ويؤطر رؤية مستقبلية لحراكهم، ويضع منهجاً للعمل السياسي يتجاوز القبيلة، والطائفة، والمعتقدات الخاصة، ويتجاوز الذات الأنانية وطموحات مريضة وينشغل بالغد، فغير الناشطين من التيار التقدمي، لم يقدم أحد مثل هذا التصور العريض للعمل السياسي… فلم تطرح أسئلة استفهامية عما نريد من تحركات الرفض والإملاء السلطوي! هل دستورنا يعد كافياً للعمل السياسي أم تجاوزه الزمن ودهسته السلطة الحاكمة والمجالس النيابية المتعاقبة بقوانين وممارسات قمعية؟… كيف نوفق بين المادتين الرابعة والسادسة من غير الانتشاء بأوهام التلفيق حين نسميها توفيقاً؟! كيف نفهم مبدأ الفصل بين السلطات على أرض الواقع المعيش وليس بالهذيان النظري المعتاد؟! هل تختزل قضية الحراك بكلام عام مكرر عن الفساد أم يجب أن تصعد فوق ذلك لخلق ديمقراطية حقيقية تحاسب وتحارب الفساد السياسي، وكل صور وأشكال الفساد من ابتلاع ملايين الأجيال، إلى رشوة موظف صغير، أو التوسط لتجديد رخصة قيادة أو دفتر سيارة؟… وكيف يمكن تحقيق هذه الديمقراطية والإدارة المحاسبية من غير أحزاب سياسية لها برامج واضحة لا ترتبط بالاستقطابات القبلية أو الطائفية؟
كيف يمكن أن نخطو لفضاء الحريات السياسية والفردية والعدالة الاجتماعية، بينما الدولة محاصرة إقليمياً بأنظمة لا تتقبل أياً من ذلك، وتكاد تفرض منهجها على الدولة؟
أسئلة يجب أن تُسأل حتى نخرج من عنق زجاجة الملل السياسي الخانق.
اليوم: 12 مارس، 2013
استبدال دكتاتورية بأخرى
كان روبرت سنكلير الرجل الثاني في المصرف الذي كنت اعمل به، سعيدا بوضعه وامتيازاته، ثم فجأة اعفي المدير العام من منصبه لتعريضه البنك لخسائر جسيمة في مضاربات عملة، وعندما عرض المنصب على سنكلير، اعتذر مفضلا البقاء كنائب، وعندما استفسرت منه على سبب رفضه لكل امتيازات الترقية، قال انه تعلم مبكرا بأن «الرأس كثير الاذى»، وانه سيدفع الثمن مستقبلا عند تعرض المصرف لاي خضة، وان وجوده في منصب الرجل الثاني يحصنه من مخاطر الطرد! بعد يأس مجلس الادارة من ايجاد بديل مناسب للمدير العام المقال، عرضوا المنصب ثانية على سنكلير باغراءات اكبر فقبل، ولكن حدث ما توقعه الرجل، حيث فقد وظيفته المرموقة بعدها بسنة! ومنذ يومها وانا افضل، في الكثير من مساهماتي وانشطتي، البقاء في الصفوف الخلفية!
مناسبة هذا الحديث تتعلق بما يجري في سوريا وما جرى في مصر وغيرها من دول الربيع العربي، وما اصبح يبديه البعض من ندم على الانظمة السابقة او ما ستؤول اليه الاحوال في حال سقوط النظام هنا او هناك، وكيف انهم يفضلون بقاء نظام ظالم او فاسد او دكتاتوري على نظام «قد» يكون اكثر ظلما ودكتاتورية! ولكن تناسى هؤلاء ان ما يحدث في مصر تقع مسؤوليته المباشرة على الرئيس السابق الذي فشل على مدى ثلاثة عقود في خلق نظام ديموقراطي بديل يمكن من خلاله انتقال السلطة بسلاسة وشفافية لغيره، ولكنه فضل الحكم منفردا وان يبقى رأسا لا يقاربه رأس اخر، وعليه بالتالي تحمل كامل المسؤولية. الشيء ذاته ينطبق على الوضع في سوريا، فقد نال نظام الاسد حظا اكثر من غيره في ان يحكم لاكثر من 40 عاما، حسن فيها اشياء كثيرة، ولكنه فشل في التوسع في الحريات ونشر الديموقراطية وترتيب انتقال السلطة بالرغم من طول الفترة، وبالتالي لا مناص من تحميله كامل المسؤولية، فوجود اكثر من مليون لاجئ سوري خارج وطنهم وكل القتل والتدمير والتشريد الذي حدث لا تتحمله جبهة «النصرة المتخلفة» او المعارضة الاخرى، بل النظام، كما ان جسامة الخسائر تجعل من تراجع اي طرف مسألة صعبة جداً، وهذا سيجر ويلات اكثر على ملايين الابرياء الذين لا ذنب لهم في كل ما يحدث، ومع هذا فإن ما قامت به الجامعة العربية اخيراً، بضغوط من دول خليجية، في فرض الائتلاف «الوطني» على العالم كممثل «شرعي» ووحيد للشعب السوري، لا يختلف كثيراً عن الطريقة التي وصل فيها الاسد للحكم! فمن يقول ان هذا الائتلاف شرعي ويمثل الشعب السوري؟ وكيف يمكن اختزال ارادة اكثر من 22 مليون مواطن سوري في بضعة اشخاص؟ ان الجامعة، او من حركها، تتصرف بمنطق النظام الموجود في الحكم نفسه، فكلاهما يتصرف بدكتاتورية على مقاسه، وان من نوع مختلف.
أحمد الصراف