من المؤكد ان الثورات العربية التي قامت منذ أكثر من عامين كانت ثورات مستحقة.
وبالرغم من قساوة الثورات على العباد والبلاد وما تخلقه من حالة «اللااستقرار» الا انها في ظروف معينة تكون أفضل من الاستقرار نفسه، خصوصا إذا كان الاستقرار يعني استمرار الفقر والظلم معا.
لا مشكلة إطلاقا في الثورات العربية التي قامت ـ كما ذكرت ـ ولكن المشكلة في استمرار الحالة الثورية في تلك المجتمعات كما في حالة مصر وتونس، فمازال المجتمع لا يعي ان الثورة قد انتهت ونجحت في اقتلاع الديكتاتورية، وانه يجب ان تتوقف الأعمال العنيفة والإقصائية التي يمارسها الفرقاء السياسيون ضد الاخوان المسلمين الذين وصلوا الى السلطة بانتخابات حرة ونزيهة.
ففي مصر – على سبيل المثال – مازالت جبهة الانقاذ الوطني المعارضة تريد مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، كما سبق لها ان رفضت الدستور الجديد، ومازالت تتصرف بطريقة ثورية إقصائية .
مشكلة استمرار الحالة الثورية في مصر انها تكلف المجتمع اقتصاديا وأمنيا، ناهيك عن مقتل العديد من الأبرياء في الشوارع والميادين. بينما بالإمكان حل الخلافات بين السياسيين عن طريق الانتخابات والوسائل السلمية.
وفي تونس لم يهنأ حزب النهضة بالحكم بعد الثورة، فعلى الرغم من ضعف المعارضة السياسية فيها الا ان هناك من نجح في إشعال الأوضاع وإرباك الحكومة الاخوانية بحادث اغتيال احد الزعماء المعارضين.
يبدو ان المعارضة الجديدة في كل دول الربيع العربي والموجهة ضد حركة الإخوان المسلمين الفصيل السياسي العربي الأكثر تنظيما وشعبية ربما نجحت في احراج السلطة الجديدة ولكن قطعا لن يستفيد منها المجتمع العربي في المستقبل.
فلو أسقطت حكومات الاخوان فإنها ستتحول بدورها الى المعارضة، وستمارس نفس الأسلوب العنيف والإقصائي الذي مورس ضدها، لتستمر نفس الحالة الثورية التي ربما تستطيع ان تزيل الأنظمة السياسية ولكنها قطعا لا تبني وطنا.
كل الثورات في التاريخ قامت من أجل العدل والمساواة والحرية، ولكن بعضها فقط نجح في تحقيق ذلك، والكثير وقع في نهاية الأمر إما في حروب أهلية طاحنة أو سقط بيد ديكتاتورية جديدة.
ربما تكون مرحلة الثورة صعبة، ولكن الأكثر صعوبة هي مرحلة بناء الأنظمة السياسية الجديدة، لأنها تحتاج الى تضحيات وتنازلات كثيرة، وكذلك يجب ان يحترم الخلاف الفكري الايديولوجي بين فئات المجتمع.