سامي النصف

لعبة الأمم القائمة في المنطقة!

  في بدايات عام 1990 كانت محطة CNN الإخبارية تتعرض لخسائر ضخمة وذاهبة للإفلاس والإغلاق لانصراف العالم عن الأخبار السياسية حتى تم الغزو المفاجئ للكويت، فتوجهت أعين شعوب العالم لما يجري في المنطقة، وكان هناك مقطع مثير يبث حال الاستراحة الإعلانية على المحطة المذكورة عبارة عن خارطة للعالم وأيد مستترة تدفع بدبابة الى منطقة ما وأموال لمنطقة ثانية وتسحب برج نفط من منطقة ثالثة.. إلخ، وكأنها تقول ان ما يجري في العالم في مختصره هو «لعبة أمم» تتقاسم بها الغنائم عبر الحروب وتوزيع الأدوار فيها.

***

قبل ذلك، وقف المؤرخون عند متناقضات عديدة صاحبت الأحداث الجسام في القرن الماضي يصعب تفسيرها الا عبر فهم انها توزيع ادوار بين القوى المتنفذة التي تدعي العداء فيما بينها كسماح ألمانيا القيصرية بمرور الزعيم الشيوعي «لينين» على أراضيها للوصول لموسكو، وتقاطر رجال الأعمال الغربيين للاستقرار والعيش في روسيا بعد نجاح الثورة البلشفية فيها، ومثل ذلك تحالف الغرب الرأسمالي اليميني مع ستالين الشيوعي اليساري ضد هتلر الرأسمالي اليميني، وإعلان اميركا الحرب على ألمانيا عندما هاجمتها اليابان دون ان تعلن روسيا الحرب على اليابان عندما هاجمتها ألمانيا، ودور الغرب في نهضة المانيا بعد الحرب الكونية الأولى وسكوتها عن تسلحها وتوسعة مصانع الأسلحة فيها، وزيادة اعداد جيشها رغم ما في ذلك من مخالفة صارخة لبنود معاهدة الصلح التي وقعت في فرساي.

***

وفي منتصف التسعينيات كتب الخبير الاستراتيجي زبغنيو بريجنسكي كتابه الشهير عن الفوضى العارمة القادمة لمنطقة «اوراسيا» التي تضم دول الشرق الأوسط وبعض الجمهوريات السوفييتية السابقة كحال اوكرانيا، وما نشهده هذه الايام يطابق تماما تلك النبوءة التي من ضمنها جزء مرعب ومخيف حول احتمال استخدام الاسلحة النووية في الحروب التي ستقوم على اراضيها، ويمكن تفسير ما يجري على انه استقطاب «حقيقي» بين الدول المؤثرة في العالم، او في المقابل استقطاب «مصطنع» بين تلك الدول كحال لعبة الشرطي الجيد والشرطي السيئ التي تقسم من خلالها الادوار للوصول للأهداف.

***

آخر محطة: (1) للقراءة الصحيحة لما يحدث وما سيحدث، ان كان ما حدث من ثورات وربيع عربي واوكراني.. الخ، هو نتاجا طبيعيا وعفويا لما قامت به انظمة قمعية فاسدة، فسنشهد في المستقبل القريب نهاية لتلك الفوضى وبدء عملية النهضة والبناء والتعمير والتنمية في تلك البلدان وتوجهها لمستقبل مشرق يجعلها تواكب النهضة العلمية القائمة في العالم.

(2) أما إذا كان ما حدث من ثورات هو نتاجا لمخططات تدمير وتقسيم وحروب اهلية، فنحن في بداية لا نهاية طريق تلك الفوضى العارمة، وما هو قادم اشد وأعنف وأكثر تدميرا بمرات عديدة مما تشهده هذه الأيام، لذا علينا في منطقة الخليج ان نفترض منذ اليوم السيناريو الأسوأ والعمل بكل الطرق على تلافيه قبل ان تصل النيران الى منطقتنا التي تملأ اجواءها ابخرة النفط الساخنة القابلة للاحتراق السريع.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *