سامي النصف

صدام وشقيقه وحزب الكلام والأوهام!

  في 8/2/1980 عقد الرئيس العراقي صدام حسين مؤتمرا للإبلاغ عن الإعلان القومي لحزب البعث العراقي، والذي تضمن «مبدأ تحريم اللجوء لاستخدام القوة بين الدول العربية»، حيث نص على تحريم استخدام القوة المسلحة من دولة عربية ضد دولة عربية اخرى، وقد وصل القائد الضرورة في عملية التشدد لدرجة تحريم استخدام القوة العسكرية حتى في حالة الدفاع عن النفس بحجة عدم توسيع الحرب وسد الذرائع بحيث لا تبرر دولة عربية- حسب قوله- غزوها واعتداءها على دولة عربية أخرى بحجة انها في حالة دفاع شرعي عن النفس.

***

وطالب الإعلان القومي الصدامي الدول العربية بعزل الدولة المعتدية عن بقية الدول العربية ومقاطعتها سياسيا واقتصاديا والرفض المعلن لسياستها العدوانية، كما عقد صدام مؤتمر صحافي لاحقا قال فيه انه لو استخدم قواته ضد أي بلد عربي لوجب على جميع الدول العربية تجييش الجيوش للحرب ضده (لم يتقيد 11 من حلفاء صدام بإعلانه القومي في مؤتمر قمة القاهرة أغسطس 1990 بل أيدوا سياسته العدوانية وغزوه العسكري للكويت، كما لم يستشهد خصومه بإعلانه القومي ضده).

***

ولم يكتف النظام الصدامي بهذا الكم من الأكاذيب والخداع، بل أصدر شقيقه ورئيس مخابراته وحاكم الكويت العسكري د.إبراهيم سبعاوي الحسن في عام 1987 كتاب أسماه «حل النزاعات بين الدول العربية»، والذي يقال ان كاتبه الحقيقي هو عميد كلية الحقوق في جامعة بغداد آنذاك، وواضح ان سبعاوي لم يقرأ الكتاب الذي امتلأ بالفقرات التي تحرم وتجرم استخدام القوة العسكرية في العلاقة العربية ـ العربية، بل وصل الحال به لرفض خيار التفاوض «الثنائي» كونه- حسب قوله- يعطي للدولة الكبيرة الأفضلية على الدولة الصغيرة، لذا يجب ان تتم عملية التفاوض تحت مظلة الجامعة العربية او الأمم المتحدة.

***

آخر محطة: (1) من المهازل: رفض صدام في يوليو 1990 الأخذ بمقترح الكويت بإدخال الجامعة العربية طرفا في حل النزاع الصدامي ـ الكويتي، مطالبا بقيام مفاوضات «ثنائية» بين البلدين.

(2) ومن المهازل في أغسطس 1990: غزا صدام الكويت بحجة ان ما قامت به من تجاوز حصتها النفطية (أثبت تقرير منظمة أوبيك الصادر في 10 يوليو 1990 ان العراق هو من كان يتجاوز حصته النفطية) بمنزلة اعتداء عسكري كويتي على العراق استحق الرد العسكري، وهو الذي يحرم إعلانه القومي وخطبه المعلنة استخدام القوة حتى عند الدفاع عن النفس!

احمد الصراف

حقيبة الحياة

شعر الرجل، وهو مستلقٍ على فراش المرض، بأن الحياة بدأت تنسلّ من جسده ببطء، وأن ليس بإمكانه فعل شيء، ثم رأى القدَر يقترب، وهو يحمل حقيبة في يده، ويخاطبه، قائلاً: لقد حان وقت رحيلك عن هذه الدنيا، دعنا نذهب. فأجاب الرجل، والدهشة بادية عليه: الآن؟ إن لدي أموراً كثيرة أود الانتهاء منها! فقاطعه القدر: معذرة، ولكن علينا أن نذهب! فسأل الرجل، بصوت يبدو عليه اليأس: وماذا في تلك الحقيبة؟ فقال له: متعلقاتك! فرد هذا، قائلاً: متعلقاتي؟! هل تقصد ملابسي، أموالي؟! فقال القدر: لا، تلك لم تكن متعلقاتك أصلاً، فقد كانت ملك الأرض. فسأل الرجل: إذاً ماذا في الحقيبة؟ ذكرياتي؟ فقال: لا، فهذه تنتمي إلى الزمن. فسأل الرجل: مواهبي؟ فرد هذا، قائلاً: لا، فهذه تنتمي إلى الظروف. فسأل هذا: هل فيها أصدقائي وعائلتي؟ آسف، فهؤلاء لم يكونوا يوماً من متعلقاتك، فهم للحياة. فسأل الرجل: هل بها زوجتي وابني؟ فرد هذا: لا، أنت لم تمتلكهما يوماً، بل انتميا إلى قلبك. فسأل: هل فيها جسدي؟ فرد: هذا لا ليس جسدك، فهو للتراب! فسأل الرجل سؤاله الأخير: هل بها روحي؟ فرد القدر، قائلاً: لا، فهي ملكي. وهنا تناول الرجل الحقيبة من القدر وفتحها فوجدها فارغة تماماً، فقال والدموع تملأ مآقيه: هل تريد أن تقول إنني لم أملك يوماً شيئاً. فقال القدر: هذا صحيح، فاللحظات فقط هي ملكك، وعليك التمتع بها طالما امتلكتها، فالحياة ومضة، ولا تدع أي شيء «تمتلكه» يمنعك من التمتع بتلك اللحظة، وعليك أن تعيش يومك، فلا تنس أن تتمتع بالسعادة، فهي التي تعني كل شيء، فالأشياء المادية ستتركها عاجلاً أو آجلاً وراءك، ولن تبقى لك غير الذكريات. وإن كنت سعيداً في حياتك، فستنهي حياتك بسعادة. وإن كنت تعيساً وملكت كل ماديات العالم، فستموت تعيساً!
وهنا قفز الرجل من فراشه فزعاً، والعرق يتصبب منه، وأخذ يلتفت حوله فوجد ولده الوحيد نائماً في سريره، وزوجته مستلقية تغط في النوم، فتنهد، وقام من فراشه، وذهب الى عمله، وهو يشعر بسعادة طاغية، ويقول لنفسه: كل إنسان تقريباً محكوم عليه أن يصبح يوماً، بدرجة أو بأخرى، «فيلسوفاً»! سعداء الحظ أولئك الذين يكتشفون أسرار الحياة قبل فوات الأوان.
ويجب ألا ننسى أن الثروة التي نملكها هي الثروة التي نصرفها، وليس تلك الموجودة في البنك، فهي ملك الآخرين، ما لم ننفقها!

***
ورد في القبس أن رفع علم ما قبل الاستقلال أصبح يشكل ظاهرة، وعلى السلطات التصدي لها! ونحن نتفق مع مطالبة القبس، إلا أن إصرار البعض على الاعتزاز بعلم ما قبل الاستقلال ما هو إلا رفض مبطن لوضعنا الحالي، وحالة الفساد العام التي تعيشها الدولة برمتها.

أحمد الصراف