سعيد محمد سعيد

أحوال «المواطن»… المُرعبة (1)

 

«تشير بيانات دراسة حديثة إلى أن 70 في المئة من المواطنين في البحرين يشعرون بالرضا التام من أداء الأجهزة الحكومية التي تقدم خدماتها للجمهور. وفيما يتعلق بالخدمات الإسكانية، بلغت نسبة المواطنين الذين حصلوا على خدمات متكاملة حققت لهم الاستقرار 85 في المئة، أما نسبة المواطنين الذين أقروا بأنهم يحصلون على أجور عالية فقد بلغت 72.4 في المئة، وفي شأن ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة والرغبة في الحصول على دعم علاوة الغلاء، فكانت نسبة المواطنين الذين يعيشون ظروفاً صعبة هي 11.8 في المئة فقط».

تلك المقدمة من الخيال طبعاً! ولا أساس لها من الصحة إطلاقاً! إنما أوردتها من باب التخيل «الفنتازي» المؤلم بشأن أحوال المواطنين المُرعبة، ولربما، لو قمنا أيضاً، بطريقة فنتازية، وقلبنا النسب بشكل عكسي، لربما اقتربنا مما هو أكثر إيلاماً وفداحةً. لنقل مثلاً أن 70 في المئة من المواطنين غير راضين عن أداء الأجهزة الحكومية، وأن 85 في المئة من المواطنين ينتظرون خدماتهم الإسكانية، ونسبة 72.4 في المئة من المواطنين لا تكفي أجورهم لتغطية متطلبات الحياة، وأن نسبة 11.8 في المئة من المواطنين هم من يعيشون في بحبوحة من العيش! هل هناك من القراء ممن سيقر هذه النسب حتى لو كانت متخيلة؟ لربما… ولا عجب في ذلك.

لا بأس من أن نقترب من بضعة أحوال مُرعبة تعيشها نسبة كبيرة من المواطنين، وبالقطع لن نعتبر هذه الحالات أساساً علمياً لتحليل الوضع المعيشي في البلد، إلا أنه لا يجب أن ننكر أن هناك مشكلة معيشية كبيرة جداً يقابلها انعدام إجراء الدراسات الوطنية والأبحاث التي تكشف الواقع المعيشي للمواطن البحريني بشكل دقيق يمكن الاستناد إليه في خطط التنمية الاستراتيجية، وتقابلها أيضاً خيبات أمل متصاعدة من جراء رفض زيادة الأجور وتوسعة شريحة المستفيدين من علاوة الغلاء وتحسين فرص التوظيف..

تتضاعف وتتعقد حينما نطابقها بالتجاوزات المذهلة في المال العام التي ملأت تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية.

من تلك الأحوال المُرعبة، حالة الخوف والفزع الشديد التي تنتاب مواطناً وجد نفسه مفصولاً! وسواء كان ذلك الفصل قانونياً أم تعسفياً، فإن هناك قائمة من المصاعب تنتظره وخصوصاً إذا كان يعيش في مسكن مستأجر وعليه ثقل من الالتزامات المالية كأقساط القروض. وليس الأمل وردياً قطعاً في حصوله على بدل تعطل ينقذه مما ألم به، غير أن رحمة الله واسعة.

ولربما عمّ الحزن والكآبة منزل مواطن عاش وأسرته حلماً في الحصول على وحدة إسكانية أصبحت وشيكة، فطارت الطيور بأرزاقها وجلس يندب حظه ضارباً أخماساً بأسداس. ولا شك في أننا كمواطنين من درجة محدودي الدخل، نضيق درعاً حينما تتعطل السيارة التي ستكلف الكثير لتصليحها، ونحسب ألف حساب لمناسبات، هي في الأساس سعيدة مفرحة طيبة، كحلول شهر رمضان المبارك والأعياد والمدارس، لأن أزمة مالية شديدة في انتظارنا. وزد على ذلك، لا قدر الله، حينما يمرض فرد من أفراد الأسرة ويتطلب علاجه مصاريف لا تنفع معها إلا «الواسطات»، ومخاطبة فلان المسئول وعلانة المديرة والنائب فلتان والمحسن علان، عل بارقة أمل تظهر في الحصول على مساعدة مالية مهما كان حجمها.

أحبتي، تعرفون بالطبع كيف تكون حالة عائلة تحصل على المعونة الاجتماعية أو راتب تقاعدي أو تلك (المنحوسة)… علاوة الغلاء وقتما تتوقف أو تنقص أو تتعثر لسبب من الأسباب! ولكن السؤال الذي ليس من السهل الإجابة عنه هو: «هل من الصعب فعلاً أن يعيش المواطن البحريني ذو الدخل المحدودة حياة مستقرة آمناً على رزقه ولقمة عياله؟ هل تغني تصريحات المسئولين عن الرخاء والرفاهية وارتفاع دخل الفرد وتسمن والمواطن ذاته لا يشعر بها؟ أليس مؤلماً أن «نُعشم» المواطن بالمشاريع الضخمة التي ستعود عليه بالنفع وستنعكس إيجابياً على رفع المستوى المعيشي ثم لا يجد من ذلك إلا «الريش» كما نقول بالعامية؟ أين المتخصصون في التنمية؟ أين المستشارون؟ أين النواب الذين ملأوا جيوبنا بادعاء تفانيهم في تحقيق أمنيات وأحلام المواطنين؟ دعونا منهم فليس يأتي منهم إلا الهرج والمرج.

على أي حال، فإن واحدة من أكبر الصدمات التي حطمت آمال الكثير من المواطنين هي الحصول على زيادة نسبتها 15 في المئة، بعدما رفضت الحكومة طلب مجلسي الشورى والنواب تلك الزيادة ضمن الموازنة العامة للسنتين الماليتين 2013 و2014 باعتبار أن الدين العام والفوائد عليه سترتفع إلى 180 مليون دينار سنوياً! لذا، فإن الغالبية العظمى من المواطنين تريد جواباً مقنعاً: «هل يمكن للحكومة رفع الأجور في القطاعين العام والخاص أم لا؟»… الحديث سيكون طويلاً مستقبلاً.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *